سياحة

مدينة الطائف.. وهج حضارة ونبض حياة وممر للقبائل الذاهبة إلى الحج

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الطائف مدينة سعودية تقع في منطقة مكة المكرمة على قمة جبل غزوان، وهي مصيف يتميز بطبيعة خلابة وجو بارد معتدل وهي ضمن منطقة استراتيجية بين مناطق مكة ونجد من جهة والمنطقة الجنوبية من جهة أخرى.

التسمية ذُكر في جامع الأصول في أحاديث الرسول انها سميت الطائف للحائط الذي بنته حولها ثقيف في الجاهلية وهو التفسير الاقرب للصحة، ويحكى في روايات الأثر أن أبوطالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم قال مادحا قومه في حماية الكعبة مستشهدا بدور أهل الطائف ثقيف في بناء حائط حماية من المهاجمين: حمينا بيتنا من كل شر *كما احتمت بطائفها ثقيف* اتاهم معشرا كي يسلبوهم * فحالت دون ذلكم السيوف* .وفي روايات أخرى: لأنها طفت على الماء في الطوفان أو لأنها كانت قرية بالشام أو جنة بصنعاء لأصحاب الصريم فاقتلعها جبريل عليه السلام، وطاف بها حول البيت ثم وضعها، أو أنها الجنة التي ذُكرت في قوله تعالي «عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها» وكانت في مكانها فاقتلعها وطُيف بها على البيت ثم ردت.

السكان

يتكون سكان الطائف من أبناء ستة(6) قبائل رئيسية :

1- ثقيف: ويسكنون مناطق قلب المدينة وأطرافها الجبلية بالهدا والشفا والقيم وجنوب الطائف

2- عتيبة: ويسكنون في أطراف المدينة الجنوبية ليمتدوا إلى الحوية والسيل وحتى نجد، تمثل ثقيف وعتيبة السلالة المتبقية من قبيلة هوازن العدنانية

3- قريش: ويتركزون في منطقتي الوهط والوهيط بالخط الدائري وقيل أنهم من نسل ثقيف

4- هذيل: وغالبيتهم في جبال الشفا

5- بنو الحارث وهي قبيلة تنتمي إلى الأزد والأزد يعودون بنسبهم إلى بني قحطان ومساكنهم إلى الجنوب من الطائف

6- بنو مالك وهم في الحدود الجنوبية لمحافظة الطائف الادارية

وإلى جانب السكان الأصليين يسكن ويقيم في الطائف الآن مجموعات كبيرة من أفراد وعائلات وقبائل من مواطني المملكة ومن المقيمين العرب والأجانب.

خلال زيارتنا للطائف التقت «البيان» عيسى بن علوي القصير آل عيسى الحسني، وهو موسوعة تاريخية عن الطائف وصاحب كتاب «الطائف القديم داخل السور في القرن الرابع عشر. وهج حضارة ... ونبض حياة »، وهو أحد المؤرخين الأشراف من آل قصير من بني قريش الذين قطنت أسرهم منذ عهد الإسلام أو في العصر الجاهلي منطقة الطائف، تحدث عن مدينته العريقة التي شهدت فجر الإسلام في السنة التاسعة للهجرة فقال:

لا تختلف الطائف عن مدن الشام بهوائها وعطر زهورها وبساتينها وعراقة أهلها، ويخال للزائر إليها أنه يتلقى نسمات هواء الشام ويأكل من فاكهتها اللذيذة، ولكنها مع ذلك منطقة فريدة من نوعها فهي محاطة بمئات القمم الجبلية الشامخة، وهي بحق تتميز بطبيعتها الخلابة وباتت منذ القدم ممرا ومصيفا للقبائل القادمة إلى مكة للحج حتى قبل الإسلام .

وفي العصر الحديث اتخذت الطائف سمعة طيبة بفضل هوائها العليل في الصيف حيث يظل الجو ربيعيا والشمس خافتة، ويأتيها المصطافون من دول الخليج العربي كلها إذ يفرون من قيظ الحر الشديد سعيا وراء جمال الطبيعة الآسر والجو المعتدل.

