إيقاع

«النيل» ملهم الشعراء والمطربين

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن غريباً أن يتخذه الشعراء والمطربون نبعاً لا ينضب من المعاني والصور الجميلة.. إنه نهر النيل الذي مثل للمصريين خاصة، ولكل شعوب دول الحوض عامة، أبجدية الحياة التي بها يواصلون مسيرتهم يوماً بعد يوم. بينما ألهم الشعراء بأبلغ الصور الشعرية التي عادة ما تصبح رافداً أساسياً للعديد من الأغنيات العربية، فإذا كانت الأغنية أبلغ تعبير في وصف الحبيبة بكل جمالها وحسنها، يظل النيل واهب الحب والجمال والعطاء الذي لا يختلف عليه أحد، ويظل حضوره في الأغنية عاطفية أو وطنية متجدداً بتجدد ينابيعه، لكن هل ما عبر عنه الشعراء عن النيل يتناسب مع عطائه؟

يقول الشاعر الغنائي سيد حجاب: «إن المصريين القدماء أدركوا أهمية النيل في حياتهم وهبوه أجمل بناتهم ليستمر تدفقه وعطاؤه، مشيراً إلى أن ما جاء في كتاب الموتى كان يعلن المتوفى أنه بريء من أشياء كثيرة من بينها أنه لم يلوث النيل. ولعل قصيدة «النيل» التي لحنها السنباطي لأم كلثوم من أشعار أحمد شوقي درة الأغاني التي تغنت للنهر، ولشوقي أغنية رائعة بالعامية المصرية وهي «النيل نجاشي حليوة أسمر، عجب للونه دهب ومرمر..»، كما قدم عبدالوهاب أيضا أغنية «النهر الخالد» لمحمود حسن إسماعيل، والتي يقول مطلعها: «مسافر زاده الخيال / والسحر والعطر والظلال». ويضيف حجاب قائلاً: «وللنيل في شعري حضور قوي في أغنية كتبتها للأطفال، وتغنى بها علي الحجار «ويقولوا مصر هبة النيل تقول ده هبة الفلاحين النيل رواها جيل وراء جيل بس اللي خضرها الفلاحين».

إنسانية النيل... وترى الشاعرة إيمان بكري أن النيل شريان الحياة، ونبع خيال الشعراء والمبدعين، فمثلما ارتبطت حياة المصريين به باعتباره شريان الاستمرار والوجود الإنساني ارتبط به الشعراء وجعلوه ملهمهم وجدانيا وعقلانيا، فهم لا ينظرون إليه كمادة للحياة فقط، إنما ارتبطوا به أكثر في ليالي القاهرة ومسائها الجميل، ولعل أروع من كتب للنهر الخالد محمود حسن أغنية «مسافر زاده الخيال». أما الشاعرة فاطمة ناعوت فتؤكد أن النيل لم ينج من استلهامه أحد، لاسيما إذا كان فنانا حقيقيا، قائلة: «تجاوزت الأربعين من عمري، ولم يحدث أن مررت بالنيل حتى الآن دون أن يدهشني جماله لاسيما ليلاً، فلا عجب أن يصبح ملهما لكثير من الشعراء والكتاب لكتابة أغنيات عنه.

صورة شعرية جميلة... ويقول مدحت الجيار: «إن النيل هو الاسم الوحيد لهذا النهر التاريخي عندما يترجم إلى أية لغة؛ ولهذا امتاز نهر النيل بخصوصية في التعبير، والأغنية المصرية الفصحى أو العامية رصدت النيل وشطه وضفافه أعظم رصد، حتى ان العوام يطلقون على هذا النهر بحر النيل؛ نظرا لاتساعه الذي يشبه البحر، وثمة أغنية غناها الفنان الراحل الشيخ إمام من كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم مطلعها «عطشان يا صبايا دلوني على السبيل»، بعدها أوضح الشاعر أن هذا السبيل هو نهر النيل، ووقتها أدركنا لماذا تغنى عبدالوهاب «النيل نجاشي»، وكتب محمود حسن إسماعيل «يا واهب الخلد للزمان»، كما غنت أم كلثوم قافية شوقي: «من أي عهد في القرى تدفق.. وبأي كف في المدائن تغدق»، فيشبه الشاعر النهر كأنه إنسان له كف مملوءة بالماء ويعطي الماء للقرى والمدن المجاورة له.

شريان الأدب

وتصف الشاعرة شريفة السيد نهر النيل بـ «شريان الحياة» في مصر مثلما هو شريان الأدب والأدباء؛ فعبروا عنه واستقوا منه وناجوه واشتكوا له، واحتموا به في قربهم، وحنّوا إليه في غربتهم، بل جعلوه مرآتهم التي تريهم حقيقة وجودهم على وجه الأرض.

