بحث اينشتاين عن النظرية الكونية الشاملة مستمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 11 شعبان 1423 هـ الموافق 17 أكتوبر 2002 عندما كتب اينشتاين لأول مرة نظرياته الخاصة في وصف الكون في عام 1917 كان العنصر الأبرز في افكاره ان قوة الجاذبية هي وحدها المؤثرة في مسيرة الكون من البداية حتى النهاية، في ذلك الحين كانت القوة الأخرى الوحيدة المعروفة هي قوة المغناطيسية الكهربائية وبدا تأثيرها على الكون ثانوياً. وفي السنوات التالية اكتشفت قوتان رئيسيتان اخريان هما القوة النووية القوية التي تربط البروتونات والنيوترونات مع بعضها البعض داخل الذرات والقوة الضعيفة التي تتسبب باضمحلال النشاط الاشعاعي، لكن لم يبد ان لأي من هاتين القوتين اهمية كونية حقيقية. والآن تغيرت كل هذه المعطيات فأجهزة مسارعة الجسيمات الذرية كتلك الموجودة في مختبر «سيرن» في جنيف افضت إلى اكتشاف مذهل مفاده ان القوى الأساسية الأربع ليست ثابتة بل متبدلة تبعاً لدرجة الحرارة الكونية المحيطة. وأظهرت التجارب التي اجريت بواسطة مصادم الذرات العملاق «ليب» ان قوة المغناطيسية الكهربائية «الكهرطيسية» تزداد بنسبة 7 بالمئة بازدياد شدة طاقة وبالتالي درجة حرارة الجسيمات الذرية داخل المصادم. وعلى خلفية نظريات كيفية عمل تلك القوى الأساسية الطبيعية تشير هذه النتائج إلى احتمال مثير بأن القوى الأربع تندمج في قوة واحدة موحدة بتوفر درجة حرارة مرتفعة بشكل كاف، لكن الحرارة اللازمة لحدوث ذلك تتجاوز كثيراً امكانيات أي مصادم ذري في العالم إذ تقدر بـ 10 أس 32 أي 10 وإلى يمينها 32 صفراً، وفي الواقع ان هذه الحرارة لم تحدث سوى مرة واحدة في تاريخ الكون خلال الانفجار العظيم الذي ولد منه الكون. وينظر علماء فيزياء الجسيمات الذرية الآن إلى المراحل الأولى في عمر الكون كحقل اختبار لما يعرف بـ «نظرية كل شيء». وعلاوة على توحيد القوى الأساسية الأربع للطبيعة فإن نظرية كل شيء من المفترض ان تشكل جميع الانماط المختلفة للجسيمات الذرية في مجموعة معادلات موحدة والحافز الرئيسي وراء البحث في نظرية كل شيء هو الاعتقاد بأنه تحت فوضوية وعشوائية الظواهر الطبيعية اليومية تقبع وحدة انسجام شاملة بين جميع الاشياء، وبحسب المفاهيم النظرية والتجارب العملية كتلك المجراة في مصادم «ليب» فإن هذه الوحدة لا تكشف عن نفسها إلا في درجات حرارة مستعرة كتلك التي كانت خلال الانفجار العظيم. ونظراً لعدم وجود أي أمل في اعادة انتاج مثل هذه الحرارة الخيالية على الأرض، يبحث علماء فيزياء الجسيمات عن اجابات لألغاز الكون في المشاهدات الكونية التي يسجلها الفلكيون العاكفون على سبر الأحداث الكونية التي عقبت الانفجار العظيم مباشرة. وينصب الاهتمام حالياً على اعمال رصد ومسح الحرارة المتبقية منذ الانفجار العظيم، فالاقمار الصناعية مثل مسبار تباين الامواج الكهرطسية (ماب) وقمر «بلانك سرفيور» قادرة على رصد الاختلافات الضئيلة جداً إلى حدود واحد في العشرة الآلاف في درجة الحرارة القادمة في اجزاء مختلفة في الفضاء، والنماذج الناتجة في البقع الساخنة والباردة تقدم مفاهيم مهمة لفهم الاحداث التي وقعت خلال الانفجار العظيم. تمدد الكون وعلى سبيل المثال فإن المحاولات الحالية لوضع نظرية لكل شيء تتنبأ بأن الكون شهد تمدداً سريعاً على نحو لا يصنف خلال الانفجار العظيم، مدفوعاً بطاقة يفترض ان تفسرها نظرية كل شيء، وقد اقترح واضعو النظريات افكاراً عديدة عن الشرارة التي اطلقت هذا التضخم الكوني وكل فكرة من هذه الافكار تتنبأ بأنماط من البقع الساخنة والباردة في الحرارة المتبقية في الانفجار العظيم. وتتنبأ أبسط النظريات بأن الحرارة المتبقية ينبغي ان تكون جزءا في كل مماثل، اي ان نموذج البقع الساخنة يجب ان يبقى كما هو مهما تعززت قوة المشاهدات الفلكية لكن بعض نظريات التضخم تتنبأ بظهور تغيرات صغيرة عن دراسة الحرارة بقدر أكبر من التفصيل. ويتوقع ان يحصر العلماء هذه التبدلات خلال السنوات القليلة المقبلة بالاعتماد على البيانات الآتية من المراصد الأرضية والمدارية التي تمسح الحرارة الكونية مما يتيح للعلماء استبعاد بعض افكارهم السابقة بخصوص ما حدث خلال الانفجار العظيم. والعنصر الاكثر اثارة في هذا الموضوع هو امكانية سبر أعماق الكون إلى الوراء في الزمن وصولاً إلى اللحظات الأولى بعد الانفجار العظيم، وذلك باستخدام الامواج الجاذبة وهي التموجات في نسيج المكان والزمان، المنبسط في أنحاء الكون، بحسب تصورات علماء الفيزياء، ويتوقع ان تترك هذه الأمواج بصماتها على البقع الساخنة المتبقية في الانفجار العظيم. وسوف توضع التنبؤات المتنافسة على المحك بتحليل البيانات المرسلة في مسبار «بلانك رسفيور» في الفترة المقبلة. وعلى المدى البعيد يخطط العلماء لرصد الامواج الجاذبة للانفجار العظيم مباشرة باستخدام مراصد خاصة لهذا الغرض فائقة الحساسية للأمواج الجاذبية ويتم حالياً بناء نماذج أولية لهذه المراصد. وتلك الأمواج الضعيفة الواهنة إلى حد لا يصدق والتي تصلنا من الانفجار العظيم دون أي تغيير جوهري سوف تحمل بيانات حاسمة صادرة عن الحدث بحد ذاته حتى ان بعض الخبراء يذهبون إلى حد القول بأن الامواج الجاذبة ربما تحمل لنا مفاتيح لما حدث قبل الانفجار العظيم. لسنوات طويلة أطلق المنظرون الفيزيائيون العنان لخيالاتهم في سياق بحثهم عن نظرية كل شيء، لكن عصر التخيل الجامح يعيش الآن آخر أيامه التي ستنقضي ببدء تدفق البيانات الملموسة التي سيمضي وقت طويل حتى نعرف أياً من النظريات العديدة المتنافسة تملك حق الادعاء بأنها نظرية كل شيء، وربما نفاجأ بأنها جميعها لا ترقى بشكل من الاشكال إلى هذا المستوى. في هذه الاثناء ينكب علماء الفلك والفيزياء على العمل من أجل فتح نوافذ جديدة تتيح لنا النظر إلى ماضي الكون السحيق وصولاً إلى الانفجار العظيم. علي محمد

Email