التاريخ

تشير كتب التاريخ والسير المنقولة عن الأجداد إلى أن الطائف كانت مأهولة في الفترة ما قبل الطوفان من قبل العماليق، وكان الاسم القديم للطائف هو «وج» نسبة إلى وج بن عبد الحي، وهو من أبرز العمالقة الذين قطنوها، ثم هلك السكان وانقرضت قبيلة مهلائيل الشهيرة وسط قبائل العمالقة، ولم يعد لهم ذكر على الإطلاق منذ آلاف السنين، وسكن بعدهم قوم ثمود وثقيف وبنو عامر، وذكر بنو مهلائيل في سيرهم حرثان بن محرث الملقب بذي الإصبع العدواني.

وسكن الطائف أيضا بنو إياد، وهم بطن عظيم من العدنانية، وهم بنو إياد بن نزار بن محمد بن عدوان، وكان لهم شرف ومنزلة في أهل تهامة. وقبيلة عدوان سكنت الطائف بعد إياد، وعدوان الجد اسمه الحارث بن عمرو بن قيس عيلان وسمي بعدوان لأنه عدا على أخيه فقتله. وتلاهم بنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة عبر حفصة بن قيس بن عيلان ثم توالى عليها العرب حتى سادت قبيلة ثقيف التي منها هوازن وحكمت الطائف.

الجبال

تتوفر في الطائف أكثر من 400 قمة جبلية تتفاوت في الارتفاع والحجم وتعد قمتا دكا والعدقة أعلى القمم ويزيد ارتفاعها عن 2500 متر عن سطح البحر.

بساتينها

الطائف مدينة نضرة وثمارها كثيرا وفواكهها شهية ووادي وج والمناه كانا مستقر الجمال ومستودعه الحافل بتاريخ عظيم ..

الطائف والإسلام

استجابت ثقيف وهوازن لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لدخول الإسلام في السنة التاسعة للهجرة، بعد أن كانت ناصبته العداء ودفعت الصبية والعبيد للاعتداء على أصحابه، وعندما استعصت الطائف على الفتح ولم يقدر الصحابة على هزيمتها طلبوا من الرسول أن يدعو على ثقيف فكان رده طيبا عظيما «اللهم اهدي ثقيف واتي بهم » وجاءت ثقيف بزعمائها ومشايخها طائعة إلى المدينة المنورة في السنة التاسعة للهجرة طائعين معلنين إسلامهم، وهذا شرف عظيم للطائف .

وعندما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف كان يحمل في جنباته عزيمة لنشر الدين الإسلامي، ولكن للأسف فإن ثقيف أبت دعوة الرسول لأنها كانت تخشى على ملكها وعلى مكانتها في الجزيرة العربية فرفضوا الدعوة من البداية، بل انهم آذوه، وجاء فتح مكة والمناوشات بينهم وبين المسلمين عقب ذلك إنذارا لهم من أن فتح الطائف قريب، فأتوه خاضعين ينشدون الدخول في الدين الجديد. وأسلمت كل قبائلها، وكان إسلام الطائف مفتاحا لنشر الدين الجديد في كل الجزيرة العربية.

الطائف اليوم

تحتوي الطائف على مشهد سياحي عظيم، ففيها الجبال والوديان والمسطحات الزراعية والغابات الهائلة القديمة قدم التاريخ، ويكفيها أجواؤها المعتدلة على مدار العام، وهي محافظة متطورة سياحيا وتُبذل الآن جهودا لا هوادة فيها لتحويلها إلى عروس السياحة في الجزيرة العربية.

وهناك خطط طموحة لجعلها درة الشرق، ويأمل سكانها والمسؤولون فيها أن تصبح يوما مصدرا للدخل ينافس حتى دخل البترول، وهناك جهود عظيمة لجعل الطائف في مقدمة المدن السياحية في العالم، وهو ما سيعود بالخير على أهل الطائف، والطائف بطبيعة الحال مكمل أساسي للمناطق السياحية الأخرى في المملكة السعودية المتمثلة بأبها وبلجرشي والباحة ومناطق ساحل البحر الأحمر وجدة والمنطقة الشرقية.

وتقف السياحة الآن على رأس أولويات الاهتمامات الاقتصادية والصناعية في الطائف، وذلك ضمن خطة جدية في أن تتحول المملكة السعودية إلى واحدة من الدول المنافسة عالميا في السياحة، لتشغل خلال السنوات العشر المقبلة مكانة مرموقة بين دول العالم الأول.

الطائف ـ محمد نبيل سبرطلي

Email