للعمل في المجال التاريخي أبعاد متنوعة، وللعمل في المجال الأثري أبعاد متعمقة، يدرك المرء معها أهمية المعلومة المتعلقة بهذا القطاع من الناحية التاريخية والحضارية، مهما بدت المعلومة قليلة. ومجال الآثار والتنقيب قد لا يغري كثيرا من شباب هذا الجيل، فلا يحظى المجال إلا بالقليل ممن وعوا أهميته التاريخية والوطنية.

وفي هذا السياق أعد مراقب المسح والتنقيبات الأثرية بإدارة الآثار بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عيسى عباس حسين كتيبا حول التوزيع الجغرافي للمواقع الأثرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد قسم الكتيب الذي يمكن تسميته (دليل) والواقع في 24 صفحة من القطع المتوسط حسب العصور، بادئا بالمدخل الأولي الذي تضمن نبذة مختصرة حول مواقع الآثار في الدولة.

والذي جاء في صفحة من الإصدار؛ تلاه خريطة للمواقع الأثرية في الإمارات العربية المتحدة، ثم تقسيم للآثار التي تأتي من العصر الحجري، حتى العصر البرونزي، ثم العصر الحديدي، وصولا إلى عصر ما قبل الإسلام ومن ثم العصر الإسلامي.

يؤكد الباحث أن أغلبية المواقع التي تعود إلى العصر الحجري يرجع تأريخها إلى العصر الحجري الحديث؛ إلا أن المكتشفات الأخيرة في إمارة الشارقة أماطت اللثام عن عصر أقدم وهو العصر الحجري القديم الوسيط، والذي يمكن تحديده بتاريخ يعود إلى 125 ألف سنة.

أما باقي العصور الحجرية الحديثة فهي تعود بفترتها من الألف الخامس قبل الميلاد وحتى الألف الرابع قبل الميلاد.

ومن أبرز مواقع هذا العصر جبل البحيص وجزيرة مروح وأم الزمول. أما العصر البرونزي فقد حوا عدة فترات منها فترة حفيت وفترة أم النار وفترة وادي سوق، والتي يمكن تقريب تأريخها بين نهاية الألف الرابع وحتى نهاية الألف الثاني قبل الميلاد.

حيث تعود فترة جبل حفيت من نهاية الألف الرابع قبل الميلاد وبداية الألف الثالث قبل الميلاد، وأما فترة أم النار فيمكن تاريخها من 2700 ق.م إلى 2000 ق.م وفترة وادي سوق يمكن تاريخها من 2000 ق.م إلى 1300 ق.م.

وهكذا يستمر التضمين الملخص في الكتاب للعصر الحديدي وعصر ما قبل الإسلام والعصر الإسلامي، وهي الفترة التي بعث فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والفترات التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام وفترة الخلافة الرشيدة والخلافة الأموية والعباسية حتى القرن الثامن عشر الميلادي.

يشير الكتيب إلى أهم مواقع هذا العصر.. وهي مواقع في المنطقة الشرقية من إمارة الشارقة (كلباء وخور فكان ودبا) وفي إمارة رأس الخيمة (جلفار وتل كوش). وقد حرص الباحث على إحصاء المواقع الأثرية في كل إمارة؛ حيث تضم العاصمة ابوظبي 17 موقعا، ودبي 7 مواقع، الشارقة 12 موقعا، ورأس الخيمة 15، والفجيرة 12، وأم القيوين 5، وعجمان 2. إلى جانب ذلك اهتم الباحث بإدراج المواقع الآثرية بالتوزيع الجغرافي على خارطة الدولة؛ مع الحرص على توضيح المواقع المشتركة بين إمارتين وعلى سبيل المثال موقع تل الابرق المشترك بين الشارقة وأم القيوين، وموقع دبا المشترك بين الشارقة والفجيرة.

مؤكدا أن هناك مواقع سطحية منتشرة في جميع مناطق الدولة، وأن جزر دولة الإمارات كان لها دور في هذه الحضارة ومن أبرزها صير بني ياس وصير بونعير ومروح. وتأتي هذه المعلومات القيمة والموضحة بالصور والخرائط لتوفر للطالب والمهتم والسائح والمقيم والمواطن إجمالا دليلا مهما عن المظاهر الحضارية العميقة للدولة.

ويؤكد عيسى عباس صاحب فكرة وتنفيذ هذا الكتيب شكلا الكتاب موضوعا؛ بأنه جهد شخصي دفعه إليه؛ إدراكه المتكرر للإشكال الذي يواجه الطلاب والمعلمون على حد سواء في ما يتعلق بمعرفة وفهم المواقع الأثرية، وأماكنها خاصة مع المواقع المشتركة بين إمارتين؛ بل وحين تشترك في التنقيب عن الموقع نفسه بعثتان.

ويضيف: حين لمست أن كتب الدراسة تفتقر إلى هذا الزخم من التعريف، ومن إدراك وتثمين قيمة هذه العصور؛ قدمت العمل خدمة ومحاولة لإيصال اكبر كم من المعلومات الاثرية بأسهل وابسط الطرق وبأقل مساحة.

مؤكدا أنها الخطوة الأولى وهو حريص على متابعة هذا العمل برصد المواقع أولا بأول ليكون بين يدي المتلقي المعلومة الأخيرة لآخر موقع تم اكتشافه، وأحدث موقع على سبيل المثال هو (صاروق الحديد) في دبي والواقع على الطريق المؤدي إلى مدينة العين في المنطقة الصحراوية الداخلية، ويعود تاريخه إلى الألف الأول قبل الميلاد، وما زالت التنقيبات مستمرة في هذا الموقع منذ خمس سنوات.

تجدر الإشارة إلى أن عيسى عباس يكتب الشعر وقد صدر ديوانه الأول (نكهة الرمرام) يوم أمس، وبهذه المناسبة يؤكد أن الكتابة في الآثار أصعب بكثير من كتابة الشعر، لكنها الكتابة الأهم رغم صعوبتها، نظرا للحاجة التي يلمسها الجميع. وآمل أن يجد هذا الكتيب مكانا له بين أيادي الطلاب، وعلى أرفف مكتبات المدارس والمؤسسات التعليمية في الدولة.

فاطمة محمد الهديدي