هوايات

مصري يقتفي أثر أجهزة الراديو القديمة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من أن عمره لم يتعد الأربعين، إلا أنه لا يتذكر على وجه التحديد الوقت الذي وجد نفسه شغوفاً بتجميع واقتناء أجهزة راديو متباينة وقديمة ونادرة، ربما كان ذلك قبل ثلاثين عاماً، حينما لاحظ أن والده يختلي كثيراً في حجرة مكتب خاصة ساعات طويلة، ما دفعه من باب الفضول ذات يوم للتلصص على والده فوجده غارقاً بين كومة لا محدودة من أجهزة الراديو غريبة الأشكال والأحجام.. يومها أدرك أن والده وقع على صيد ثمين تمثل في اقتناء هذه الأجهزة، التي انتقلت عدوى حبها إليه، فصار هو الآخر وريثاً لهذه الهواية الشيقة.

ليس غريباً أن يهوى من جاوز الستين أو السبعين من عمره أشياء عاصرها عبر عشرات السنين، تتسم ببصمة تراثية تحمل رحيق الزمن الجميل وأصالته وإبداعه، لكن الغريب أن يفعل ذلك شاب لم يجاوز الأربعين من عمره، كرَّس غالبية وقته وجهده وماله لهواية فريدة، هواية اقتفاء أثر أجهزة الراديو القديمة وامتلاكها، وإصلاح العاطب منها..

لذلك لم يدخر الشاب المصري خالد زكي جهداً في السعي وراء هذه الأجهزة، لاسيما المصنوعة من الخشب، حين كان الراديو يتميز بحجم كبير، وبطارية ضخمة، وكان أشبه ببنورة ساحرة يلتف حولها المستمعون لتحملهم إلى عوالم من الخيال، يستمتعون بلذة لا حدود لها، يتفاعلون مع القصائد الشعرية الرصينة والأغاني الحماسية.

يلفت «زكي» إلى أن الراديو قديماً كان يصنع بعدة أشكال وأحجام كالراديو الخشب ثم الراديو البلاستيكي، والمصنوع من مادة الباكليت، ويقول: يختلف الراديو في موديلاته وخاماته التي صنع منها حسب الزمن وطبقاً للماركات أيضاً.. ومن أبرزها ماركة جنرال الكتريك، كلاريون وايلاين، هووارد، ماجستيك، زينيت، فيلكو، فيليبس، هيز ماستر فويس.

ومن أشهر أجهزة الراديو التي كانت متوفرة على مستوى العالم وفي المنطقة العربية وكالة فليبس التي ازدهرت مبيعاتها خاصة على مستوى السعودية ومصر في النصف الثاني من القرن الفائت.. وأيضا «بانسونيك» التي تطور صنع أجهزتها من الأحجام الضخمة إلى متناهية الصغر..

وتفنن المهندسون في صنع أشكالها حتى أن الكبير منها صنع له بيوت محمية من الخشب أو الجلد الطبيعي، مشيراً إلى أن جيمس كلارك ماكسويل كان أول من تنبأ بوجود الموجات الكهرومغناطيسية التي تنتقل بسرعة الضوء، وذلك في العام 1864م.

بينما أثبت هينريتش هرتز في العام 1880م نظرية ماكسويل.. وجاء ماركوني في العام 1895م ليرسل أول إشارات اتصال بموجات الراديو.. وتطور الأمر تباعاً حتى العام 1920م الذي شهد أول بث تجاري منظم قامت به محطات ططت في ديترويت وثثء في بيتسبورج.

ويوضح زكى أن الراديو كان في بداية تصنيعه صندوقاً خشبياً كبيراً، اختصر المسافات والوقت، واعتبره البعض حين نشأته رجساً من عمل الشيطان، لكنه ما لبث أن تطور تباعاً، متخذاً أشكالاً وأحجاماً متعددة أثارت في نفوس الناس قديماً العديد من الاستفسارات، حيث كانوا يتساءلون كيف ينطق هذا الجماد ويغني؟ كما كان يحرك لديهم مخاوف من اقتنائه أو لمسه.. لكن مع الزمن تغيرت المفاهيم، وصار الراديو صديقاً عزيزاً في قصور وبيوت الصفوة.

