القلق سمة يطلقها العلماء على العصر الحالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 29 محرم 1424 هـ الموافق 1 ابريل 2003 في نظرة على المشهد الحالي للمنطقة التي نعيش فيها وللعالم تبدو كثير من الأمور متداخلة، وتقترب الأحداث من لحظات الحقيقة ، بما فيها من تهديد وخطر محتمل ينذر بعواقب عصيبة يحيطها الغموض.. وعندما نتأمل الوضع الراهن فإن ذلك يذكرنا بما أطلق عليه علماء النفس «عصر القلق» في الفترة التي سبقت وواكبت وأعقبت الحرب العظمى الأخيرة، ولا عجب من تشابه المشهد الحالي بما حدث في العالم قبل 80 عاماً. ومن وجهة النظر النفسية فإن الخوف والترقب والإحباط واليأس هو الشعور الغالب الذي أستطيع بحكم عملي أن استشعره ينتشر في أوساط الناس من حولي وهم يتابعون بقلق أجواء التهديد وعرض القوة والدمار من جانب الأقوياء في مواجهة الضعفاء والمستضعفين، وهو قانون اللعبة الحالية الذي يذكرنا بما أطلق عليه شريعة الغابة، ووسط ذلك تدور بالأذهان الكثير من التساؤلات التي تبحث عن إجابات شافية حول احتمالات ما سوف يحدث في الأيام القادمة. مشاعر الاسى صحيح أن الحياة تمضي .. والأعوام تتعاقب منذ بدء الخليقة وعهد آدم .. لكن الصراعات الإنسانية والحروب والقتل والدمار لم تكن في عصر من العصور بهذا الحجم في كل بقاع الأرض مثل الذروة التي وصلت إليها في عصرنا الحديث، ومنذ الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن الماضي والحرب العالمية الثانية قبل منتصف نفس القرن لم تشتعل نقاط الصراع والحروب الساخنة في العالم مثلما يحدث في أيامنا هذه، ولقد كان الناس يضربون المثل في الفوضى والظلم وغياب العدالة بقانون الغابة، حيث يقوم القوي من الحيوانات بافتراس الضعيف. وحين يشاهد أحدنا فيلماً مصوراً عن نمر يطارد غزالة رقيقة ثم يقوم بافتراسها وينهش لحمها، أو آخر يصور نسراً كاسراً ينقض على حمامة وديعة فإن ذلك كان يثير مشاعر الأسى والتعاطف مع المخلوقات الضعيفة.. واليوم أصبحنا نشاهد في نشرات الأخبار على القنوات الفضائية المتعددة مشاهد تفوق أقصى ما وصل إليه الخيال في أفلام العنف التي كان يتسلى بمشاهدتها الشباب.. وأصبحت مشاهد القتل وجثث الضحايا والقذائف التي تفتك بالبشر وتسبب الدمار للمباني والممتلكات معتادة ومتكررة لدرجة لم تعد تحرك الكثير من مشاعر الناس في أنحاء الأرض.. والمقارنة هنا بين شريعة وقانون العقاب وبين ما يقوم به الإنسان نحو أخيه الإنسان من سفك للدماء هي نوع من الغبن للحيوانات التي تمارس القتل بصورة محدودة ولأهداف واضحة هي الحصول على الغذاء والصراع من أجل البقاء. أما الإنسان فإنه حين يمارس القتل - وكانت البداية بأحد أبني آدم الذي بسط يده ليقتل أخيه - فإننا لا نجد دافعاً يتفق مع العقل لتبرير هذا الكم الهائل من الصراع وسفك الدماء والتدمير الواسع للبيئة الإنسانية.. كل ما نجده هو مسميات متناقضة يطلقها كل طرف ليمارس بمقتضاها القتل والتدمير مثل «الإرهاب» ومكافحة الإرهاب، و«الاحتلال والمقاومة»، «وحرب التحرير»، وشعارات أخرى غير ذات معنى مثل «حقوق الإنسان»، «والعدالة المطلقة»، «والحرية الدائمة».. لكن المحصلة في النهاية تحت كل المسميات هي صراعات وقتل ودمار، ومآسي إنسانية ومشاهد عنف دموي تعيد إلى الأذهان مشهد أحد ابني آدم عند بدء الخليقة ويداه ملطخة بدماء أخيه.. وما أكثر الأيدي التي اقترفت جرائم ضد الإنسانية. والسؤال الآن: إلى أين يتجه العالم؟ فالمشهد الحالي ينذر بمزيد من العنف والفوضى والصراعات في بقع كثيرة في مقدمتها ما يحدث في العراق ويمتد إلى مناطق الشرق الأوسط الأخرى، أو في فلسطين وقد تمتد الصراعات والحروب حتى تكاد تشمل معظم بلاد العالم. ويصاحب ذلك حالة من الترقب والقلق وغياب الشعور بالأمن، وافتقاد الطمأنينة وراحة البال على المستوى الفردي والجماعي، وسيؤدي ذلك حتماً إلى زيادة الاضطرابات النفسية في كل المجتمعات إلى حد لا يمكن تصوره. والأمل معقود على عودة الإنسان إلى منطق العقل والحكمة... ومراجعة المواقف والسياسات التي أدت في النهاية إلى الوضع المأساوي الحالي لتشرق شمس أيام العام الجديد والأعوام التالية على عالم تراجع فيه دوافع الشر والدمار لتزيد فرص السلام والطمأنينة.. لكن المؤكد أن حدوث ذلك سيكون بعد سقوط المزيد والمزيد من الضحايا في كل مكان. ورغم كل ذلك لا نملك إلا أن ننظر بأمل وتفاؤل ودعاء إلى الله بأن يحل الخير والسلام على العالم. د. لطفي الشربيني

Email