د. سعيد حارب محاضراً في اتحاد كتاب وأدباء الامارات: العملية التربوية تحدد مسارات الإنسان وتصنع مستقبل الأمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 26 رجب 1423 هـ الموافق 3 أكتوبر 2002 كما هي العادة في ندوات ومحاضرات الدكتور سعيد حارب نائب مدير جامعة الامارات لشئون خدمة المجتمع واستاذ مادة الشريعة والقانون، لا بد ان نخرج مثقلين بالمعلومات والارقام والاحصائيات التي تشغل البال وتؤرقه، وهي ميزة الباحث والاكاديمي الذي لا يتعامل مع القضايا من جانبها التنظيري وحسب بل من خلال الطابع البحثي والاستقصائي المقنع والمفيد، ولم يحد الدكتور سعيد حارب عن هذه الميزة في المحاضرة التي استضافها اتحاد كتاب وادباء الامارات امس الاول بعنوان «التعليم وافاق المستقبل» وادارها بلال بدور امين سر ندوة الثقافة والعلوم بحضور عدد كبير من المتابعين والمهتمين. استهل الدكتور حارب ورقته بالاشارة الى ان التعليم والتربية بمعناها الشمولي هي التي ترسم صورة المستقبل لأية امة وهي التي تحدد مسارات الانسان في حياته ومستقبله، ولذلك فان التفوق الغربي والتطور الذي يشهده بالمقارنة مع العالم العربي ليس تفوقا انسانيا بقدر ما هو تميز تكنولوجي منعكس من تطور البنى التعليمية والمعرفية، وهذه الميزة لا يمكن استيرادها كما نفعل مع السيارات وغيرها من المستلزمات الاخرى بل لابد ان تنبثق من الداخل بعد وضع الخطوط المستقبلية والعمل على تنفيذها، وهي مسئولية لا يمكن حصرها في فرد بعينه أو جهة بعينها لأنها مسئولية جماعية وقضية من قضايا المجتمع بصورة عامة. ومن هنا فان الامم المتطورة سرعان ما تراجع منظوماتها التربوية اذا ما شعرت بأدنى خلل في بنيتها الاقتصادية، ونجد ان الشعارات الرئيسة في الحملات الانتخابية لكبار الشخصيات السياسية يقوم اساسا على التربية والتعليم. وفي هذا السياق تساءل المحاضر عن المقومات والظروف التربوية التي تقدمها مجتمعاتنا، وهل هي متلائمة مع الافاق المستقبلية ودورة التطور العلمي المتسارعة جدا، وهل مشروعات التربية تتناسب مع المشروعات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، في الوقت الذي لا نزال فيه عاجزين عن استيعاب خريجي الجامعات. وهو من الامور التي نعذرها للمجتمعات ذات الكثافة السكانية الكبيرة، ومثيرة للحيرة في المجتمعات الصغيرة كدولة الامارات وغيرها من البلدان ذات الكثافات السكانية القليلة، لكن وبصورة عامة فان المشكلة لا تكمن في عدد هؤلاء الخريجين بل في تكوينهم وقدرتهم على تلبية حاجات متطلبات المجتمع، فالعملية التربوية ليست مجرد مدرسة او جامعة، بل هي عملية متكاملة تتقاطع فيها العناصر والمقومات بدءا من البيت، وصولا الى اعلى المراحل، لكن هذه التكاملية مفقودة، فمثلا ثمة فجوة بين المؤسسة الاعلامية والتربوية، وكذلك الأمر مع المؤسسة الدينية، لا تطرح منظوماتنا التربوية قضايا كحقوق الانسان، حرية المرأة، وهي بالنهاية غير قادرة على استيعاب الرؤى العالمية والمستقبلية، ثمة اشكالية داخلية كالطائفية والطبقية ورغم ان التعليم في المنطقة العربية ليس وليد اللحظة، لكنه لم يستطيعان يطور من معطياته ومقوماته، وفي هذا السياق كان للامارات محاولات متميزة ومنذ عام 1995 وضعت سياسة تعليمية كانت الافضل بين مثيلاتها في البلاد العربية الاخرى. وفي اطار التحديات المستقبلية تناول حارب جملة من النقاط والتساؤلات التي تطرقت الى موضوع تأخر التعليم المهني ونسبة الأمية الكبيرة والصعوبات التي تطال ادخال النظم المعلوماتية الى العملية التربوية من انترنت وكمبيوتر، ومصادر التعليم الذاتي وهي من الأمور المكلفة جدا والتي لا تستطيع الكثير من الدول العربية تطبيقها، ولعل الأهم من ذلك هو ايجاد بيئة قادرة على التداخل والتعاطي مع التكنولوجيا وتحويل عملية التعليم الى تعلم. الى جانب تطوير مهارات العاملين في المجال التعليمي وتشجيعهم على التنمية الذاتية ومواجهة الأمية التي وصلت في الوطن العربي الى 69 مليون أمي منهم 42 مليون امرأة، والعمل على توسيع التخصصات وعدم حصرها في الشقين التقليدي العلمي والأدبي. ثم قدم المحاضر جملة من المقارنات القائمة على الاحصائيات والارقام في مجالات اعداد المعلمين والتوطين الابتدائي والثانوي وعزوف المعلمين المواطنين بسبب تدني الرواتب ووجود المغريات الاخرى. وفي سياق البحث العلمي، اشار حارب الى ان ما تنفقه أميركا على البحث العلمي سنويا مئة وثلاثة مليارات ومئة وثمانية وعشرين مليون وثمانمئة الف دولار، اي ما يعادل ثلاثمئة وتسعة وسبعون مليار وخمسمئة وثلاثة عشر مليون درهم اماراتي وفي هذا السياق نكتشف الفروقات الكبيرة بين انفاق العالم العربي والعالم الغربي حتى في الدول الصغيرة كهولندا التي تنفق ما يعادل عشرين مليارا وستمئة وخمسين مليون درهم اماراتي. وامام هذه الأرقام وغيرها من المقومات والمعلومات التي قدمها الدكتور سعيد حارب كان لابد ان تثير لدى الجمهور الكثير من الاسئلة التي تناولت جملة من القضايا التربوية بواقعها الراهن وملامحها المستقبلية. كتب حازم سليمان:

Email