الموسيقى تسكن الآلام وتنشط الذاكرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن الموسيقى ليست ترويحاً للنفس فقط ولكنها غذاء ودواء للجسد وهذا ماتؤكده أيضا دراسة مهمة عن تأثير الموسيقى على صحة الإنسان، للدكتور عزالدين الدنشاري استاذ الأدوية والسموم بكلية الصيدلة جامعة القاهرة. د.الدنشاري يقول ان الموسيقى من أهم المؤثرات السمعية التي لاقت اهتماما بالغا وأجريت عليها دراسات وبحوث عديدة من حيث تأثيراتها الفسيولوجية والنفسية والعصبية والصحية واكدت جميعها على أن سماع الموسيقى يحدث تغييرات فسيولوجية في الانسان السليم غير المصاب بالمرض تتمثل في زيادة القدرة على تحمل متاعب العمل وضغط الحياة كما تشمل تنشيط الحواس والدورة الدموية والعضلات بالاضافة الى تحفيز العمليات الفسيولوجية مثل هضم الطعام وامتصاصه في الجهاز الهضمي والتخلص من المواد الضارة بالجسم وكما تحدث الموسيقى تغييرات فسيولوجية في جسم الانسان فإنها تسبب تغييرات ملموسة أيضا في أجسام الحيوانات حيث اتضح ان الأبقار حينما تستمع الى الموسيقى فإنها تدر كميات وفيرة من الألبان التي تتميز بقيمة غذائية عالية. ولا يقتصر أثر الموسيقى على الانسان والحيوان إذ يمتد تأثيرها إلى النبات وهذا ماأكدت الدراسات التي اجريت على حقول البطاطس في أمريكا وبعضها بأجهزة صوتية يصدر منها موسيقى كلاسيكية ومقارنتها بالحقول التي لم تزود بهذه الأجهزة فتبين ان الحقول التي عاشت في جو من الموسيقى أعطت محصولا أكثر جودة من المحاصيل التي نمت بدون موسيقى. تأثير مبكر ويوضح الدنشاري ان تأثير الموسيقى على الإنسان يبدأ منذ تكوينه جنينا في بطن أمه حيث بينت الدراسات أن الجنين يستطيع سماع الأصوات وتمييز النغمات الموسيقية ابتداء من الشهر الثالث والشهر الرابع للحمل فقد اتفق علماء الأجنة على ان الأذن هي أول عضو يتكون في الجنين . اذ تبدأ وظيفة الاذن السمعية بعد 18 أسبوعا فقط من بداية تكوين الجنين الذي يستطيع تميز الأصوات تماما بعد 24 أسبوعا من تكوينه. وهناك دراسات تبين أن الجنين يتأثر تأثيرا ايجابيا بالموسيقى الهادئة اذ انها تؤدي الى تهدئة ملحوظة في ضربات قلب الجنين في حين أن سماعه لموسيقى الروك الصاخبة يسبب زيادة في ضربات قلبه كما أوضحت دراسات أخرى ان الحامل والجنين يتأثران تأثيرا ايجابيا ملموسا بموسيقى موتزارت الهادئة ذات الايقاع الجميل والانغام الرقيقة وذلك فيما يتعلق بصحة الطفل ووزنه ونموه وصحة الأم وسلامتها. ويضيف الدنشاري انه اذا كان الجنين يستطيع سماع الأصوات وتمييز النغمات الموسيقية ابتداء من الشهر الثالث للحمل فإنه يستطيع بعد سنوات من ولادته ادراك وتمييز الاغاني والألحان التي كان يسمعها وهو داخل الرحم وذلك فإن الطفل حينما يبكي فإنه يتوقف عن البكاء بمجرد سماعه أغنية من الأغاني التي سمعها وهو جنين وهذا ماأكدته الدراسات التي أجريت على 59 طفلا حديثي الولادة وبينت ان 94% منهم