استعارة جديدة للمنظور الجمالي

«يحدث هذا فقط» لأحمد العسم

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتماً سأمنحك مساءً وشرفة

القلب .. من يفتح نافذته برحمة دافئة

ليدخل مصحوباً بالسلامة

أو يطل من شرفته

كي يخرج بارداً

بخطوط في سقف الروح وبنشيد ما أورثته مسافات القلب والطفولة على دفق الذاكرة، يفصح لنا الشاعر أحمد العسم عن عالمه الشعري في مجموعته «يحدث هذا فقط» الذي يبحث عنه وبه عن حلم خاص يرسم من خلاله ذاته المرصودة بفتنة البوح. ليكشف لنا عن افقه الخاص من خلال لغة شعرية تختزل السرد وتحول مقاطع قصائده إلى مشاهد قصيرة تأخذ من ذاته الشعرية ما يريد من البهاء وما يُنزف من رماد الوجع.

حالم يسافر وسط قلبه ثم يرتمي فجأة في عالم يختلط فيه البحر والرمل والطين والأصدقاء لتمر شهقة الطين إلى أعماق نصه المصلوب على تعب أورثه إياه حبر الذاكرة بدفق موسمي يزاحم بظله مائدة المخيلة، فيبوح ويتمرد، يقلق، ينتشي، يحب ثم يرتمي وسط ناصية من ريح وكلمات تفجر فيه تلك الحميمية التي تتألق فوق بهاء الأشياء وتلامس سعف الروح عبر نافذة الجسد..

إذ يفصح عن تجربته الذاتية التي تغازله كعاصفة طفولية ملأى به وما يحيط به من كائنات الكتابة وكأنها شهيق يزحف صوب سدرة البوح ليطلق من خلال الشعر تجليات الذات الشاعرة التي تتيح له الدخول في تجربته الإنسانية بين الضوء والرماد، الدفء والخلاص، العشق والعاصفة ليحترق مجدداً بنور العشق الذي يهز غص الانتظار وهو يلتحف الحب بحثا عن جمالية الأشياء بعد وداعها إلى نزيف الكتابة.

يقول الشاعر أحمد العسم في قصيدته انتظار:

«حين تأتين

.. سأدس الحب في فمك

أتركك تتوزعين في جسدي

ستدهشين قليلاً

وقبل أن تسقطي مغشية.. ألتقطك»

هكذا تبدو الكتابة عند الشاعر أحمد العسم ارتماءً لصوفية ترتبط بمرارة التغرب وحلاوة البوح في عوالم القلق والسلام معاً إلى التحليق فيما هو وراء الواقع بحثاً عن النأي المطلق في تأمله الإنساني عبر طرق أبواب العشق والإنسان والطفولة، فالقصيدة عنده تدور حول لحظة من صمت بين الشاعر وذاته فتنمو الأفكار بحثاً عن تلك اللحظة الصامتة.. في غياهب الحقيقة.. وعزلة الكائن المفتون بالشعر.

لا يقدم أحمد العسم حقائق معرفية خالصة، بل حدساً ذاتياً، فهو يقول كل شيء ولا يقول شيئاً لأنه لا يقف عند حدود الذات وتطلعاتها، يتجسد ذلك في أساليب التعبير وتلك الرؤى الميتافيزيقية التي تحتضن جسد القصيدة لتغدو تعبيراً عن الإنسان وما يملكه من حرارة الروح وصدق الأشياء التي تنطق بنا.

وجه آخر للطفولة وللكتابة وللقصيدة.. فهو مهووس بالتجريب وفتنته الملازمة للحظة الكتابة من خلال تلك الاستعارات الشعرية التي تكسر قانون القصيدة وتتقي المثالية الشكلية عبر إتقان فني مرسوم به ومكتنز بالعفوية والصدق والدلالة..

«حيث يقول العسم:

حين قررت الكتابة..

كنت مدركاً أنها خارجة من الوحول

وأن شيئاً ما..

هيأني لأكون فسحة جميلة للألم..

.. لا تسألي؟

عن الصوت المتدثر

عن الدهشة المعتادة..

أجسادنا مزار شهي

لفطريات متطفلة».

بعفوية الحبر وصدق البوح وبعيداً عن أي مسبق للمعنى أو جاهز تركيبي يشمل النص الشعري بأكمله ينخرط أحمد العسم في إنشاء استعارة جديدة للمنظور الجمالي محاولة منه في الانطلاق بعيداً من جسد القصيدة إلى القصيدة ذاتها التي تعتمد الإيحاء أي السعي إلى محاولة صادقة في التجريب عبر المطابقة بين لحظة الكتابة الشعرية والزمن الشعري المنشود في الوصول إلى حيث ما تشاء القصيدة في الصدق والمحبة والهطول.

قاسم سعودي

Email