لا يخفي هاوي الراديوـ على الرغم من نشأته في عصر الطفرة التكنولوجية، امتعاضه الشديد من الأجهزة الحديثة التي يصفها بعديمة الحس والذوق الفني، والتي أصبحت مجرد آلات صماء لنقل المعلومات والموسيقى، وأهدرت تماماً الفن والنمط التقليدي الذي تميزت به تلك الأجهزة التي كانت منتشرة في خمسينات القرن الفائت.. لذلك يؤكد بإصرار أنه مهما طال الوقت ومر الزمن سيبقى التراث الجميل من أفضل ما يملك الإنسان عبر مسيرته، لأنه مهما حدثت من ثورة في التكنولوجيا سيبقى التاريخ هو الذي يضع بصمته فوق كل ذلك.

من يملك التراث فهو يملك ثروة لا تقدر بثمن.. انطلاقاً من هذه الرؤية، يوالي خالد زكي عبدالعزيز البالغ من العمر 38 عاماً الهواية التي ورثها عن والده وأجداده، ويسافر إلى العديد من البلدان لكي يجمع أندر أجهزة الراديو القديم ومنها «راديو فيليبس هولندي» صنع العام 1952، راديو فيليبس هولندي صنع 1955، راديوز-.ء إنجليزي صنع العام 1950، راديو ألماني صنع العام 1960، راديو سونار ألماني صنع العام 1955، راديو خشبي قديم يعمل ويستقبل القنوات على 4 موجات ءح،ئح،سط1،سط2 يعمل بفيوزات تشبه اللمبات.

ووفق ما يؤكده زكى فإن الراديو كان ولايزال تحفة فنية، خاصة القديم والنادر منه، فمنذ عشرينات القرن الفائت والعقود التالية حرص الصفوة على اقتنائه كتحف جمالية تزين قصورهم ومنازلهم، بل إن هناك كثيرين في زمننا الحالي يحرصون على اقتنائه للإحساس بالأصالة، حتى أنهم يشعرون وكأن هذا الراديو يتحدث عن عروبته وأصالته.

وأصبحت الآن هذه الأجهزة القديمة مطمع الهواة وعشاق الماضي، يشترونها بأعلى الأسعار لأنهم لا يستطيعون مقاومة الذكريات الجميلة التي تناديهم ويستجيبون لها صاغرين.. موضحاً أن معظم زبائنه من المثقفين وذوي المراكز المرموقة من محبي شراء القديم وعشاق الماضي.

ويوضح زكى أن أول راديو دخل إلى مصر كان عن طريق أمير الشعراء أحمد شوقي، كان على شكل «القبوة» وبه مجموعة لمبات، بعد ذلك ظهرت شركة «فيليبس» لمنتجات الراديو وكان آخر إنتاج لهم في الستينات وكان هناك الراديو «باي» و«فيركسون» و«تيلفونكن» و«بلييوينت» و«كروندك» و«مولارد»، وهي تعمل بالتيار الكهربائي فقط أو البطارية التي تشبه بطارية الدراجة النارية.

عندما دخل الراديو مصر كان ذلك قبل ظهور الكهرباء لذلك كان يعمل على بطارية السيارة وكانت صناعة هذه الأجهزة في الغالب في ألمانيا وانجلترا وهولندا، وكان الراديو الفيليبس يتكون من «4-5 لمبات + مكثف + ترانس + مجموعة مقومات + سماعة + علبة خارجية تختلف من الخشب إلى الفايبر».

أما عن أدوات الراديو فكان يعتمد على الصمامات «اللمبات» وعددها في الغالب ثلاثة، كانت اللمبة الأولى للصوت، والثانية «ئ» لتكبير والثالثة «كو» كانت تابعة للمكثف لضبط الإرسال، وإذا تعطلت إحداهما لا يعمل الراديو أبداً، واستمرت هذه الصمامات إلى الستينات وبعد ذلك ظهر الراديو الذي يعمل بالترانزستور فهو غير مكلف في الصناعة. ويقول: كان لدي جهاز راديو من السبعينات أميركي الصنع، رآه مواطن سعودي وعرض عليّ مبلغاً كبيراً لكي يشتريه.

لكنني رفضت بيعه لأنني أعتبره من أملاكي الخاصة والتي لا تقدر بمال، وقبل سنوات انتشرت شائعة بوجود راديو ألماني به 12 زرار نوعه فيليبس «وبه زئبق أحمر» وعندما سمع الناس هذه الشائعة حدثت ثورة في سوق الراديو، فنفدت كل الأجهزة الموجودة في الأسواق بسبب هذه الشائعة تحت اعتقاد الناس بوجود الزئبق الأحمر.

أخيراً، يرفض «خالد» تحديد أسعار مختلف أجهزة الراديو التي يحوزها وورث بعضها عن والده وأجداده، مؤكداً أنها بمثابة التحف التي لا تقدر بثمن.

القاهرة - (دار الإعلام العربية)

Email