سؤال حول النشر العلمي في مجال الآثار الوطنية

هل ننفق على الماضي أم على الحاضر ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحضارة والمستوى الحضاري مقاصد دول العالم التي تتباهى بحضارتها إن كانت حضارة قديمة أو جديدة، الدول الفقيرة تتباهى بحضارتها القديمة وأنها كانت ذات شأن كبير وعظيم، والدول الحديثة ممن لا حضارة قديمة لها، أصبحت تتفاخر بحضارتها الحديثة مثل حضارة الطيران في القرن الماضي إلى حضارة الكمبيوتر إلى المباني والمعمار الفني الحديث.

موضوع الحضارة بند رئيسي لجميع الشعوب والمجتمعات ولا تبخل الدول على الإنفاق لمن يظهر حضارتها القديمة وعلى سبيل المثال هناك دول عربية ودول من العالم الثالث تهتم اهتماماً بالغاً بهذا الموضوع، ويكون التساؤل: هل ننفق على الماضي أم على الحاضر الذي نعيشه؟

هل ننقِّب ونبحث عن الآثار ونرمِّمها أم نبني البيوت والمدارس لحاجات المجتمع اليوم؟ مازال الموضوع مطروحاً ولكل وجهة نظر مقدرة.

إننا لم نكن نعرف عن حضارات كبيرة ومهمة مثل المصرية القديمة وحضارة اليمن وبلاد الشام وحضارة بلاد وادي الرافدين وفارس والهند والصين وأميركا اللاتينية إلا في السنين الأخيرة، ولا تتعدى المعرفة العلمية أكثر من مئتي سنة، أتى ذلك بلا شك على يد المشغلين بهذا الجانب .

وهم علماء الآثار الذين يقضون أوقاتاً ويقومون بجهود مضنية لإماطة اللثام عن الماضي، لذلك تشاهد اهتماماً عالياً بهذه الأعمال العلمية من قبل الدول نفسها لحضارتها، إضافة إلى اهتمام عالمي لحضارات أخرى بالنسبة لهم أجنبية، فإذا وافقنا على أن المصريين والسوريين واليمنيين، مثلاً، لديهم الأجهزة الإدارية .

ووضعوا الإمكانيات الفنية والمالية لحضارة بلدهم وعملوا على كشفها، فما بال الإنجليز والإيطاليين والأميركيين واليابانيين وغيرهم، واهتمامهم بحضارات الشرق من الحضارة الفرعونية إلى البابلية إلى السبئية والحميرية.

وحضارة بلاد دلمون (البحرين) وحضارة (مجان) الإمارات وعمان، إنه المعرفة وان العالم يجب أن يتعاون علمياً لتوفير المعلومات عن ماضي هذه الأرض، وإن الفائدة التي سيتم الحصول عليها، ولا فائدة عامة لاشك أنها سوف تفيد العالم بأسره.

في دول الخليج العربية نلاحظ جهوداً طيبة تبذل في هذا المجال، وعندما نعرف أن الثراء مختلف بين هذه الدول، إلا أننا نلاحظ أن بعض الدول تبذل الكثير في هذا المرفق من مسح للآثار أو تنقيب لها أو ترميم.

وأشير هنا إلى اهتمام مملكة البحرين بهذا الجانب وسلطنة عمان وأخيراً وضعت دولة قطر برنامجاً طموحاً في هذا المجال، وخصوصاً في جانب المتاحف العالمية الضخمة التي تؤسس في الوقت الحاضر، ما نقصده بالاهتمام هو الاهتمام المنظم والمبرمج والعلمي ذو الخطط المدروسة.

في دولة الإمارات العربية المتحدة جهود طيبة بدأت من خلال دوائر محلية وأولها في أبوظبي ثم الفجيرة ثم دبي ورأس الخيمة وعجمان والشارقة وأم القيوين على التوالي، حسب رصد للأعمال الأثرية والمتاحف منذ نهاية الستينات من القرن الماضي حتى الآن، وفي عام 1971 اهتمت الحكومة الاتحادية ممثلة بوزارة الإعلام والسياحة بهذا الجانب وأنشأت إدارة للآثار والمتاحف.

