«لكل الذين طرقوا أبوابي فأشعلوا أوراقي البيضاء بالقصيد... لكل الذين مروا سريعا والذين تسامروا طويلا، أو شربوا قهوة الكلمات على بساط قلبي... لكل الذين سكنوا حروفي ورحلوا، لكل المسافرين الراحلين القادمين، لكل المهتدين ببوصلتي، والسابحين في سمائي، المضيئين روحي بالهداية، لكَ أنت الساكن فيّ لأنك تختصر كل هؤلاء أهدي بعضا مني.....».

بهذه الشاعرية عادت عائشة البوسميط لرسم كلماتها صورا بعد أن هجرتها عشر سنوات وهي المدة التي فصلت بين ديوانها الأول «سيدة الرفض الأخير» وديوانها الذي بين أيدينا «عودة شهرزاد». هل هي شهرزاد الإمارات التي ستحيي ليالينا قصصا شعرية كألف ليلة وليلة ؟ هذا هو السؤال الذي وجهه لها أحد الشعراء بعد توزيع ديوانها الجديد. فقالت:« عدت لأقول ما لدي بعد الغيبة الشعرية التي عشتها بعيدا عن النشر ولكنني لم أتوقف قط عن العطاء الشعري وها أنا أصيغ كلماتي مجددا لمحبي الشعر وعشاقه، عشر سنوات شغلني العمل والدراسة خلالها عن البوح لتبقى قصائدي. كما السجين الذي حبست كلماته، وألزمت الصمت، وهو الذي كان له مع الحرية جولات، قطيعة ربما أعجز عن تبريرها غير أني أؤكد أنها كانت قاسية علي قبل أن تكون قاسية على قرائي، إنها مشاغل الحياة التي تدفع المرء نحو الرحيل حيا». وهي التي لم تنكر بأن ثمة برودة في الساحة الشعرية جراء غياب العديد من الأصوات التي صهلت طويلا، غير أنها تؤكد بأن فترة انقطاعها كانت محاكاة مع الروح، رتبت خلالها أوراقها الوجدانية، لتخرج من جديد، مرتدية عباءة شهرزاد، حاملة لياليها بقصائد تحكي سنواتها.

هل أفصحت البوسميط عن كنز صندوقها الأسود وتجرأت عبر ديوانها على إطلاق ما طوت فيه من أسرار لتقصها على قرائها ؟!، أم أنها كما قالت« في داخل كل منا صندوق أسود لا يجرؤ إلا أن يتداوله وحده» .

في إحدى قصائدها تحدت شاعرتنا الرجل بأن يختصر الحب في امرأة واحدة كما فعلت هي عندما قالت «لا يكفي أن أكون في القلب، لا يكفي ... حتى أشعل فتيل العشق، وأرفع الستار عن كل ما دوني، أقطف زهر احتياجك لأن تلملم أجزاءك المبعثرة في غيابي ...

وأزهو ببخور انتصاري عندما تجتمع كل النساء في صوتي، ويكون بوسعك أن تخالف الرغبة الشهريارية، فامرأة واحدة تملك اختصار الحب في رجل، فهل بوسعك أن تفعل؟!

إنها قسوة التحدي، فهي لا تكتفي بأن تتربع على عرش قلبه بل تزهو بأن جميع النساء يتوحدن فيها، فلا يبقى ثمة نقصان، وتكون أقرب ما تكون بذلك للأنثى الكاملة، وحكما سيعجز عندها الآخر من اختصار الحب في رجل واحد، لأنها بطبعها ساحرة.

وللأماكن مع شاعرتنا قصة أخرى، فهي لا تؤمن بجمودها بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما اتهمت لبنان بالغواية التي تبث السحر على زائريها، فيقع عليهم شيء هو أقرب للخيال منه للواقع، فلا يزالون يرددون بعد رحيلهم «يا لها تلك الصبية، يا لها تلك الصبية».

دبي ـ محمد زاهر