اللغة العربية تتغير وتتبدل مفرداتها، بل أحياناً تنقرض والكل يتفرج، وخصوصاً اللغويين، ولا أحد يستطيع أن يتخيل أو حتى يحاول أن يفهم إلى أين نحن ذاهبون، في ظل أمور تكاد أن تبتلعنا، في مستوى المعرفة باللغة العربية الذي ينحدر صوب هاوية سحيقة. فأي لغة نتكلم ونكتب، ومن يراقب ويجتهد.

«الحواس الخمس» اقتربت من عالم النت واكتشفت «الإرابيش» التي تتداول بين متصفي مواقع الشات. فإذا كنت تريد الدخول إلى عالم غرف المحادثة توقف قليلاً قبل أن تتفوه هناك، فلسكان هذا العالم لغة جديدة يجب عليك إجادتها كي يصبح بإمكانك الإنتماء إليهم. هي ليست عربية أو إنجليزية، وإنما مزيج من اللغتين تعرضت إلى النحت اللغوي فأصبح اسمها «الأرابيش».

قلة من الناس، ربما هي التي تتابع القاموس الجديد للشباب الذي يولد من رحم الأجهزة التكنولوجية الحديثة، فالكلام العربي حين يدخل المحمول أو الكمبيوتر أو حين يطلع على الشاشات التلفزيونية، يكتسب خصائص جديدة، لم تكن له من قبل، فالانقلابات جذرية تطال المفردات والتراكيب، لكنها تطال قبل هذا وذاك الذهنية بشكل خاص.

«الأرابيش» مصطلح يعرفه جيداً مستخدمو برامج ومواقع الدردشة الإلكترونية، خصوصاً هؤلاء الذين لا يجيدون اللغة الإنجليزية، وتجمعهم الإنترنت مع عرب يقيمون في الخارج. و«الأرابيش» هي طريقة لكتابة اللغة العربية بأحرف إنجليزية.

ومن هنا جاء هذا الاشتقاق المأخوذ من Arabic English ، وهذه الطريقة في الكتابة تتيح للمستخدمين التواصل باللغة العربية بشكل كامل وبأحرفها التي تنفرد بها دون غيرها من اللغات، حتى لو كانت الأحرف المستخدمة هي الإنجليزية.

عوائق وعقبات

والموضوع قديم وليس حديثاً، ويعود إلى بداية طفرة الإنترنت وتعرف الشباب العربي داخل وخارج العالم العربي إلى الشات الذي أتاح لهم هذه الآلية للتواصل، إلا أن هذا التواصل وقف في طريقه عقبتان أساسيتان تكملان بعضهما البعض، وهما جهل البعض باللغة الإنجليزية، وعدم المقدرة ممن يعيشون في الخارج على قراءة الحرف العربي على صفحات الإنترنت.

حيث لم تكن برامج التصفح قد بدأت بدعم اللغة العربية بعد، خصوصاً المتصفح الشهير Netscape والذي كان من أشهر برامج التصفح مع بدايات طفرة الإنترنت. وهذه العقبة التي وقفت في وجه الفريقين، سرعان ما وجد لها حل فريد من نوعه وذكي في الوقت نفسه، وهو كتابة منطوق الأحرف العربية ودلالاتها الصوتية بأحرف وأرقام إنجليزية.

الأمر لم يكن بسيطاً، لكن مبتكريه لاحظوا تشابهاً بين رسم بعض الأحرف العربية التي لا يقابلها أحرف تشابهها نطقاً باللغة الإنجليزية، وبين رسم أرقام إنجليزية، ولينتج في النهاية لغة عربية كاملة وبالحرف الإنجليزي.

هذه العقبة كانت موجودة سابقاً عند كتابة أسماء عربية تحتوي أحرفاً معينة باللغة الإنجليزية، مثل حرف الخاء الذي كان يستعاض عنه بثب أو الظاء و الضاد وغيرها. لكن الحل الإلكتروني كان أذكى، حيث استطاع إيجاد بدائل إنجليزية لكل الأحرف العربية دون استثناء، فحرف الحاء أصبح يرمز له بالرقم 7 لتقارب رسميهما.

وكذا الطاء الذي يشبه الرقم 6 والعين الذي يشبع رقم 3 والصاد الذي يشبه الرقم 9، ثم لتضاف نقاط في أعلى هذه الأرقام للتعبير عن الضاد أو الظاء مثلاً، إذ صار من الممكن تماماً أن تقول لمن يحاورك في الطرف المقابل ٍفْ7فقف ليفهم أنها «مرحباً» وبنطقها العربي أيضاً!

الحاجة أم الاختراع

الحاجة قد تقتضي أحياناً أن تخترع لغة كاملة، فلم تعد تقتصر على المدردشين في غرف الحوار فقط، بل أصبحت تستخدم للكتابة في المنتديات، بل إن الكثير من المواقع العربية أصبحت تستخدمها في أسمائها أيضاً!

طبيعة الإنترنت باعتبارها وسيلة اتصال سريعة الإيقاع قد واكبتها محاولات لفرض عدد من المفردات السريعة والمختصرة للتعامل بين الشباب، وبالرغم من أن هذه اللغة غير معتمدة، إلا أنها تحقق شعبية وانتشاراً بين فئة مستخدمي الإنترنت كوسيلة للتخاطب، وحتى بين مستخدمي الهواتف النقالة، الذين لم تعقوهم وجود برامج تدعم الكتابة والتخاطب باللغة العربية من عدمها، إذ أتاحت لغة الإرابيش لهم ذلك.

ومن جانب آخر فإن الإنترنت ليست وحدها المسؤول عن تغيير لغة الشباب، فالعديد من المصطلحات الأجنبية المنتشرة بين الشباب سببها استخدام الإنجليزية كلغة تعامل في بعض أماكن العمل، إضافة إلى تردي التعليم الجامعي الذي لا يهتم أصلاً باللغة العربية، وصولاً إلى الدراما العربية وما تقدمه في المسلسلات والأفلام من ألفاظ شاذة.

دبي - جميلة إسماعيل