يكفون عن البكاء ويستغرقون في النوم فور سماعهم للموسيقى التي كانوا يسمعونها وهم أجنة. كما بينت المتابعة الطبية أن الجنين يتأثر تأثرا ايجابيا وسلبيا بأصوات الأب والأم وسائر أفراد الاسرة كما يتأثر بانفعالاتهم وأفكارهم وينزعج وتضطرب وظائف أعضائه اذا شاهدت الأم أفلام العنف والجريمة أو سمعت موسيقى صاخبة أو أصواتا مزعجة. كما تشير نتائج البحوث الحديثة الى أن سماع الجنين للموسيقى يؤدي الى تغيرات هرمونية من شأنها وقاية الجنين من الأمراض العصبية والنفسية كما تساعد على وقايته من عيوب النطق والعجز في التعليم واكتساب المعرفة والمهارات عندما يخرج الى النور. زيادة الذكاء وبالنسبة لتأثير الموسيقى على الأطفال يقول د.الدنشاري ان الابحاث أثبتت ان سماعهم للموسيقى الهادئة يؤدي الى رفع مستوى الذكاء والابداع والتحصيل الذهني وهذا ماأكدته الاختبارات التي اجريت على الاطفال الذين يسمعون الموسيقى الكلاسيكية وخصوصا موسيقى موتزارت وذلك بالمقارنة بالأطفال الذين لا يسمعون الموسيقى كما ان سماع الموسيقى يساعد على علاج الاطفال المبتسرين من حيث زيادة وزن الطفل ونشاطه وتحسين وظائف الجسم مثل التنفس. وفيما يتعلق بالتاثيرات الفسيولوجية للموسيقى الكلاسيكية وخصوصا موسيقى موتزارت تبين ان سماع الموسيقى يساعد على افراز مواد كيمائية بالمخ يطلق عليها اسم «الاندروفينا» وهي مواد تشبه المورفين من حيث فعاليته في تسكين الألم واحداث النشوة والتغلب على الأرق والقلق كما تساعد الاندروفينات في تنشيط جهاز المناعة ومقاومة الجسم للميكروبات كما يؤدي سماع الموسيقى الكلاسيكية الى تقليل افراز الهرمونات التي ينشط افرازها عقب بذل مجهود جسماني بسبب الاجهاد فلقد تبين ان الاجهاد المستمر يؤدي الى زيادة افراز هرمونات مثل الادرينالين والكورتيزون ممايسبب الاصابة بأمراض القلب والشرايين وأمراض أخرى كما يسبب اثارة الاعصاب وتوتر العضلات ولكن عندما نستمع الى الموسيقى يقل افراز هرمونات الاجهاد ممايقلل الخطر الناجم عن زيادة افرازها حيث تعمل الموسيقى على هدوء الاعصاب وارتخاء العضلات بعد بذل مجهود بدني أو ذهني وتشير نتائج دراسة حديثة اجريت في أوبتجن وتكساس بأمريكا الى ان 5% من الأمهات اللائي يستمعن الى الموسيقى اثناء الولادة لا يحتجن إلى مسكنات الألم وأدوية التخدير حيث يترتب على سماع الموسيقى زيادة أفراز مادة اندرفين المسكنة للألم كما أن سماع الموسيقى يقلل من انتباه الأم للألم ويخفف من نوبات القلق التي تنتابها اثناء الولادة كما ان سماع الحوامل للموسيقى الكلاسيكية لمدة أربعة أسابيع في الشهر الثامن يقلل من مضاعفات الحمل والولادة ويؤدي ايضا الى تقليل فترة الولادة كما اجريت دراسة على عدد من المرضى الذين يعانون من آلام شديدة في المفاصل يشكون من صعوبة الحركة والاضطرابات النفسية بسبب المرض وبمتابعة حالاتهم بعد سماع الموسيقى الكلاسيكية لمدة 18 أسبوعا لاحظ الباحثون