تاتيانا تولستايا .. المسافة بين بوشكين واطفاله

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 10 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 11 مايو 2003 ما ان وضع جوجول رائعته القصصية «الانف» التي يدور موضوعها حول انف قبطان مغرور تبدأ برسم حياة خاصة حتى بدأت لدى الكتاب الروس موهبة غريبة في خلط عناصر حرية إثارة البهجة المتميزة بها الفنتازيا اللامسئولة بالجدية المتسم بها الهجاء الاجتماعي والسياسي. في القرن العشرين تفوق زامياتين وبلاتونوف في التقنية، التي لم تحببهما الى وسطاء الاصلاح السوفييتي. وبالطبع فان «الاهجوة» السوفييتية، اذا جاز لنا ان نسميها كذلك، كانت تفتقد بشكل كلي هذه الحرية اللفظية، حرية اللغة الثرية الاستثنائية، المتزامنة مع الرشاقة اللفظية غير المتجاوزة. اما الآن فقد كتبت تاتيانا تولستايا «سلاينكس»، وهي رواية تنتمي لهذا التيار، والشيء ذاته تفعله على نحو مثير للجدل في المقال الذي يحمل العنوان الرئيسي لمجموعتها «اطفال بوشكين» والواقع ان كل الكتاب «الروس» هم اطفال بوشكين، وقد ورثوا عنه شيئاً من بهجته المستلهمة، التي تطلق عليها تولستايا اسم «الحرية الداخلية. وعلى الرغم من ذلك، كما تشير هي، فان الكتاب الروس الكبار هم بشكل او بآخر الاكثر خوفاً منها: رغم ان هؤلاء كانوا كتاباً رائعين، كباراً، كتاباً عالميين من امثال: نيقولاي جوجول، فيودور دوستوفسكي، لي تولستوي... الا ان أياً منهم لم يقدر، او يجرؤ على السماح لنفسه باستخدام هذا النوع من الحرية الداخلية. وبدلاً من ذلك قاموا طواعية بفرض قيود الالتزام الاخلاقي على انفسهم ومنها: خدمة القيصر، الرب او الناس. بوشكين وحده الذي وصف نفسه على نحو يميل الى السخرية بالقول بانه ذلك الرجل البسيط المنحدر من عرق زنجي. كانت لديه الجرأة على امتلاك تلك الحرية الداخلية. ان المفارقة هي ان ينمو الاعجاب به بعد موته ويستمر كذلك الى ان يتحول هو نفسه، بالنسبة للكثيرين من ابناء الشعب الروسي، الى إله، او قيصر، او شعب، او رمز مقدس، او ايقونة، او كتاب مقدس. ورغم ان الاستبداد ايا كان نوعه كان مسلماً به دائماً في روسيا، الا ان الكلمة ـ الكلمة التي قالها بوشكين من جهة ـ كانت حرة: الكلمة سواء كانت ملفوظة ام مكتوبة، فهي ترمز لسلطة اكثر تأثيراً من الذرة. ان هذه برمتها وجهة نظر روسية في الادب، ليس لها مقابل في الغرب... ان من يتفوه بكلمة يحقق انجازاً. لقد حمل على عاتقه كل اشكال السلطة والمسئولية. انه خطير. انه حر. انه مدمر. ولهذا السبب كان كل هؤلاء السحرة الكبار، المتسمين بالتحدي، والجرأة، المفوهين، من اليكساندر راديشكيف في اواخر القرن الثامن عشر الى اندريه سينيافسكي في القرن العشرين، كانو يلعبون بالحياة والموت. ان المفارقة او وجه التناقض بين تصريح بوشكين حول «الحرية الداخلية والمسئوليات التي جعلت اطفاله يشعرون بان الكلمة التي ارتبطت بهم على نحو ساحق هي الحالة الرئيسية التي قامت تاتيانا تولستايا باستكشافها في مقالها المتسم بالقدرة على الفهم والذكي في آن واحد. وهي بتحديدها اختلافات ضمنية من النوع الحاد بين واحد من الشعراء من اطفال بوشكين، هو الشاعر الغنائي الفاتن افناسي فت، وبين دوستوفسكي، الذي هاجمه بعنف في الوقت الذي اشاد فيه ببوشكين ورفعه الى السماء باعتباره الشاعر الذي لم يقرأ «تعلق بقولها بان سخط دوستوفسكي على فت كان لا يطاق. هل كان ما اراده، هو الانطباع الذي يمكن ان يؤدي الى احداثه عندليب الشاعر على القاريء في اثناء قراءاته «زلزال ليشبونة»؟ تجيب: الا انه لا يوجد لدينا زلزال، ولسنا نعيش في ليشبونة، وفوق ذلك كله، هل نمنع الحب، من الاستماع الى العنادل..؟ ان الجدل الذي اثاره دوستوفسكي ظل غير محكم على الرغم من ذلك لفترة طويلة. وقد اصبح كذلك بسبب تأثره بالطريقة التي يفهم من خلالها الروس الحياة الروسية: فهمهم لها على انها زلزال ليشبوني متواصل لا ينتهي. ما يأتي بعد ذلك هو انك لكي تحيا ولكي تكون لديك القدرة على التصدي للآثار المترتبة على الزلزال فانه لا ينبغي لك ان تكون شاعراً، وانما يتوجب عليك ان تكون مواطناً. ان ما اشار اليه نيقولاي نيكراسوف احد كتاب القرن التاسع عشر، يشكل بطريقة او بأخرى احتجاجاً على التقليد البوشكيني، وكان حرياً بان يجد له صدى لدى دوستوفسكي تماماً كما هو الحال لدى تاتيانا الحفيدة الصغرى لليوتولستوي. فعلى الرغم من ان الاتحاد السوفييتي كان بطريقته الخاصة قد بني على هذه القناعة الا انه عندما انهار، فان الشاعر، كما تقول تولستايا، لم يعد من الواجب عليه ان يكون مواطناً وكان باستطاعته ان يعود للشعر بهدوء. لا شيء من الممكن له ان يصبح اكثر افساداً للاخلاق بالنسبة له. انه بتعوده على النفي، والرقابة، والاضطهاد بكل اشكاله الحادة وغير الحادة، كيف يمكن له ان يحيا دون ان يكون لديه الحافز على الابتهاج المترتب على كل هذه الاشياء؟ كيف تبقى الكلمة نفسها؟ لا وجود لكلمة كما تقول تبدو اكثر جاذبية بالنسبة لقاريء السبعينيات من كلمة «ارديس» المصدر الخفي للكتب» اسم دار النشر الصغيرة الشديدة التأثير التي كان يديرها من الولايات المتحدة كل من كارل الينديا وبروفير، اللذان نشرا باللغة الروسية روايات نابوكوف والعديد من الكتاب. وفي روسيا نفسها كانا بالطبع مطلوبين بالحاح. حتى جاء الاصلاح السياسي «جلاس نوست» على يد جورباتشوف حيث، وبشكل مدمر غير متوقع، «تدفقت الكلمة حتى غمرت الارض». وكما تشير تولستايا باسلوبها الكوميدي الجاف، فان الكلمة الآن تأخذ كل ما ممكن تصوره من الاشكال الجيدة والسيئة، المبتذلة او القذرة. لقد فقدت طبيعتها السحرية، كما ان القاريء المبتهج في البداية، اصبح مكتسحاً في النهاية ومحبطاً فيما بعد. ان هاوي جمع العملات النقدية قد يراوده الشعور ذاته اذا تبين له فجأة ان الزهو الذي يشعر به نتيجة اقتنائه العملات.. يوجد مثيله في اي محل تجاري. كل شيء كان.. يفقد قدسيته بضربة قاضية واحدة.. ولو ان الشاعر كان يشعر بالزهو نتيجة الاستخدام الانيق المسبق للغة ايسوبية توظف لاغراض سياسية.. واذا كان ذلك مصدراً للشعور بالبهجة بالنسبة للقاريء.. القادر على فك الشيفرات الشعرية، فان الناس سيبدأون بالتساؤل: ما الهدف من هذا كله؟ الآن اصبح بامكان كل من يريد ان يكتب قصيدة غنائية بذيئة بالخط العريض، ليسب او يهين النظام، ويقف في الميادين العامة للحصول على التأييد من كل الاطراف، وهو يرفع اللافتة عالياً فوق رأسه. المقالات والمقابلات الاخرى التي تشتمل عليها مجموعة تولستايا الجديدة ليست اقل ظرفاً وحدة. في مراجعتها لكتاب «النساء السوفييتات» لمؤلفته فرانسين دو بليسيه جراي التي كانت تحمل معها في السفر جهاز تسجيل يمكنها من الحصول على آراء النساء السوفييات مباشرة، تصف تولستايا الاستقبال المحير الذي لقيته هذه الكاتبة الغربية التي تحمل آراء معتدلة حول قضايا نسوية. وكما تقول الحكمة السوفييتية فان «النساء يفعلن كل شيء والرجال يكملون كل ما يتبقى بعد ذلك» ما يعني انه بمقدورك ان تضطجع على المقعد طوال اليوم، كما يفعل البطل العظيم اوبلوموف في رواية جونتشاروف الكلاسيكية التي يعود تاريخها الى القرن التاسع عشر. الا ان اوبلوموف لم يكن اول من فعل ذلك. حيث ينام اليا موروميتس، فارس احدى الحكايات الملحمية الفولكلورية، متكئاً هو الآخر ثلاثاً وثلاثين سنة الى ان يمر به ساحر ويمن عليه بقدرات بطولية، فيما بطل آخر تمنحه سمكة كراكي كل شيء بما في ذلك الاميرة التي يتزوجها، حتى يفقد القدرة على فعل اي شيء لاحقاً. تبدو تولستايا غير متأثرة تماماً بسولزينتسين، مما يحملها على ان تكون شديدة القسوة في حكمها على الكتابين اللذين يعرضان وجهات نظره فيما كان غير ملائم في الماضي، وما ينبغي القيام به في المستقبل. كما تبدو شديدة الاحتقار لظهوره نصف الشهري على شاشة تلفزيون موسكو. تبدأ مراجعتها الاولى لها بالقول: وكما هو معروف، فان اليكساندرا سولزينتسين يدعي وجود حقيقة واحدة، هي ان الحقيقة واحدة. والبراهين المشتركة التي يتوصل اليها في عمله، خاصة موضوعاته العاصفة، الموحية كذلك بانه يؤمن بانه الوحيد الذي يعرف. وربما ذكرنا هذا بالفوارق التي يقيمها ايسايا برلين بين تولستوي الثعلب الذي كان يعرف الكثير من الاشياء، ودوستوفسكي، القنفذ الذي كان يعرف شيئاً واحداً كبيراً فقط ـ الحقيقة الكبيرة الوحيدة التي تحدث عنها سولزينتسين وهي انه يميل لان يكون مصيباً فيما يتعلق بكل شيء، الكاتب في الشئون الروسية والروس الذي تكن له تولستايا كل احترام هو ديفيد ريمنك، مؤلف كتابي «قبر لينين» و«البعث» المتسمين بالشفافية على نحو يستحق الاعجاب. ان قدراً كبيراً من الذكاء ونفاذ البصيرة اللذين يتمتع بهما تولستوي كناقد ومعلق قد وجد طريقه الى روايتها الاولى «سلينكس» التي ترجمها بمهارة جيمي دامبريل. وهذه ايضاً رواية هجائية حسب التقاليد الروسية الاصيلة وحسبما تنص عليه تقاليد الفنتازيا الابداعية السامية. من او ما هو سلينكس؟ ان هذا المخلوق الذي قلما تسنت لنا مشاهدته وتحديده، ربما كانت له علاقة بذلك الشيء الذي يطلقون عليه اسم «ميلكي بيس» شيطان الحياة اليومية الصغير، الاناني، المتعذر محوه والقضاء عليه، الذي يتسكع، بشكل او بآخر، على امتداد صفحات الكثير من روايات وقصص القرن التاسع عشر الروسية. ان شبح سلينكس ينتاب بندكت، الذي يلعب دور الراوي الرئيسي، النذل او البطل «في رواية ما بعد الحداثة لا يوجد بين الاثنين سوى القليل من الفرق». ان بندكت كاتب يعمل في خدمة الطاغية الذي يحكم ما يتبقى من موسكو