إيقاع

المونولوج.. من الرومانسية إلى النقد الساخر

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد المونولوج الغنائي من القوالب الحديثة لفن الغناء العربي وقدمه لأول مرة سيد درويش عام 1920 ويعود أصل كلمة مونولوج إلى اللاتينية القديمة ومعناها الأداء المنفرد، والشق الأول من الكلمة مونو معناه مفرد، وتشير التسمية اصطلاحا إلى أن النص عبارة عن مقطع واحد يؤديه فرد واحد، ويقابلها في اللغة الديالوج ومعناها الأداء الثنائي والمزدوج أو الحوار بين اثنين والمونولوج الغنائي ليس له علاقة بالمونولوج الفكاهي.

يتكون المونولوج نظما من عدة أبيات تطول أو تقصر، سمتها الأساسية عدم تقسيم النص إلى مذهب ومقاطع حتى وإن اختلفت قوافيه، وتسترسل أبياته في نسيج واحد للنهاية، وبالتالي عدم العودة إلى المدخل لا نظما ولا غناء وفي السياق تباينت أغراض شعر المونولوج بين الحب والوصف وغلب عليه الطابع الرومانسي. وعلى الرغم من أن المونولوج كقالب فني يمنح الملحن حرية واسعة في صياغة لحنه لا توفرها معظم الأشكال الأخرى، فقد التزم سيد درويش بنهج المونولوج المسترسل فلم يكرر فيه أي جملة لحنية، في حين لجأ بعض الملحنين إلى سلوك التلحين التقليدي بالعودة إلى لحن المدخل دون وجود مذهب نصي، وذلك بصياغة بيت في وسط النص على لحن المدخل بعد وقفة غنائية قد تتبعها لازمة موسيقية للتمهيد إلى بقية النص الذي قد يصور موقفا جديدا يريد الملحن التعبير عنه بمقام جديد أو إيقاع مختلف. وقد فعل هذا محمد عبد الوهاب في مونولوجه الشهير أهون عليك في بدايات تلحينه للمونولوج عام 1928، وهذا التصرف يشبه إلى حد كبير تلحين الدور الذي وإن لم ينطو على إعادة نصية للمذهب فقد يعاد لحن المذهب على أول أبيات المقطع أو الغصن التالي بعد ختام الغصن الأول كما في أدوار سيد درويش.

مسؤولية الملحن... وتتلخص الخصائص المحتملة للحن المونولوج في الدراما اللحنية حيث يعتمد اللحن على رؤية الملحن الدرامية والتعبيرية، فإذا تولى فرضا تلحين المونولوج أكثر من ملحن تأتي ألحانهم أكثر تباينا مما لو تولوا تلحين الطقطوقة مثلا أو الأغنية، الى جانب اللزم الموسيقي رغم احتمال وجود مقدمات موسيقية تمهيدية في معظم الأعمال، فإنه لا يمكن توقع أماكن اللزم الموسيقية أو وجودها من عدمه بالإضافة إلى ذروة اللحن التي قد تجئ في أي موضع من النص، وقد يمكن أولا التكهن به والختام الذي قد يجئ هادئا، وقد يخرج عن المقام الأساسي. ومن جانب آخر تقع مسؤولية نجاح المونولوج على الملحن بالدرجة الأولى ولذا فإن اداء المطرب محدد سلفا بقدرة الملحن على تقديم لحن متماسك، وبعكس الطقطوقة مثلا فإن البناء الدرامي لا يمكن توحيده أو إيجاد سمات مشتركة تتصف بها ألحان المونولوجات ولذا فإن المطرب يحرم من التهيؤ لأداء مقاطع منفصلة، وعليه أن يعبر عن الخط اللحني عرضا متصلا حتى النهاية، وبالتالي فإن تقييم السامع لأداء المونولوج ربما لا يتسنى له إلا بعد الاستماع للعمل بالكامل.

