دراما

مها الصالح غالبت المرض بالمسرح حتى رحلت

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كسب المرض جولته الأخيرة مع الفنانة السورية مها الصالح بعد صراع استمر عامين، جسدت فيه جبروتها وهي تتجاهل الموت بالمسرح، وتداوي أمراضها بالحب.

غابت مها الصالح، كما غاب سعد الله ونوس وممدوح عدوان ويوسف حنا ومحمد الماغوط.. والكثير من رجال المسرح وقد نثروا أعمارهم على قارعة الطريق، ولم يتركوا خلفهم إلا أشياء تشبههم.غابت وغاب معها طموح امرأة عاندت الأيام والمسرح، ووقفت تصارع أحلامها على خشبات مسارح الكون، لأنها كانت تريد أن تنتصر لفكرة الإنسان الواحد والممثل الواحد الذي ما عاد يغري الآخرين بمتابعته، وتكسر معه العزلة التي تحيط بعوالم الممثل والإنسان.. فهل كانت تريد كسر عزلتها بذلك؟مضت مها وهي تحكي قصصها عن حال العشاق والمحبين والهزائم التي تعرضت لها المرأة في التاريخ .

..ولكن ماذا بعد؟ غابت تلك السيدة التي كان اللون الأسود صديقاً حميماً لها في وقت مبكر من عمرها، من لا يذكر مها الصالح وهي تقبض على منصات مسارح دمشق المسرحية.. من ينسى (عيشة) و(ذاكرة الرماد) و(الأيام الحلوة) ، و(خطبة ضد رجل لاذع) .. وغيرها الكثير من الأعمال المسرحية التي تصل إلى الثلاثين عرضاً، والتي يحكي عنها المسرح السوري عن إحدى بطلاته.

حينما كنا نجالسها كنا نقف أمام طاقة كبيرة من الحركة والنشاط ممزوجة بطموح قد لا تجد له حدودا ..هي نفسها لم تكن تعرف بماذا تصفه، ولكنها كانت تتوقف قليلا لتقول أعدكم بما هو أهم في الأيام المقبلة.

نتحدث عنها وننسى أن نقدمها كواحدة من الممثلات القديرات في الدراما التلفزيونية، فقد وقّعت مع شريكها في الحياة والإبداع أسعد فضة على عمل ما زال يمتع المشاهد مع كل إعادة له ..إنه مسلسل (امرأة لا تعرف اليأس)، وقد عنون الكاتب الدكتور رياض نعسان آغا اسم العمل على فعل الشخصية التي أدتها باقتدار مها الصالح في العمل.

عملت مها في السينما وكان آخر أفلامها (صندوق الدنيا) للمخرج أسامة محمد، وكانت قد قدمت في فترة سابقة عدة أفلام هي: (ثلاثية العار) و(زهر الرمان) و(نجوم النهار) و (الطحين الأسود) للمؤسسة العامة للسينما، ولكنها فضلت في السنوات العشر الأخيرة في حياتها التفرغ للمسرح.

ونادراً ما كانت تقبل بسيناريو تلفزيوني، إذ أن المسرح كان شغلها الشاغل. والمدهش في علاقة مها مع المسرح أنها تعلمت لغات معظم البلدان التي سافرت إليها، فإضافة إلى براعتها في التحدث بالانجليزية كانت تحسن التكلم باللغة الفرنسية، وتعلمت قليلا الروسية، والألمانية وكانت تربطها صداقات مهمة مع عدد من أهم الممثلين المحترفين في العالم.

وفي آخر حوار أجريناه معها ونشرته (البيان) قبل أشهر، تحدثت مها عن علاقتها مع المسرح قائلة: (دائما يثيرون مسألة عودتي للمسرح، ويتساءلون لماذا تركت السينما والتلفزيون، أنا لم أترك المسرح حتى يحكى عن عودة ثانية، وفي العشر سنوات الأخيرة، قدمت عددا من الأعمال المسرحية في المسرح القومي.

وقد وقفت أمام غسان الجباعي وعجاج سليم وأيمن زيدان، وكنت أعمل أحيانا في وقت متزامن مع فرقة مسرح (الرصيف) التي سافرت عبر العروض التي قدمناها فيها إلى العديد من الدول العربية والأوروبية، إلى أن حطيت الرحال مع فرقتي الخاصة التي أسميتها (موال).

غدا، سيستيقظ أسعد فضة من النوم ستكون قد سبقته مها بقليل، وهي تشرب قهوتها الصباحية وسيجارتها التي ما كانت تغادر يدها، سيبدي انزعاجه من رائحة السجائر التي تعم المكان.. ستصمت لأنها تعرف مدى كرهه لتدخينها المبالغ فيه، سيجلسان، سيتحدثان قليلا عن (بروفات) ما بعد الظهر..

ستهم مها بالخروج من المنزل، لن يطلب منها المكوث أكثر في المنزل الذي صممته وجملته من خيالها بألوان الخريف الدمشقية الساكنة، لكل قطعة حكاية ولكل لوحة دلالة، منزلها كان مسرحاً صغيراً يشبهها بكل ركن فيه، ولكنه لن يجدها بعد ذلك الوقت، سيعثر على بقايا طموح وأمل وقوة، إذ أن مها مضت إلى مسرح لا جمهور فيه.

ونوس مات بالمرض

مات الكاتب السوري الكبير سعد الله ونوس عن 58 عاما بالمرض، وقدم في السنوات الخمس الأخيرة من عمره، أجمل الكتابات المسرحية للمكتبة الثقافية والفنية العربية.

سخرية من السرطان

قاتل الشاعر والكاتب المسرحي ممدوح عدوان مرض السرطان بشراسة وسخر منه في حياته اليومية وكتاباته عنه، وفي مقولة ساخرة قال:(إن المسرحيين هم الأكثر عرضة لمرض السرطان لأنهم يعانون بصمت).

دبي ـ جمال آدم

Email