هوايات

أشرف هاشم: «الخيامية» ذوق فني يتطلب الصبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

وفي عصر العولمة والمعلوماتية يظل هناك من عبق الماضي صناعات وهوايات تأثرنا بجمالها وبساطتها، من بين هذه الهوايات فن «الخيامية»، أو فن الرسم والكتابة على «الخيام» باستخدام مجموعة من الألوان الزاهية والخيوط البارزة.

وفي مصر التي تشتهر بصناعة النسيج عبر العصور، لا يزال هذا الفن صامدا بتشكيلاته الجمالية، التي تجذب الكثيرين من عشاق فنون التراث المصري القديم، ويعد الحاج أشرف هاشم أحد أبرع هواة هذا الفن، حيث توارث هذه الهواية أبا عن جد.

هناك في منطقة الدرب الأحمر - إحدى بقاع القاهرة القديمة، وبالتحديد في شارع «الخيامية» - كان لقاؤنا بهذا الرجل الحاج أشرف الذي يلقبه أهل منطقته بالفنان، حيث يقطن ويعمل هو وعائلته وجيرانه المتخصصين في صناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم في عمل السرادقات والكتابة والرسم على المعلقات الحائطية والمفارش والستائر التي تتسم بالزخارف الشعبية بروح عصرية.

وبالرغم من تخرجه في كلية الحقوق إلا أنه آثر هوايته على تخصصه العلمي، وجلس أمام أبيه وحده حتى اقترب من أولى خطوات هذا الفن، وهي «لضم» الإبرة لتبدأ رحلة غزل الخيوط، وتزيين «الخيام» بالصور والآيات القرآنية وألوان الطباعة المختلفة.

يقول الحاج هاشم: إن الخيامية فن عرفه العالم منذ قديم الزمن، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى الخيام، حيث استخدم في زخرفة الخيام بواسطة عمل قصاصات من القماش يتم تثبيتها بطريقة فنية مبتكرة، لتظهر الخيمة في النهاية أشبه بلوحة فنية مميزة.

الخيامية، بحسب أحد أشهر هواتها، فن مركب شديد الجاذبية والسمو، وتعتبر من الصناعات التقليدية الصغيرة المتوارثة عبر آلاف السنين من التفاعل الحي بين المجتمعات المحلية بما تحمله من «رؤى» وقيم حضارية، وأيضًا إبداعات البلدان الأخرى بإمكانية التناغم والمزاوجة بينها، غير أن الإبداع الحقيقي يتضح في كيفية التطريز على الأقمشة السميكة باستخدام مجموعة من القصاصات.

تاريخ هذا الفن «فن الخيامية» يرويه الحاج هاشم كممارس له منذ 25 عاما حيث يقول: تنوعت الأقاويل حول تاريخ وبداية معرفة المصريين بالخيامية، لافتا إلى أن هناك ثلاث روايات تناقلها شيوخ المهنة والأجداد عن بداية هذا الفن، أولاها تقول إن معرفة المصريين بالخيامية بدأت في عصر المماليك، حيث برع الفنان المصري - آنذاك - في صناعة وزخرفة خيام الأمراء، ومن هنا أطلق على هذه الحرفة الخيامية، نسبة إلى خيام الأمراء.

لكن - والكلام لشيخ الخيامية - هناك روايات أخرى تقول إن هذا الفن في الأساس فرعوني، بينما يشير رأي ثالث إلى أن هذا الفن ظهر في مصر مع بداية الفتح الإسلامي، حيث كان العرب يقيمون في خيام تتميز بحسن مظهرها الخارجي، ومنها أخذ المصريون هذا الفن، وأضافوا إليه رسومات وأشكالا وألوانا تميزوا بها وتوارثها الأجيال.

ورغم هذا الاختلاف في الرؤى، يؤكد أن أجداده تناقلوا عبر مشوارهم الطويل أن الخيامية فن تعود جذوره إلى أصول فرعونية، وكان وقتها يبدع على جلود الحيوانات، كما ظهر في بعض الملابس الفرعونية المزخرفة، ومن بينها رداء توت عنخ آمون الموجود بالمتحف المصري، ثم انتشر هذا الفن في أوروبا، وهناك حدث تطور في إبداع الرسم على القماش قبل أن يعود إلى مصر، ويبدأ الفنان المصري في تطويره إلى أن أصبح بهذا الشكل المتعارف عليه حديثًا.

أما عن تاريخ الخيامية عربيًا، فيوضح الحاج هاشم أن هذه الصناعة قامت على أساس أن العرب كانوا يقيمون في الخيام، وكان كل عربي حريصا على أن تكون خيمته جميلة تختلف عن الخيام الأخرى، وذلك من خلال الرسومات والأشكال والألوان المنسوجة منها الخيمة، وتتضمن نقوشًا ورسومات إسلامية وآيات قرآنية.

وبالطبع من أهم استخدامات الخيام كانت في المملكة العربية السعودية لإنشاء خيام لسكن الحجاج وحمايتهم من عوامل الطقس المختلفة سواء الحر أم البرد الشديدين، وتطورت خيام الحجيج كثيرًا عن ذي قبل، وأصبحت تتضمن مزايا عديدة، وباتت تصنع من مواد خاصة غير قابلة للاشتعال، ولا تتفاعل مع المتغيرات المناخية.

