إيقاع

«أورينتال جاز» تجربة عربية جذورها إفريقية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تتميز موسيقى الجاز بأكثر من سمة، لعل أهمها قدرتها على المزج بين الموسيقى من جميع أنحاء العالم، والتفاهم الذي يجري بين الفنانين الذين يجتمعون لعزف هذا النوع من الموسيقى، التي ابتدعها من قبل الموسيقيون السود خلال القرن التاسع عشر، وكانت في البداية عبارة عن خليط من الإيقاعات الغربية وتأثيرات الألحان الافريقية والأغنيات والأناشيد الدينية الزنجية من خلال النغمات الشهيرة الشعبية في ذلك الوقت، حيث تحولت فيما بعد إلى ما يعرف بموسيقى الجاز الشهيرة.

إلا ان المزاوجة بين الموسيقى الشرقية وروح الجاز رهان خاضته أجيال من الموسيقيين العرب منذ خمسينات القرن الماضي كتجربة احتجاج على السائد، وخوض التجريب من أجل التجديد، فكانت النتيجة قفزة نوعية في الموسيقى المعاصرة بعضها حافظ على الموروث للموسيقى التقليدية العربية، والبعض الآخر سار في اتجاهات، يمكن اتهامها بأنها شوهت الذوق العام. ولعل العمل الموسيقي لعازف العود الأميركي السوداني الأصل أحمد عبد المالك بعنوان «الشرق يلتقي الغرب» و«جاز صحارى» الذي طرحه في عام 1958، وجمع من خلاله موسيقيين من مصر والسودان مع موسيقيي جاز من نيويورك وقدم من خلالهم معزوفات يتداخل فيها الإيقاع الشرقي مع «السوينغ» مستعينا بآلة القانون يعد من أهم تجارب التجديد الناجحة التي أصابت الموسيقى العربية، ولا تزال حية إلى يومنا هذا على رغم الانفتاح الموسيقي الذي نشهده وتغير أمزجة المستمعين من خلال اختراق الآلات الموسيقية الغربية مثل الباص غيتار والدرامز وآلات النفخ والغيتار، للموسيقى الشرقية، فإن ثمة تعديلات أدخلت على الآلة الغربية نفسها لاستقبال الإحساس الشرقي.

وفي مصر، كان عازف الدرامز الشهير يحيى خليل أول من قدم إيقاعات موسيقى الجاز للجمهور، وأسس لوجود قاعدة جماهيرية لمحبيها، وفي عام1965 سافر إلى الولايات المتحدة وهو في العشرين من عمره، ليستقر هناك أكثر من 15 عاماً، يتعلم ويعزف موسيقى الجاز مع كبار العازفين العالميين. وفي عام 1979، عاد خليل إلى أرض الوطن، وقام بإنشاء فرقته الموسيقية التي سرعان ما ذاع صيتها وعرفها الناس، وأعجبوا بطريقتهم في العزف، كما قام خليل بالعزف في أكثر من 20 دولة وأكثر من 100 مدينة حول العالم. ومن ضفاف النيل، اشتهر الفنان السوداني شرحبيل أحمد الذي ولد عام 1935 في أم درمان بلقب ملك الجاز السوداني، حيث يتميز بأدائه الجذاب وألحانه الراقصة التي هي نتاج لتمازج الإيقاعات السودانية المختلفة والكلمات الشعبية وباللهجة العامية مع الألحان قصيرة الجمل الموسيقية، والعزف على آلات النفخ كالساكسوفون والترومبيت والترامبون، بالإضافة إلى الباص غيتار والغيتار ومؤخرا الأرغن. وأجيز صوت شرحبيل أحمد في أواسط الخمسينات، بينما عمل في أواخر الخمسينات مع فرقة أجنبية كعازف إيقاع في صالة غردون.

وتلقى دعوة لحضور افتتاح المسرح القومي عام 1960 وعرفته الجماهير بأغنية «يا حلوة العينين» للأستاذ ذو النون بشري، وتم تقديم هذه الأغنية كاستعراض راقص. وظف شرحبيل أحمد جهوده لتطوير الأغنية السودانية الراقصة بكل ما يمكن توظيفه من حداثة مع الحفاظ على الروح القومية للأغنية، وكانت زوجته زكية أبو القاسم تعزف معه على آلة الجيتار وهي أول سودانية تشارك في العزف مع فرقة موسيقية. ومن أشهر وأجمل أعمال شرحبيل أحمد: «مين في الأحبة»، و«خطوة خطوة»، و«لو تعرف الشوق»، و«الليل الهادي» التي ذاع صيتها في جميع أنحاء الوطن العربي، وفي الوقت ذاته، كانت مثار خلاف بينه وبين الفنان المصري محمد فؤاد الذي نسبها للفلكلور وغير اسمها إلى «حبيبي الغالي».

ويعتبر الموسيقار اللبناني ربيع أبو خليل من أهم أعلام «الجاز» والموسيقى العالمية على المستوى الأَلماني والأوروبي. وذلك لفوزه عشر مرَّات بالمنحة الألمانية المقدَّمة لموسيقييّ الجاز، وبفضل تجاوز مبيعاته الموسيقية نصف مليون نسخة من الأَقراص المدمجة.

تعلم ربيع أبو خليل الموسيقى الشرقية والغربية في المعهد العالي للموسيقى «الكونسرفاتوار» في بيروت. في العام 1978، ومع اندلاع الحرب في لبنان غادر إلى ألمانيا حيث بدأ بتعلم الموسيقى الكلاسيكية والعزف على الناي في مدينة ميونيخ، ولكن آلة العود بقيت آلته المفضلة.

تعاقد ربيع أبو خليل في بداية التسعينات مع المنتج الألماني ماتياس فنكلمان، وأدخله معه في مجموعة َيف لموسيقى الجاز. في ذلك الوقت كان المزج بين الجاز والروك يعتبر بالنسبة للكثيرين من معاني التجديد في موسيقى الجاز، ما جعل ربيع أبو خليل يبدو كشخص يقوم بدور هامشي. لكن تبين لاحقاً ان ما يقوم به ربيع أبو خليل بجرأته في مزج الموسيقى العربية التقليدية مع الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية وموسيقى الجاز الأميركية قفزة في الموسيقى المرتجلة، التي ازدهرت سريعاً مع انتشار موسيقى الجاز في التسعينات.

وكان الفنّان اللبناني زياد الرحباني طرح أواسط الثمانينات عبارة «جاز شرقي» لشرح مشروع موسيقي كان قد باشره قبل ذلك بقليل. تكرَّس هذا المصطلح عندما عنوَنَ زياد حفلات تلك الفترة «أوريانتِل جاز كونسِرت» (وكذلك أسطوانة «بهالشكل» وهي تسجيل لحفلة أقيمت عام 1986 في كلية بيروت الجامعية (بي يو سي)، وتبنّى الجمهور المصطلح وصار يطلقه على كلّ لقاءٍ يجمع بين عناصر من موسيقى الجاز وأخرى من الموسيقى الشرقية. وتنصّل الرحباني لاحقاً وفي أكثر من مناسبة، من هذا التصنيف، فطرح ذلك جدلاً لم يُحسَم بعد.

دبي ـ رشا عبد المنعم

Email