الأخطاء تتزايد من حولنا، أخطاء في السياسة والمجتمع، في الحب والزواج، في كل العلاقات الإنسانية، قد نكون نحن مسؤولين عن بعض هذه الأخطاء، ولكن بالتأكيد لسنا مسؤولين عنها جميعا، فقد أصبحت الأخطاء مفروضة علينا كأمر واقع، أفرزتها سرعة تلاحق الأحداث وسرعة حركة التطور.
ويقع الفرد منا في مأزق، هل يتخلى عما يراه ويعتقد أنه الصواب، ويترك نفسه لتيار الأخطاء، يشارك فيها ويباركها، أم يقف ضد التيار محافظا على كل ما هو صادق وأصيل؟ هذا المأزق أو السؤال هو ما حاول أن يجيب عنه فيلم «هي فوضي». يعود الفيلم إلى أسلوب سينما شاهين في السبعينات حين حملت أفلامه حسا سياسيا يجسد هموم المواطن ويبحث في قضاياه المصيرية لتذكر نهايته بشكل مباشر بأجواء فيلم (العصفور) الذي تناول فيه مخرج (حدوتة مصرية) هزيمة مصر عام 67 وما أعقبها.
وإذا كان الشعب تتقدمه النساء خرج في (العصفور) في تظاهرة رافضة للاستسلام لتصرخ بطلته (هنحارب) ويرددها الجميع وراءها فان النساء أيضا في «هي فوضي» خرجن في تظاهرة جديدة في حي شبرا القاهري لخوض حرب من نوع آخر، الحرب على الفساد المستشري في دوائر السلطة في مصر. وفي (هي فوضي) تتقدم هالة صدقي وهالة فاخر التظاهرة الرافضة للظلم والطغيان وانتشار الفوضى (النساء أقل قدرة على تحمل الظلم وأكثر قدرة على الثورة عليه).
تؤدي كل من هالة فاخر وهالة صدقي في الفيلم دور الأم الشجاعة التي تربي وتعلم وتدفع بأبنائها إلى الأمام بينما يتمثل الفساد في شخص ضابط الشرطة حاتم الذي يغطي مرؤوسوه الفاسدون مثله على تصرفاته وجرائمه إلى أن يستبيح نور صبية الحي الجميلة العاشقة. وتؤدي النجمة المصرية الشابة منة شلبي دور نور المدرسة الصادقة المتزنة المتطلعة إلى مستقبل أفضل بينما يؤدي خالد صالح ببراعة دور حاتم الطامع في كل شيء إلى درجة الاغتصاب والقتل.
وكان هذا الممثل المصري أدى الكثير من الأدوار الثانوية خلال مسيرته الفنية لكنه قفز إلى الصف الأول في السنوات الثلاث الأخيرة لتتكلل هذه المسيرة ببطولة «هي فوضى» حيث حمل عبء الفيلم على كتفيه. يصور الفيلم كيفية انسحاق الطبقة العاملة المجتهدة المكونة من كادرات صغيرة في المجتمع المصري وخضوع هذه الفئة التي لا تزال تحافظ على عزة نفسها وكرامتها وتؤمن بمستقبل أفضل، هذه الفئة هي التي تدفع ثمن ذلك الفساد من مالها وفكرها وروحها وجسدها مثل نور (منة شلبي) التي يغتصبها حاتم في الفيلم والتي تجسد نموذجا لهذا الانحراف الذي وصلت إليه السلطة وما تمارسه بحق الشعب الذي يسجن ويعذب ويقهر ويغتصب.
إنها سينما الاحتجاج والغضب التي ظهرت في أفلام سابقة لشاهين وهو في آخر أعماله يعود إليها لالتقاط نبض الشارع ويتحدث عن واقع مصر بعد مرحلة اهتم فيها المخرج بقصص ذاتية وضع السيناريو لها بمفرده. ولا يخلو فيلم «هي فوضى» من تلك المفردات التي شكلت أساسا ثابتا لسينما شاهين والتي تتمثل في الأغنية والرقصة وأيضا التظاهرة التي تمنح فيها الكلمة عادة للشعب والمرأة التي تثور، غير أن العمل ينطوي على قدر من المبالغة في المعالجة لأحداث صدمه مطلوبة، وفي تصوير هذا الجانب الأسود الطاغي على كل شيء، في محاولة لخلق حالة من الرفض والتغيير للفساد والواقع الأسود، الذي ينقله الفيلم من دون أي رتوش.
ويعتبر (هي فوضي) أهم وأفضل أفلام مخرجه الكبير شاهين منذ سنوات، فهو هنا يعود إلى موضوع سياسي ساخن يرتبط بالتغيرات التي حدثت في الواقع خلال العقد الأخير، وأدت إلى تفسخ واضح في البنية الاجتماعية والسياسية على كل المستويات.
اسم الفيلم: هي فوضى
تاريخ العرض: 2007
بطولة: خالد صالح ومنة شلبي
إخراج: يوسف شاهين - خالد يوسف
إنتاج: شركة أفلام مصر العالمية
قصة: ناصر عبد الرحمن
مدير التصوير: د. رمسيس مرزوق
توزيع: شركة أفلام مصر العالمية
الانتقال البارع
خالد صالح يحمل الفيلم على كتفيه، ويطوع الشخصية التي يؤديها لثقافته وحسه الخاص، يتحول إلى وحش كاسر في ثانية، ثم في اللحظة التالية يتحول إلى قط وديع يكاد يقنعك بلطفه ورقته.
الدور: حاتم «أمين الشرطة»
رمز : الشر
درجة الأداء: ممتازة
بطلة الفيلم
منة شلبي بلغت ذروة جديدة في الأداء السلس البسيط الآسر، بقدرتها الهائلة على التعبير بالوجه والعينين، والتحكم في حركة اليدين والجسد، وقدرتها الفائقة على استخدام صوتها، والتلون من التعبير عن الحب إلى الكراهية.
الدور: نور «المدرسة الضحية»
رمز: الخير
درجة الأداء: جيد جدا
خالد يوسف
هذه هي المرة الأولى في تاريخ يوسف شاهين التي يقوم فيها بتجربة إخراج مشترك خلال مشواره السينمائي مع أحد تلامذته، وعلى الأرجح أن ذلك كان لأسباب صحية وليست فنية، لكن من المهم التأكيد على نجاح التجربة.
اللقب: أفضل تلاميذ (جو)
أشهر أعماله: حين ميسرة
آخر أفلامه: الريس عمر حرب