بعد مائتي عام من الانفجار الذي يمكننا افتراض وقوعه خلال مرحلة ما من مطلع القرن الحادي والعشرين. وهناك شيئان مهمان في هذا العالم الآخر هما الكتب، المنحة الاضافية التي يحصل عليها الطاغية، الذي ينتحل آراء كتاب الاعمال الكلاسيكية القديمة ويصبح بالتالي الكاتب الاوحد. والفئران التي تحتشد باعداد كبيرة، وتشكل على نحو فعلي المصدر الوحيد للغذاء (الفئران هي الدعامة الرئيسية). ورغم «عشق» بندكت للكتب التي يوفرها الطاغية، الا انها (لاتزيد على كونها ديكوراً رائعاً) أشياء للاعجاب والتسلي بها فقط. ولذا فهو لا يجدها بلا معنى، كما لو أنها كلمات تأتي في حد ذاتها لكي تظهر كأشياء جذابة لا اكثر، دون ان تخفي وراءها مغزاً جمالياً أو أخلاقيا. بالاضافة الى، افتقادها العلاقة بالحياة كما هي. الا ان الحياة في العالم الاخر او ما بعد العالم تنطوي على المخاطرة بالاضافة للغرابة. حيث يصبح كل شيء ممكن التحقق، وفي أي وقت. ورغم ان سلينكس لا تمكن رؤيته الا انه ينبغي ان يحيا في هذه الغابات اللامتناهية الواقعة خارج البلدة الآيلة للسقوط: يجلس سلينكس على الأغصان الداكنة ورغم انه يطلق عواء وحشياً، عواء حزيناً الا ان احدا لم يره على الاطلاق. اذا تجولت في الغابة فهو سيقفز على رقبتك من الخلف: هوب! يمسك بأسنانه بعمودك الفقري ـ يطحنه ـ يستخرج بمخلبه الشريان الرئيسي ويفتته. تفقد صوابك. ولو عدت مرة اخرى، فلن تكون ابدا كالسابق، ستكون عيناك مختلفتين، ولن تعرف وجهتك على الاطلاق، كما يحدث عندما يسير الناس في أثناء نومهم تحت القمر، تمتد أذرعتهم، وأصابعهم ترتعش: رغم انهم نائمون، الا انهم يقفون على أقدامهم. وهنا سيعثر عليك الناس وسيأخذونك الى الداخل، وفي بعض الأحيان، للتسلية فقط، سيضعون أمامك طبقاً خالياً، ويغرسون في يدك ملعقة، ويقولون لك «كل». وأنت تجلس هناك كما لو أنك من صحن خال، تكشط وتكشط وتضع الملعقة في فمك وتلوكها، ورغم انك ستبدأ بعد ذلك بمسح طبقك بقطعة من الخبز، الا انك لن تكون ممسكاً بقرص في يدك. اما اقاربك فسيضحكون حتى يتدحرجون على الان. ولن يكون بوسعك حتى قضاء حاجتك، اذ لابد ان يرشدك احد الى ذلك في كل مرة. فاذا شعرت زوجتك او امك بالأسى من اجلك، فإنها ستأخذك للخارج، لكن لو لم يكن هناك من يهتم بك فان ذلك سيعني الهلاك بالنسبة لك، اذ ستنفجر مثانتك وحينئذ ستموت بلا ريب. وعلى الرغم من ان سلينكس هو الشيطان الذي جرد الانسان السوفييتي من شخصيته الانسانية، الا انه ينتمي الى الأسطورة الشعبية الروسية ايضا. وبجلوسه على الأغصان، يبدو كما لو انه نسخة حديثة من روزالكا المفزوع الذي يظهر في القصة الروسية، ونسخة من قصيدة بوشكين الفاتنة. وعلى الرغم من الكآبة التي تتسبب فيها فوضى ما بعد الحداثة التي تملأ بها تولستايا روايتها على نحو يميل الى المرح والسخرية، فهي تملك كذلك ما يوحي الى ميلها نحو الجمال، كما لو انه نوع من العودة الى عالم الأسطورة والارتحال، حيث حتى الشيشانيين يصبحون هم ايضاً ـ بالمقارنة بأشياء اخرى كثيرة في عالم الرواية ـ غير مؤذيين: لا يمكنك التوجه جنوباً. فالشيشانيون يعيشون هناك. وبداية فان المكان كله عبارة عن سهل واسع