«الخيامية» فن يحتاج إلى مواهب وإمكانات خاصة لا بد أن تتوافر في من يريد أن يخوض هذا المجال، باعتباره واحداً من أدق الهوايات التي تبرز موهبة صانعها أهمها الصبر على العمل اليدوي كي يخرج دون أخطاء، أيضا تعتمد الخيامية على ذوق فني يتطلب موهبة وابتكار الكتابة والرسم والتصميم، لافتا أنه في أزمنة سابقة كان هنالك ما يسمى بطائفة الخيامين، وكان لا يخرج عمل إلا إذا اعتمد من هذه الطائفة بعد توافر الشروط من حيث الجودة ودقة التصميم.

تعليم فن الخيامية يتطلب، كما يقول الحاج هاشم، أربع مراحل الأولى هي التعرف إلى الأدوات المستخدمة ومواد الإنتاج وكيفية استخدامها، والثانية وهي التي تستلزم الموهبة، وتشمل الرسم على القماش والطبع بالفحم، وهي مرحلة غاية في الصعوبة والخصوصية لما تتطلبه من إبداع، والمرحلة الثالثة يتعلم فيها مهارة صناعة الخيامية، والرابعة والأخيرة وهي «بردقة إنتاج»، أو تشطيب، وتحتاج إلى مهارة وذوق عال لخروج القطعة في أفضل صورها.

تتفاوت براعة هذه الصناعة بين شخص وآخر حسب إبداعه في كيفية التطريز على الأقمشة السميكة باستخدام القصاصات والخيوط، والتي تصنع بنوعين من الغرز لا ثالث لهما، الغرزة «الشلالة» وهي بارزة تراها العين على الأقمشة، والغرزة «السحرية»، وهي لا ترى فيظهر الشكل وكأنه مرسوم أو ملصوق، وهي التي يعتمد عليها بنسبة كبيرة.

أما عن الألوان التي تستخدم في تزيين الخيام فكانت قديمًا محصورة بين الأحمر والأسود والأزرق والأخضر، ولكن مع تطور هذا الفن واهتمام السياح الأجانب به بدأت ألوان جديدة تدخل عليها مثل «البيج، البني، الهافان، التركواز، السماوي»، والعديد من الألوان المختلفة في درجاتها بين الفاتح والغامق، مما أضفى على الصناعة حيوية وتجديد.

حرفة يدوية 100%

يؤكد شيخ الخيامية أن هذه الهواية يدوية خالصة لا تتدخل فيها الآلات والماكينات نهائيًا، وهي لذلك تحتاج إلى وقت كبير لإنجازها، وتعلم الصبر والتأني والدقة فقد أنجزنا أعمالاً لم يصدق أحدا أنها يدوية حتى أنه في ذات المرات قام بعرض إحدى لوحاته فأتى زائر لبناني لشرائها وعندما أخبره أنها يدوية لم يصدقه وكاد يعزف عن شرائها لولا أن قمت بفك جزء منها أمامه حتى صدق.

وأشار إلى أن أجمل ما يبدع على القماش هو الكتابة بأنواع الخطوط المختلفة كالديواني والفارسي والأندلسي والعثماني والكوفي، ويضاف إليها ما يندرج تحت مسمى الخطوط المعمارية كالخط الكوفي المزهر والهندسي المغربي.

وهناك أيضا الأشكال والرسوم الفرعونية والتي تلقي رواجا لدى السياح الأجانب، خاصة أنها نقل عما هو مرسوم على ورق بردي يعود إلى العصر الفرعوني، بالإضافة إلى لوحات شهيرة معتادة مثل لوحة المحاكمة، ولوحة العازفات، والملكة نفرتيتي، وقناع توت عنخ آمون، وزهرة اللوتس.

وبجانب الخطوط العربية والرسوم الفرعونية تتجلى أيضا الإبداعات الشخصية والابتكارات مثل كتابة الأسماء على شكل الحيوانات، والتي يتميز بها أشخاص بعينهم، وهي من الدروب التي تلقى إقبالاً شديدا، خاصة بين أهل الخليج، فهم يقدرون مثل هذا النوع من الرسم، كما أنهم يقبلون على أعمال ذات طابع عربي تمثل التراث القديم مثل التنورة والتحطيب، والأشكال الإسلامية كالكعبة المشرفة والبسملة على شكل طيور والصلاة على النبي محمد، والتي تنفذ بأشكال متنوعة وبألوان زاهية ومختلفة.

وعن خطوات فن «الخيامية» يقول مبدعها: تبدأ خطوات فن الخيامية بوضع التصميم المختار على ورق باترون، وتتم خياطته في القماش الذي سيتم تطريزه، ثم توضع بودرة خاصة لطبع الرسم على القماش حتى تتم عليها عملية التطريز، ويتم عمل أكثر من وحدة لذات التصميم، وتحاك مع بعضها البعض بطريقة «اللفقة» من دون أن يظهر أي شيء من هذه الخياطات على السطح الخارجي للقماش.

وقد تستغرق القطعة الصغيرة 7 أيام عمل متواصلة، ويتراوح ثمنها بين 500 و700 جنيه مصري، وتستخدم فيها خامات مثل القطن المصري وخيوط الحرير المزوي وأوراق باترون وإبر خاصة تستورد من الخارج نظرا لأحجامها وطبيعة الخيوط التي تستخدمها.

القاهرة ـ دار الاعلام العربية

Email