ان حدة الألم قد انخفضت بصورة هائلة مع تحسن واضح في حالتهم النفسية وقدرتهم على المشي والحركة. تشير نتائج البحوث العلمية الى أن سماع الموسيقى الهادئة اثناء القراءة أو استذكار الدروس يساعد على التركيز لمدة طويلة ممايزيد من القدرة على تذكر الكلمات والقصائد الشعرية حيث تنشط الموسيقى مركز الذاكرة بالمخ وقد بينت دراسات اجريت في جامعة واشنطن على 90 محررا من محرري الكتب والصحف ان الموسيقى لمدة ساعة ونصف الساعة تزيد من دقة هؤلاء المحررين في عملهم بمقدار 20 وذلك بالمقارنة بالمحررين الذين لا يسمعون الموسيقى. الموسيقى والسرطان والايدز يعتبر مرض الايدز والطاعون من الأمراض الفيروسية التي عجز الطب عن السيطرة عليها وعلاجها حيث جربت أدوية ووسائل علاجية عديدة ولكنها لم تحقق النجاح المرجو في مقاومة المرض وعلاج المريض وكان للموسيقى نصيب من التجارب التي اجريت لعلاج الايدز عندما حاول بعض الاطباء في ولاية فلوريدا الأميركية علاج المرضى بالموسيقى الكلاسيكية الى جانب العلاج الدوائي والوسائل العلاجية الاخرى فتبين ان سماع الموسيقى قد أدى الى تحسن ملحوظ في حالات المرض وبخاصة فيما يتعلق بتخفيف الألم ومغالبة الأرق والاكتئاب والقلق وارتفاع ضغط الدم بسبب مساعدة الموسيقى للمخ على افراز الاندروفينات. كما حققت الموسيقى الكلاسيكية نجاحا ملموسا في علاج السرطان كعامل مساعد مع العلاج الكيمائي حيث بينت البحوث التي اجريت في أمريكا ان العلاج بالموسيقى يخفف من حدوث الاعراض الناجمة عن استعمال العلاج الكيمائي للسرطان. تأثير عكسي وفي الختام يؤكد الدنشاري على انه اذا كان سماع الموسيقى الكلاسيكية يحسن من اداء الجهاز التنفسي والقلب والعضلات والاعصاب والمخ وينشط جهاز المناعة ويساعد في علاج العديد من الامراض فإن سماع الاصوات المزعجة يؤدي الى حدوث العكس من تغييرات فسيولوجية من شأنها احداث اضطرابات في القلب والاعصاب والسمع واضعاف جهاز المناعة والاصابة بالعديد من الامراض حيث بينت الدراسات والاحصاءات ان نحو 30% من فاقدي السمع في أميركا يفقدون السمع بسبب تعرضهم للأصوات الصاخبة. كما تدل الدراسات التي اجريت على العديد من المواطنين الذين يسكنون في الجنوب الشرقي من السودان الذي ينعم بالهدوء والبعد عن الضجيج ان اناسا تتراوح اعمارهم بين سبعين وثمانين عاما يتمتعون بحاسة سمع قوية تماثل قوة حاسة السمع لدى الشباب وهذا دليل أكيد على أثر الضوضاء في حاسة السمع وبينت الدراسات التي اجريت على تأثير الضوضاء على صحة الانسان ان هناك أمراضا كثيرة تنشأ بسبب حدوث زيادة في افراز بعض هرمونات الجسم وبخاصة الادرينالين والكورتيزون بسبب الأصوات المزعجة حيث ثبت ان هذه الهرمونات تسبب تصلب الشرايين وارتفاع الكولسترول في الدم وسكر الدم وأمراض القلب وتضعف مقاومة الجسم للأمراض الميكروبية والفيروسية بالاضافة الى الصداع المزمن والدوخة وحرقان المعدة وعسر الهضم

Email