خال من الشجر، سهل متسع، اكثر فأكثر ـ وقد تسقط عيناك من محجريهما من فرط الحملقة. ثم يأتي بعد ذلك ـ الشيشانيون. وسط البلدة يرتفع برج للمراقبة بأربع نوافذ، وحراس يستمرون كلهم في المراقبة. مهمتهم التحذير من الشيشانيين. والواقع انهم لا يراقبون طوال الوقت، بالطبع، بقدر ما يدخنون ويلعبون بالقش. أحدهم يمسك بقبضته بثلاثة اعواد من القش ـ اثنان طويلان وواحد قصير. وأي من الاخرين يخطف القصير يتلقى ضربة قوية على جبهته. الا انهم يطلون من النافذة احياناً. فاذا ابصروا شيشانياً، فحينئذ صار يتوجب عليهم ان يصيحوا شيشانيون، شيشانيون! «ليخرج الناس بعد ذلك من كل المستوطنات ويبدأون بقرع القدور بالعصي، لكي يخيفوا الشيشانيين. فيفر الشيشانيون مزعورين. وذات مرة، وصل الى البلدة شخصان قادمان من الجنوب، كانا رجلاً وامرأة كبيرين في السن. وعلى الرغم من قرعنا قدورنا بعنف، وأطلاقنا صيحات مدوية، الا ان الشيشانيين لم يهتموا لذلك، وأخذوا في التدفق وفي تفقد المكان، اما نحن فقد خرج اكثرنا جسارة للتصدي لهم بألسنتهم، ومغازلهم، وكل ما توفر لهم. لمعرفة من هم ولماذا أتوا. قالوا لهم «نحن من الجنوب، نحن جولوبتشيك، نحن نمشي على ارجلنا منذ اسبوعين، لقد تعبنا. لقد جئنا لمقايضة قطع الجلد غير المدبوغ. ربما كانت لديكم بعض السلع؟». وماذا لدينا؟ نحن نأكل الفئران «الفئران هي قوام حياتنا، ورغم ان هذا هو ما يقوله فيدور كوزميك، الا ان مواطنينا اناس رحماء، فقد جمعوا كل ما كان بحوزتهم وقاموا بمقايضته بالجلد وسمحوا لهم بالمغادرة. وفي وقت لاحق اخذ الناس يتحدثون عنهم كثيرا. ثرثر الجميع وتحدثوا عن أشكالهم، وعن الحكايات التي كانوا يروونها، وكيف وصلوا. كانوا يشبهوننا، في الواقع: الرجل العجوز كان رمادي الشعر وكان يرتدي حذاء من القصب، اما المرأة فكانت تضع على رأسها غطاء، كانت عيناها زرقاوان وكان لها قرنان. كانت حكاياتهما طويلة ومحزنة. ورغم ان بندكت كان صغيرا في ذلك الوقت ولم يكن لديه وعي على الاطلاق، الا انه كان قادرا على الاصغاء. ان انجاز تولستايا الباعث على الشعور بالبهجة في اول مغامرة لها في عالم الكتابة الروائية وغير الروائية الروسية ـ والذي يتمنى المرء ان يرى غيره الكثير ـ هو وضع يدها كما هي على تقليد تراجدي كوميدي. ان احساسها بما تفعل، وما تتمنى ان تفعله، يمكن تلخيصه بشكل او بآخر في حكايتين حقيقيتين صغيرتين، كل منهما ربما كانت قد وقعت في عالمها الروائي. وفيما هي تراجع كتاب ادوارد رادزينسكي القيصر الاخير تخبرنا في اطفال بوشكين، انه في عهد لينين سرت شائعات مضحكة، تقول بان القيصر سيمنح بعد موته جائزة اوردير اوف او كتوبر ريفوليوشن «مكافأة له على توفيره وضعاً ثورياً في البلاد». القصة الاخرى التي ترويها تشبه حتى بعضاً من روايتها. حيث في احد المعارض الفنية تجد نفسها جالسة جنباً الى جنب مع سيدة عجوز: بدأنا نتحدث، واخذنا الحديث الى نيكولاس الثاني. المرأة العجوز كما تبين لي بعد ذلك كانت ارستقراطية تعمل وصيفة في أحد القصور. تنهدت: كلهم يقولون باستمرار انه كان طاغية مستبد. ولكن لماذا، لماذا حقيقة؟ لقد بقلم: جون بيلي ترجمة: مريم جمعة فرج

Email