وتضيف السيد قائلة: «كانت مياه النيل حلقة وصل بين الدول، فحملت السفن على متنها ثقافات متعددة، وتبادلت البلاد ثقافات كثيرة متمثلة في التجارة ونقل الكتب والمجلدات من أدناه إلى أقصاه لتحملها البواخر والمراكب من دولة إلى أخرى، بل ساهم أيضاً في نقل بعض اللغات منا وإلينا، فاستحق أن يكون مصدر ثقافة عظمى ليس للمصريين فقط بل لكل من رحل عبره من بلد إلى آخر».

هبة الشعراء العرب

أما النيل بالنسبة إلى الشاعرة العراقية سارة طالب السهيل فيذكرها بأغنية الفنان عبدالحليم حافظ «أنا لك على طول خليك ليا»، كذلك أغنية «النهر الخالد» للفنان عبدالوهاب.

وتقول: لقد كتبت في آخر ديواني (دمعة على أعتاب بغداد): «يلتقي النهران نيلا وفرات».

وتضيف قائلة: تعايشت في كل بلاد العالم أبحث عن روحي الملهمة فكنت جسداً بلا روح، وعندما حضرت إلى القاهرة وتنزهت وعشت على ضفاف نيلها، وجدت الروح التي كنت أبحث عنها، لهذا أرى أن العراق ومصر تتشابهان كثيرا في الحضارات القديمة، فالحضارة الفرعونية والبابلية فيهما شبه كبير «نيل وفرات»، وأخيرا أتذكر أغنية شيرين الجديدة التي أعشقها «ما شربتش من نيلها» وهي دليل واضح أن النيل ما زال دواء المصريين وإبداع الشعراء والأدباء؛ ولهذا نجد كثيراً من المبدعين يعيشون على ضفافه، ومنهم الراحلين «كوكب الشرق» أم كلثوم و«أمير الشعراء» أحمد شوقي.

نهر الأساطير والحكايات

هو نبع الغناء الأصيل، وهو أكثر ثراء من أن تنفد استلهاماته، وقدم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أيضًا أغنية (النهر الخالد) للشاعر محمود حسن إسماعيل، والتي جاء فيها:

مسافر زاده الخيال

والسحر والعطر والظلال

ظمآن والكأس في يديه

والحب والفن والجمال

شابت على أرضه الليالي

وضيعت عمرها الجبال

ولم يزل ينشد الديارا

ويسأل الليل والنهارا

والناس في حبه سكارى

هاموا على أفقه الرحيب

آهٍ على سرك الرهيب

وموجك التائه الغريب

يا نيل يا ساحر الغيوب

يا واهب الخلد للزمان

يا ساقي الحب والأغاني

هات اسقني ودعني

أهيم كالطير في الجنان

يا ليتني موجة فأحكي

إلى لياليك ما شجاني

وأغتدي للرياح جارا

وأحمل النور للحيارى

فإن كواني الهوى وطارا

كانت رياح الدجى نصيبي

آهٍ على سرك الرهيب

وموجك التائه الغريب

يا نيل يا ساحر الغيوب

سمعت في شطك الجميل

ما قالت الريح للنخيل

يسبح الطير أم يغني

ويشرح الحب للخميل

وأغصنٌ تلك أم صبايا

شربن من خمرة الأصيل

وزورق بالحنين سارا

أم هذه فرحة العذارى

يجري وتجري هناك نارا

حملتُ من سحرها نصيبي

آهٍ على سرك الرهيب

وموجك التائه الغريب

يا نيل يا ساحر الغيوب

«أمير الشعراء»

الشاعر أحمد شوقي الذي بويع أميراً للشعراء في حفل أقيم بدار الأوبرا بالقاهرة في العام 1927 وحضرته وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، أهدى قصيدة «النيل» إحدى أعذب قصائده إلى كوكب الشرق السيدة أم كلثوم.

«النهر الخالد»

تعتبر قصيدة «النهر الخالد» التي شدا بها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب من أشهر القصائد التي تغنت بعطاءات هذا النهر العظيم الزاخر بالأساطير الجميلة.

في السينما أيضاً

يقول الناقد مدحت الجيار إن النيل تحول إلى رمز في قصائد وأغنيات عربية، واحتفت السينما المصرية به في أفلام عديدة مثل «عروس النيل» و «المومياء»، و«ثرثرة فوق النيل» وغيرها..

Email