«فصول من عذابات الشيخ أحمد» نافذة أضاءت مرحلة نضال الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 11 محرم 1424 هـ الموافق 14 مارس 2003 استهلت فرقة مسرح الشارقة الوطني مسابقة الدورة الثالثة عشرة لايام الشارقة المسرحية بعرض مسرحيتها، «فصول من عذابات الشيخ احمد» من تأليف السعودي عباس حايك ومن اخراج حسن رجب وبطولة: احمد الجسمي، محمد اسماعيل، آلاء شاكر، محمد غباشي، صالح البحار، محمد غانم وعبدالله صالح وعدد كبير من ممثلي الفرقة والمجاميع والذين فاق عددهم الاربعين.. عرض الافتتاح جاء صرخة مستعارة من التاريخ في منطقة الخليج تجاه الاوضاع الراهنة، واذا كانت مسرحية عذابات الشيخ احمد في مشهدها الاخير تستنهض الكرامة العربية لتصد الانتهاكات التي ما زالت تتوالى عليها فان المخرج حسن رجب استطاع ان يرسم مشهدية معبرة من خلال الكفن الابيض للشيخ احمد الذي قتل غدرا لانه صرخ في وجه الاستعمار، وجاءت المشهدية الرائعة حينما امتد حبل الكفن بين خشبة المسرح وجمهور الصالة وراحات القماشات الحمراء التي رماها من عمق خشبة المسرح باتجاه الجمهور لتنهمر من خلالها دماء الظالم والمستبد والمستعمر. فصول من عذابات الشيخ احمد التي ألفها الكاتب السعودي عباس الحايك في نص توثيقي ادبي رغم انها ارهقت المخرج والممثلين في سرديتها وتقريريتها الا ان المعالجة الدرامية التي قام بها المخرج قاسم محمد واللعبة الاخراجية للمخرج حسن رجب استطاعتا ان تتغلبا على تلك العقبة ولو انه بقى شيء منها مسيطرا على العرض. المخرج حسن رجب في توظيفه للمؤثرات الصوتية والغنائية الحية جر ما يحمله من الموروث الغنائي والادائي الى لعبة العرض، وجعل من الجوقة مستوى متوازيا مع احداث العرض، لغة تفسيرية، ولغة راوية ولغة معلقة على العذابات. تحكي المسرحية نضال الشيخ احمد، شيخ العلم الذي سجنه الاستعمار البرتغالي في القرن السادس عشر لانه صرخ ضد الاحتلال، قطعت يد الشيخ، سجن لعشر سنوات، مزقت صدره الاحزان على قومه الذين يهانون ويذلون يوميا، ابنته التي خبأت كتبه في غرفة مظلمة خوفا من أن تمتد اليها يد المستعمر.. يعود الشيخ احمد من سجنه ليجد بيته المهدم ككناية عن وطنه الذي نهشه الغرب، وهنا وفق المخرج في اختيار مكان بيت الشيخ وفي شكله المعماري في مقابل بيت اخيه المتهادن مع المستعمر الغريب..يهيج الشيخ احمد اهل مدينته ضد الدخيل وينادي بالثورة على الظلم، لكن اهل المدينة كانوا قد غرقوا في الدجل حينما اعتقدوا بأن «ام رشدان» سيدة مبروكة تحولت الى صخر تمنح المعجزات والاماني.. وهذه اشارة قابلة ان تسقط على حالة العرب في زماننا الحاضر، حالة التبعية والاستسلام وجد الشيخ احمد اهله منغمسين في الدجل فيحطم ذلك الوهم ويقيم الثورة من جديد. في الجانب الادائي لمستوى التمثيل تبقى هناك ملاحظات بسيطة يمكن الحديث عنها، فالبرود رافق اداء الممثلين والرغبة في الاضحاك لم تأت موفقة في عمل مثل هذا، ثم ان شخصية الاخ الذي هادن الاستعمار ظهر من خلال اداء الممثل الذي قام بالدور مناقضا لما يفترض، في الوقت الذي يفترض فيه ان تكون هذه الشخصية سالبة ومدانة، ظهرت خفيفة الظل. لم تساعد الاضاءة كثيراً في إظهار تعابير الوجوه والاداء لدى الممثلين، وبالذات في مشهد السجن وهو مشهد الاستهلالية والتعرف على معاناة الشيخ احمد، وايضا لم يساعد صوت الممثلين في الوصول الى صالة الجمهور. في العموم يبقى اختيار عرض «فصول من عذابات الشيخ احمد» موفقاً في الفكرة، ويحسب للكاتب عباس الحايك نبشه في التاريخ الخليجي بحثا عن حالات التوهج، ويحسب للمخرج حسن رجب توفيقه في الوثوب على عقابات سردية النص وتقريريته بملامح مشهدية، كان لها الاثر الكبير في تحقيق مستوى جيد من الفرجة المسرحية، كما تحسب خطوة الاتجاه لانتاج اعمال ضخمة لادارة مسرح الشارقة الوطني. ورغم حديثنا عن الهنات التي اعترت العرض، الا انها هنات بسيطة يمكن تجاوزها بسهولة في العروض المقبلة لهذا العرض الكبير الناجح والموفق في اختيار موضوعه المواكب للاحداث التي تحيط بنا، والتي نحتاج من المسرح كأحد اجنحة المقاومة ان يقول كلمته وان يكون المرآة العاكسة لتوتراتنا وقلقنا.

Email