العمل الأول... وفى عام عام 1920 ظهر أول مونولوج بعنوان «والله تستاهل يا قلبي» لحن سيد درويش مقام عجم وكلمات أمين صدقي في أوبريت راحت عليك، وقد سجله سيد درويش بصوته على اسطوانة كما غنته المطربة حياة صبري ومنذ عام 1924 إلى 1928 كتب أحمد رامي عدة مونولوجات كانت من نصيب أم كلثوم بألحان للدكتور أحمد صبري النجريدي ومحمد القصبجي أشهرها «إن كنت أسامح» للقصبجي والتي كانت سببا في ان يقدم محمد عبد الوهاب مونولوجا آخر يسير على قالب «إن كنت اسامح» بعنوان «الليل لما خلى» لأحمد شوقي و«أهون عليك» ليونس القاضي فكانا من أفضل أعماله ونقطة تحول في ألحانه، ونجح في المنافسة بهما على قمة التلحين والغناء وهما عملان من روائع الغناء العربي الكلاسيكي وتوقف محمد عبد الوهاب عن تعاطي هذا اللون، حتى أعاد الأخوان رحباني إحياءه مرة أخرى عبر العديد من الأعمال «لملمت ذكرى لقاء الأمس»، «راضية»، «بكوخنا يا بني»، «راح احلفك بالغصن».

وغيرها، وعام 1931 لحن زكريا أحمد أول مونولوج لتغنيه أم كلثوم وفى عام 1938 لحن رياض السنباطى «النوم يداعب جفونى» آخر مونولوج لأم كلثوم، وقد تبنى الثنائى أحمد رامى ومحمد القصبجى هذا الشكل الجديد من الغناء في تقديم العديد من المونولوحات لعدة سنوات.

وبظهور الأجيال اللاحقة من الملحنين الذين فضلوا تلحين الأغنية الحديثة توارى هذا الفن في هدوء، وبينما استمر تقديم القوالب الأخرى كالقصيدة والأغنية والموال لم يصمد قالب المونولوج كثيرا ربما لصعوبة تلحينه، لذا قل تقديمه شيئا فشيئا إذ لم يقدم معظمه إلا رواد الملحنين.

المونولوج الفكاهي

فى أواخر الأربعينات من القرن العشرين وبعد انحسار موجة المونولوج الغنائي ظهر نوع من الغناء الساخر اتسمت ألحانه بالسرعة والخفة سمي اصطلاحا بالمونولوج الفكاهي، لكن هذه التسمية التي اقترنت بنجوم المسرح والسينما من الممثلين غير المطربين مثل اسماعيل يس ومحمود شكوكو اختزلت مع الوقت إلى كلمة مونولوج فقط دون وصفها.

وظلت تستعمل كاصطلاح فني وشعبي للإشارة إلى الغناء الفكاهي، بينما توارت أشكال الغناء الأقدم بما فيها المونولوج الغنائي والطقطوقة لتحل محلها الأغنية بشكلها الحديث، والمونولوج الفكاهي لا ينتمي نظما إلى المونولوج الشعري حيث انه يضم مذهبا وعدة مقاطع يعاد المذهب فيما بينها وبذلك فهو أقرب للطقطوقة من ناحية النظم والبناء اللحني، لكن أغراضه لم تخرج عن النقد الاجتماعي الساخر.

وقدمته أيضا ثريا حلمي وسعاد مكاوي ومنير مراد في الخمسينات، وشاع المونولوج الفكاهي وأصبح فقرة أساسية تقدم في الحفلات العامة والخاصة وفي أفلام السينما وعلى المسرح، بفضل مجموعة من النجوم تخصصت في هذا النوع من الغناء، وفي الستينات ظهرت مجموعة جديدة مثل أحمد غانم وسيد الملاح تقدم نفس النوع واكتسب هذا اللون من الغناء جمهورا عريضا ينتظر فقرته في الحفلات بشوق كبير لما تمتع به من خفة الكلمة واللحن وجماهيرية موضوعاته، وأصبح كالكاريكاتير في وسط القوالب الغنائية التقليدية التي تمسكت بالرومانسية العاطفية، وجذب مجموعة من الملحنين لتلحينه بما فيهم محمد عبد الوهاب.

ورغم عدم تمتع من قدموه بالصوت الحسن فقد نجحوا في تحقيق القبول الجماهيرى بأداء ألحان مطربة لما تميزوا به من حس موسيقى عال، لا يتوفر إلا لأصحاب الآذان الموسيقية الحساسة ولتمكنهم من أداء الألحان والجمل المقامية بدقة عالية.

المونولوج الفكاهى بدأ بالانحسار مع تقاعد نجومه الكبار ثم آل إلى الانقراض تدريجيا.

غير أن الأعمال الجديدة انتابها ضعف في الكلمات والألحان التى فضل مقدموها وضعها بأنفسهم، وتخلل أداء المونولوج الكثير من الوقفات لإلقاء النكات على المسرح مما أضعف من قيمته كشكل غنائي.

دبي ـ رشا عبد المنعم

Email