وقامت بأعمال مختلفة ووقعت اتفاقيات في مجال التنقيب عن الآثار بالدولة مع الجمهورية العراقية والتركية والفرنسية. اليوم هناك واقع آخر، فجهود الآثار جهود في أغلبها تتبع الحكومات المحلية .

ويتفاوت مقدار الاهتمام بين إدارة وأخرى وبين إدارات ذات إمكانات فنية ومالية وأخرى لا تملك ذلك أو تملك القليل. أصبح هناك مقارنة بين الإمارات المحلية وأصبحت هناك مقارنة بيننا في الإمارات وبين دول مجلس التعاون الخليجي. ولا شك أن هناك تفاوتاً أيضاً بين مختلف دول المجلس.

تلك مقدمة بسيطة وواقعية عما نحن فيه محلياً وخليجياً. إن ما أود طرحه في هذا الموضوع أمر في غاية الأهمية ويتعلق بموضوع النشر العلمي في مجال الآثار وغيرها من المجالات المتصلة به.

فللإمارات حضارة بدأت تتكشف يوماً بعد آخر وإذا كان للدول حضارات لامعة ومشهورة فإن الإمارات جزء من بلاد مجان وبلاد مجان تشمل شبه جزيرة عمان اليوم «أتى هذا الذكر في النصوص السومرية منذ الألف الثالث ق.م» وفي الإمارات فترات حضارية مكتشفة مختلفة في أزمانها وإن من أقدمها وأهمها اليوم موقع (البحيص) في المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة، هذا الموقع الذي يعود إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد تقريبا.

ولدينا موقع مثل أم النار (أبوظبي) وهيلي (بالعين) والقصيص وجميرة (بدبي) والابرق والمليحة (بالشارقة) والدور والابرق (بأم القيوين) وشمل والحليله وجلفار وقصر الزباء (برأس الخيمة) وموقع البثنة وقدفع ودبا (بالفجيرة) وموقع المويهات (بعجمان).

هذه المواقع عرفنا عنها الكثير بفضل الجهود التي بذلتها الدوائر المحلية وعلماء الآثار في هذه الدوائر والبعثات الأجنبية العاملة، ولكن هل تم مواكبة المعلومات المستخرجة من الأرض ومن مراكز البحث العلمي في أوروبا وأميركا واليابان ومن المختبرات.

وتم توفير هذه المواد العلمية للباحثين والدارسين وأصحاب المعرفة، بالتأكيد لا، إن الإمارات تخطو خطوات مختلفة، ومنها خطوات علمية، فالجامعات والمعاهد هي مراكز علمية وليست دوائر أو شركات خدمية، فالجامعات هي مراكز البحث العلمي.

وهناك باحثون في الجامعات وخارج الجامعات وباحثون يأتون من خارج الدولة بهدف البحث العلمي في مختلف المعارف ومنها الآثار، فكم رسالة علمية حصل صاحبها أو صاحبتها على الماجستير والدكتوراه وكان موضوعه آثار الإمارات وجل هؤلاء من غير الإماراتيين.

ما زلت أشيد بالأعمال الحقلية الأثرية التي تقوم بالإمارات وأؤكد أنها الأكثر من جميع دول المجلس منفردة، ففي كل الإمارات أعمال ونتائج مهمة ولكنها خافية عن أبناء البلد والعرب ومتوفرة لغير الناطقين باللغة العربية.

وما يؤكد قولي إن الإمارات تستأثر بيوم من ثلاثة أيام لندوة (ندوة الآثار العربية) التي تقام في لندن ويشرف عليها معهد الآثار بجامعة لندن والمتحف البريطاني، تقام كل سنة، يكون للإمارات أبحاث عن الأعمال الحقلية لمدة يوم كامل وباقي الدول في الجزيرة العربية مثل دول مجلس التعاون والأردن واليمن يومان.

من هذا المنطلق فعلى المسؤولين مجتمعين محليين في الدوائر المحلية واتحاديين في الوزارات المعنية المختصة وفي الجامعات ومراكز البحث العلمي الوطنية الاهتمام بموضوع النشر العلمي لهذه الأعمال وهي متوفرة بترجمتها إلى اللغة العربية بجانب لغات أجنبية وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، لكن تحتاج لمن يترجمها إلى اللغة العربية لكي تصبح متوفرة للجميع.

ناصر حسين العبودي

Email