تحت عنوان «نحن وأوروبا والاستشراق»، قدم المفكر والمؤرخ العربي السوري الدكتور عزيز العظمة محاضرة ثقافية في مركز زايد للتراث والتاريخ في العين قدم خلالها صورة اعتبرها معاصرة لاستشراق القطب الواحد الذي يسود العالم اليوم، والذي يستمد منه الإعلام الغربي والأميركي تحديدا أطروحاته الجديدة في مختلف وسائل الإعلام.

في البداية استعرض المحاضر بدايات الاستشراق، معرفا به،ومحددا دوافعه وأسبابه، منوها إلى أن انطلاقه كان من آفاق فلسفية، وتصورات وتراكمات معرفية، وكليشهات ألصقت بالشرق العربي والمسلم لم يبخل هذا الشرق بتسليمها لهذا الغرب، وأشار إلى ضرورة التفريق بين العربي والمسلم، وأننا يجب أن نصر على أننا عرب وليس فقط مسلمين أو شرق أوسطيين.

وتحدث عما اسماه بجدلية الاستشراق المستمرة بل والمستعرة اليوم في ظل العولمة الجديدة وإعلام القطب الواحد. وان هذا الاستشراق يأتي اليوم في ظل استعادة متوهمة لسجال قديم مسيحي ـ اسلامي وتفكيك لرؤية وثقافة الآخر.

وقد بنيت تلك الصور التي أنتجها الاستشراف في بداياته ،على جملة مشاهدات، وقراءات في الساحتين العربية والإسلامية، تبنتها كما هو معروف مؤسسات جامعية وأكاديمية غربية.

وأشار إلى أن حديثنا عن علاقتنا بأوربا وبالعالم، يقودنا للحديث حول العولمة، فالعولمة ليست شانا أجنبيا خالصا، وهي علاقة استتباع ولكن ليست تامة، وهي ليست بالأمر الجديد، فقد مرت خلال تاريخها بثلاث مراحل، بدايةً بالمرحلة الرومانية القديمة جدا، ثم ما تلى الدولة الرومانية.

وهي دولة الخلافة الإسلامية، وكانت دولة عالمية، تفرض على العالم تصوراتها ومنافعها الاقتصادية، ودولة الخلافة أو ما عرف بالدولة الإسلامية، وفي عصرها الذهبي، سيطرت وبأشكال مختلفة على مختلف أصقاع المعمورة، وفرضت بالتالي رؤيتها على من سيطرت عليهم من الأمم والشعوب.

وما دون في تلك الفترة من كتابات أعطانا صورا منمطة للأوربيين ولغيرهم من الشعوب، مازلنا نجدها ونقرأها في كتب التراث العربي الإسلامي، فمثلا نجد في تلك الكتابات صوراً وخصائص معينة للترك وللصقالبة، خصائص قوة، جعلت منهم أقوياء وأشداء وشرسين في القتال ولكنهم ضعاف العقول.

كما نجد مثلا فيما كتبه ابن النظام عن شراء الرقيق وتصنيفه للشعوب اثنيا، ووصفه وتبيانه ميزات كل جنس من الأجناس عن غيره، فهو ينصح مثلا بالمرأة الرومية أو الارمنية للولادة، أما للمتعة فينصح بالزنجية، ولتربية الأولاد بالهندية أو السندية و.و..الخ. الاستشراق فعل نفس الشيء مع العرب، نمطهم وصنفهم ووضع لهم خصائص معينة.

في القرن السابع عشر حدث توسع عسكري وسيطرة تقنية ومعرفية واستتباع للعالم لمركز الخطاب العالمي آنذاك وهو أوروبا.

مع ذلك اعترف بعض المفكرين السلفيين كمحمد رشيد رضا عن فوائد ومنافع جاءتنا من الغرب، كإدخال مفهوم المدارس بالمفهوم الحديث، وإصلاح النظام القانوني، وإدخال أفكار جديدة في مجال السياسة كفكرة السياسة نفسها، وفكرة النظام الدستوري أو ما عُرف بالمشروطية أو الحكم المقيد.

والعولمة هي في الحقيقة جملة من التحولات الهيكلية الموضوعية، وقد تأثرت بها الدولة العثمانية على امتداد القرن التاسع عشر وعلى مختلف الأصعدة في القرن العشرين، وتأثرت بها كذلك الدول التي تلت الدولة العثمانية وصولا إلى فترة حكم جمال عبد الناصر، وهذا في الحقيقة ليس استيراداً بل هو تحول حتمي.

عمار السنجري