إشراقات

الفن الساذج

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُعتبر الفن الساذج ظاهرة لافتة ومهمة في الحركة الفنية التشكيلية العالمية المعاصرة، أثارت اهتمام العديد من النقاد والباحثين وكانت ولا تزال موضوع بحث ومناقشة حتى اليوم، كونها لا تزال مستمرة وحاضرة في حياتنا المعاصرة، حيث يمارس الفن الساذج متفرغون وهواة يعملون في اختصاصات أخرى، بينهم الطبيب والمهندس وربة المنزل وناس عاديون لم يتعلموا الفن، وإنما مارسوه تحت إلحاح رغبة داخلية للتعبير بالرسم عما يحسون به وبتلقائية كبيرة.

يطلق على هؤلاء تعبير «الفنانين السذج» أو «المعلمين الشعبيين للواقع» أو «البدائيين في القرن العشرين». أول من اكتشف هؤلاء الفنانين هو جامع اللوحات الألماني ويلهلم أوهد الذي أعجب بهم كثيراً وأطلق عليهم اسم «مصوري القلب المقدس» لأنهم كانوا يمارسون الفن أيام الآحاد فقط لانشغالهم بمهام ووظائف أخرى بقية أيام الأسبوع،

أو في أوقات الفراغ القليلة لديهم، لذلك نجد بينهم الخادمة مثل سيرافين لوي وعامل المشاتل بوشان وموظف البريد فيفان ورامبرت وعامل المطبعة بيرونه وبومبوا والمزارع ومصارع السيرك وعامل الحفريات.. وغيرهم، كما ينسب البعض الفنان الفرنسي المعروف هنري روسو إلى هؤلاء الفنانين السذج.

بدأ هذا الفن مع هؤلاء الفنانين في باريس، ثم انتقل ليشمل كل بلدان العالم، بما فيها بلادنا العربية حيث اعتبر الباحثون أن غالبية الذين كانوا يمارسون مهنة الرسم من الناس العاديين في مجال اللافتات ورسوم الجدران والبراكات المتجولة وزجاج السيارات وعلب الكرتون، وحتى بعض الذين كانوا ينتجون اللوحة الشعبية كالرسام الدمشقي أبو صبحي التيناوي هم من الفنانين السذج الذين اتجهوا إلى وسيلة التعبير هذه بالفطرة ومارسوها بصدق ومحبة وإخلاص نادر.

تنتمي رسوم الفنانين السذج إلى المدرسة الواقعية التي مارسوها من دون دراسة أكاديمية وبمبالغات طريفة تصل أحياناً إلى حد اللامعقول كما لدى الفنان أبوصبحي التيناوي أو ينتمي إلى المدرسة الواقعية التسجيلية الملحاحة على أدق التفاصيل كما لدى فيفان في لوحة كنيسة نوتردام،

حيث يخال للمتلقي أن هذا الفنان قام بإحصاء عدد الحجارة قبل أن يرسمها وبيروني في لوحاته البحرية التي يبدو كأنه قام بإحصاء عدد الأمواج قبل أن ينقلها إلى هذه اللوحات. وقد كان لكل منهم اهتماماته وأسلوبه ومواضيعه الخاصة به التي يؤمن بها، ويناضل من أجلها مثل موضوع «عنترة وعبلة» لدى الفنان السوري أبوصبحي التيناوي الذي كان يرى في «عنترة» أبو الفوارس بلا منازع، وفي «عبلة» ست الحسن والجمال في كل الأزمنة والعصور.

يلتقي الفن الساذج مع الفن الشعبي والفطري والبدائي، وحتى مع الفن الطفلي، بجملة من القواسم المشتركة، أبرزها العفوي والتلقائية، ويختلف عنها في الوقت نفسه في أن غالبية من يمارس الفن الساذج هم من المتعلمين والمثقفين العاملين في مهن أخرى، بينما الفن الشعبي هو فن الفلاحين والمجتمعات الزراعية الذي يعبر عن مرحلة التاريخ المعلوم الذي بدأ بعد انقضاء عصور التوحش، والفن الفطري قريب جداً من الفن الشعبي، أما الفن البدائي فله مدلول تاريخي ويرتبط بالحضارات الإنسانية الأولى، وقد سبق وجود الكتابة، أي جاء في مرحلة الأمية الإنسانية.

Email