أدونيس محاضراً في أميركية القاهرة:

التصوف أعمق ثورة فكرية في التاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى الشاعر السوري علي أحمد سعيد أسبر »أدونيس« أن الفرد في المجتمع العربي المسلم يعاني التهميش الذي تمارسه مؤسسات تمحو الذاتية لصالح مفهوم الأمة أو الجمهور الذي قال انه فكرة أيديولوجية.

وقال أدونيس في محاضرة بالجامعة الأميركية بالقاهرة مساء أول من أمس ان الفرد العربي المسلم يعيش الآن رهين محبسين هما »التأويل الوحداني والتأويل السلفي للنص الديني... هذا يؤدي إلى انمحاء الذاتية في الجماعة-الأمة«.

مشيراً إلى أن التاريخ العربي شهد محاولات لاختراق هذين المحبسين على أيدي بعض الشعراء والمتصوفة، حيث يرى أن »التصوف أعمق ثورة فكرية في تاريخ الإسلام«. وأضاف في المحاضرة التي حملت عنوان »معوقات الحداثة في الثقافة العربية بعامة والشعر العربي بخاصة« أنه »يتعذر أن تنشأ ثقافة عظيمة أو مجتمع عظيم دون هذا الاختراق«.

وتابع أدونيس معلقا خارج النص المكتوب للمحاضرة »لايزال الفرد المسلم وأنا أولكم يعيش انعدام التجارب الكبرى في العالم في جميع الميادين. المسلمون الآن يشكلون خمس سكان العالم ولا يوجد فيهم من يقرأ النص الديني قراءة متفردة«.

وأوضح أنه لا ينظر إلى النص الديني في ذاته بل في تأويله وأن مصطلح النص الديني يعني »التأويل الساكن والممارسة القائمة على هذا التأويل ولا أعني النص الديني في ذاته«، قائلا ان النص الديني تم تأويله تأويلاً سياسياً سلطوياً نتجت عنه ثقافة النفي والإلغاء والتكفير بصورة تؤدي إلى انفصال العرب عن العالم وعن أنفسهم وعن الحياة »فعندما أنفي انساناً فهذا يعني أنني أنفي نفسي«.

وقال انه باسم النص الديني يتم تدمير العقل والذين يكفرون غيرهم يكفرون بإرادة الله فهم يعطون أنفسهم حقوقا لم يعطها الله لأنبيائه »فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر«.

وأشار إلى أن ما وصفه بثقافة التكفير أدت تاريخيا إلى »ثقافة الامتناع عن التفكير.. ثقافة الاجتناب. المفارقة في النص الديني أنه منخرط في الحياة ويرفض قوانينها.. يقود الحياة فيما يعرقلها... حامل الحقيقة هو الإنسان لا النص«.

وقدم أدونيس استعراضاً تاريخياً بدأه باتهام الملك المصري اخناتون »نحو 1397 - 1362 قبل الميلاد« الملقب بفرعون التوحيد بأنه »قتل الذين يخالفونه الرأي وأحرق كتبهم... لغة العنف في التوراة وفي المسيحية الكنسية والعنف بأشكاله يتواصل داخل الرؤية الوحدانية الإسلامية... الرؤية الوحدانية تحولت إلى سماء تمطر عنفا«.

ودلل على ارتباط العنف بالرؤية الوحدانية ضاربا المثل بمدينة القدس التي قال انها تقدم اليوم نموذجا لهذا الارتباط »فهذه المدينة الاكثر قداسة بالنسبة للوحدانيات الثلاث هي الاكثر وحشية في العالم«، وأرجع السبب إلى تدخل النص الديني »الحقيقة« في صنع الثابت الإنساني.

كما ضرب المثل أيضا بالحروب الصليبية التي انطلقت شرارتها عام 1095 عندما ألقى البابا أوربان الثاني خطبة شهيرة في مجمع كليرمون بجنوب فرنسا دعا فيها لاسترداد الارض المقدسة من المسلمين وفي العام التالي بدأت الحملات الصليبية »1096ــ 1292«.

وقال أدونيس ان نظام التأويل الوحداني يحول الانسان إلى مجرد آلة تنقل الكلام »الذي يوصف بأنه ديني دون بحث... يعلمنا الموروث الديني وبخاصة الاسلامي ان القائل برأيه مخطئ وان أصاب. لا معرفة في الدين الا بالنقل... النقل آلة حاضرة بلا حضور«.

وأشار إلى أن انعدام الذاتية في المجتمع العربي ــ الاسلامي يكمن في النص واللغة ويؤدي إلى الاتباعية التي »لا تعرف عذاب الاسئلة. ليس أمامها »الاتباعية« غير طمأنينة اليقين. لا نجد في هذه الثقافة الدينية مجالا للذاتية الفردية. الفردية ذائبة في الجماعة-الامة«. وأضاف أن جميع الأحزاب »تلغي ال-هو في سبيل ال-هم«.

وقبل أن يتحدث أدونيس قال أستاذ الأدب العربي بالجامعة الأميركية حمدي السكوت ان محاضرة أدونيس »جاءت في وقتها تماما«، مشيرا إلى أن الشاعر رشح لجائزة نوبل في الأدب أكثر من مرة وأنه »يعد واحدا من أعظم الشعراء العرب المعاصرين ويعده كثيرون أعظم الشعراء العرب الاحياء«.

وبدأ أدونيس »75 عاما« نشر أعماله الأولى في مطلع الخمسينات والتحق بالخدمة العسكرية عام 1954 وقضى منها سنة في السجن بلا محاكمة بسبب انتمائه للحزب السوري القومي الذي تركه عام 1960 ثم ذهب إلى لبنان عام 1956 .

وحصل على جنسيتها وشارك الشاعر يوسف الخال اصدار مجلة »شعر«. ثم سافر إلى فرنسا وحاضر بجامعاتها وحصل على جنسيتها وان ظل يعتز بأن جنسيته هي اللغة العربية.

ويتنوع نتاج أدونيس بين الشعر والبحث التاريخي والتراثي حيث يعتبره كثير من المثقفين من أبرز القارئين لتراث الشعر العربي وان رأى آخرون أن شعره الذي كان من محاولات قليلة قبل نصف قرن لتأسيس قصيدة النثر يستعصي على القارئ العام الذي تعود على أن يطرب لموسيقى القصيدة التقليدية.

وأوضح أدونيس في ختام محاضرته أن اللغة العربية أوسع من أن نحصرها في ستة عشر بحراً شعرياً وهي البحور التي حددها الخليل بن أحمد الفرهيدي.

وأضاف أن الخليل »قام بعمل عبقري... ولكن الحداثة رؤيا... ليس هناك شاعر أكثر حداثة من »أبي العلاء« المعري »الذي« زلزل في شعره كثيرا من الأسس«.

كما نوه بما وصفه حداثة أبي نواس والنفري متسائلا عن الشاعر العربي الذي يزلزل اليوم الأسس الحالية.

وأضاف أن مفهوم الجمهور وهم يشبه »وهم الجماعة«، نافيا أن يكون لذلك علاقة بالتفاعل مع الشعر الذي تتلقاه ذات فردية تختلف عن غيرها، مشيرا إلى أن »الاساس هو الفرد.. وهم الجمهور مرتبط بالسياسة والايديولوجيا«.

القاهرة - خاص

Email