من ذكريات الزمن الجميل

قائد منتخب السودان الفائز بكأس 1970: 200 جنيه مكافأة البطولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

24 بطولة أمم أفريقية اقيمت وانتهت, وستأتي بعدها 24 بطولة اخرى ستحزم حقائبها وترحل بدورها لتفسح المجال لغيرها , لكن الذكريات لا يمكن أن ترحل ابدا , فهي تفضفض علينا من هنا وهناك لتخفف عنا وعكات التخمة الكروية التي ستصيبنا حتما من جراء متابعة 31 مبارة ستقام خلال 3 اسابيع هي كل عمر البطولة.

والكابتن نجم الدين حسن مدرب الكرة المعروف بنادي الشارقة كان واحدا من الجيل الذهبي لمنتخب السودان الذي أحرز الكأس الافريقية في العام 1970عندما فاز في النهائي على غانا 1/صفر بالخرطوم , وبرغم انه لم يكن من ناديي الهلال أوالمريخ صاحبي الشعبية الطاغية في السودان إلا أن تألقه في صفوف نادي النيل بالخرطوم فرض نفسه على الكرة السودانية واحتكر مركز قلب الدفاع في صفوف المنتخب السوداني منذ العام 1963 وحتي العام 1974.

مع الزمن الجميل والذكريات الحلوة والكابتن نجم الدين الشهير بــ »نجمو« :

الذي وبمجرد ان جلست معه وبدأت أنبش في ذاكرته أحداث بطولة أمم أفريقيا في العام 70 بالخرطوم سرت انتعاشة عريضة بدت وكأنها قادمة من أعماق تاريخ لخصه الكابتن نجمو في جملة واحدة: »كنا رجالة بكل معني الكلمة«.

ويعود نجم الدين حسن بذاكرته ويقول : كان الخوف طبيعيا من أجواء البطولة منذ لحظتها الاولى وصاحبه في نفس الوقت شعورا بعظمة وأهمية الحدث .. كان كل اللاعبين لديهم إحساس بالمسؤولية تجاه وطنهم وجماهيرهم وكان الفوز بالبطولة لا يمثل حلما فقط إنما كان إصرارا وإرادة وتحديا.

كانت تربطنا بكرة القدم علاقة عشق وحب طاهروكانت الهواية دافعنا وملهمنا

ويضيف الكابتن , لم تكن المعسكرات الخارجية في هذا الوقت معمولا بها كما إن المعسكرات الداخلية التي يقيمها المنتخب ذات تكلفة بسيطة مقارنة بما يحدث الان,

وفي 1970 أقام المنتخب السوداني معسكره الاعدادي للبطولة في إحدي المدارس ثم انتقلنا بعد ذلك للإقامة في الكلية الحربية لمدة 15 يوما بعيدا عن الضغوط الاعلامية والجماهيرية وكان الاهتمام من جانب المسؤولين بالسودان يمتد إلى رأس الدولة ذاتها ممثلة في رئيسها جعفر نميري.

وبرغم حميمية العلاقة بين جميع عناصر الفريق إلا أن وجود دوائر صغيرة من الصداقات القوية بين اللاعبين أمر اعتيادي , وكنا »شلة« جمعتنا صداقة الكرة .. فكان من الهلال ابراهيم يحي ومحي الدين عثمان (ديم الصغير) ومن المريخ عبد الوهاب بقدولي والحارس عبد العزيز وبشري ,

وكان ينضم إلينا حسبو وابرهيم كيبر وسانتوس من الاهلي مدني، أما لحظات الضحك والفرفشة فكان يقودها الكابتن جادالله (المريخ) ومعه ولد الشايقي وولد الاشول (الهلال) وكانوا يتمتعون بمقدرة عالية على إضفاء جو من المرح والفكاهة بين كل أعضاء الفريق.

أما أصعب المواقف التي واجهت منتخب السودان خلال تلك البطولة فكانت خلال اللقاء الذي جمعه مع منتخب مصر في الدور قبل النهائي .. فقد أصيب 3 مدافعين أساسيين خلال النصف ساعة الاولي من المباراة فاضطر مدرب الفريق إلى الاستعانة بمهاجم ولاعب خط وسط لسد النقص في عدد المدافعين ,

بل تم تغيير جميع مراكز اللاعبين وفقا للظرف الطاريء وقتها , وكانت النتائج السابقة لنا مع مصر تميل لصاحبها واعتقدنا انها ستكرر نفسها خلال هذا اللقاء بعد اصابات اللاعبين المفاجئة لكننا تمسكنا بالعزيمة والاصرار ونجحنا في تجاوز أهم عقبة لنا في البطولة وفزنا 2/1.. وبعد نهاية المباراة والوصول للنهائي تأكد لنا أن الفوز بالكأس بات وشيكا

واصبحنا أكثر ثقة في انتزاع اول كأس افريقية للسودان.. وفي النهائي واجهنا غانا وفزنا بهدف نظيف في مباراة مرت علينا في سلام ودون أية احداث مفاجئة .. وللامانة اقول ان الجمهور السوداني كان وراء الفوز بالبطولة لوقوفه بقوة إلى جانبنا , وكانت الدولة كلها وراءنا سواء الحكومة كلها او رئيس الجمهورية.

حصلنا على مكافأة الفوز بالبطولة وكان مقدارها 200 جنيه سوداني , ووقتها كان الجنيه يعادل 3 دولارات اميركية , وكان مبلغ المكافأة كبيرا بأسعار هذا الزمن لدرجة ان بعض اللاعبين اشتروا منازل بالمبلغ والبعض الاخر قام ببناء منزل بقيمة المكافأة على قطعة الارض التي اهداها الرئيس السوداني لكل لاعب بالفريق.

والحاضر فرض نفسه على حديث الذكريات مع الكابتن نجم الدين .. فالسودان أحد اوائل الذين لعبوا كرة القدم في افريقيا يسجل غيابا طويلا عن المشاركة في النهائيات الافريقية

يقول الكابتن نجم الدين ان الكرة السودانية وقعت أسيرة في قبضة قطبي السودان الهلال والمريخ , اللذين لا يشغلهما سوى البطولات والكؤوس التي تدخل خزانة النادي , وبالتالي باتا مشغولين أكثر باستقدام اللاعب الجاهز واهملوا قاعدة الناشئين ..

وبصراحة لن يحدث إصلاح كروي في السودان إلا إذا أوجدنا الية جديدة للنظام الكروي .. آلية لا يأخذ فيها الهلال والمريخ كل وأي شيء .. الية تسمح بعودة المدارس الكروية في المراحل السنية المختلفة وتعتبر الناشيء هو الحل والمفتاح لنهضة الكرة السودانية.

Email