ضغط الدم الزائد .. قاتل صامت

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعاني ملايين الناس من فرط ضغط الدم، غير ان الكثيرين منهم لا يعالجون بالشكل الصحيح، او يجهلون انهم مرضى او ان علاجهم ، غير كاف. وبشكل عام، فرط ضغط الدم هو بلا أعراض.. ويمكن ان يقتل بصمت عندما لا تتم السيطرة عليه اذ يتفاقم بشكل كبير الى حد احداث أذية وعائية دماغية، او احتشاء او قصور كلوي. يعرف فرط ضغط الدم الشرياني بارتفاع في التوتر الشرياني يزيد على 14/9 ويزداد شيوعه مع التقدم في السن: نادر قبل سن 25 سنة، ويشمل 13% من الرجال و8% من النساء نحو سن 45 ـ 50 سنة. وبعد سن 65 سنة، يمكن ان يكون شخص من كل ثلاثة مصابا بهذا المرض. ولكن ما هو الضغط العادي؟ فرط ضغط الدم هو عامل خطر، تماما كارتفاع معدل الكوليسترول. ولمعرفة منذ اي سن يفاقم ارتفاع الضغط الشرياني مخاطر الحوادث الوعائية ـ القلبية لزم مقارنة تطور مجموعات واسعة من السكان على مدى سنوات عديدة. وقد اقرت منظمة الصحة العالمية والجمعية الدولية لفرط ضغط الدم رقمي الضغط 14 سنتيمترا زئبقيا خلال الانقباض (الطور التقلصي لدورة القلب) و9 خلال الانبساط (فترة تمدد واسترخاء عضلة القلب). لا يتم تشخيص فرط ضغط الدم من خلال قياس واحد. ان ازدياد الرقم العابر بتأثير التوتر او الانفعال هو امر شائع وعادي: «تأثير القمصان البيضاء» معروف جيدا: القلق الذي ينتاب الشخص عند وجوده قبالة الطبيب يمكن ان يرفع التوتر الى حد كبير. ومن هنا، يكرر الطبيب قياس الضغط، وغالبا ما يطلب من المريض عندما ينتابه الشك ان يقيس ضغطه بنفسه في البيت عدة مرات. وتتم هذه القياسات وفق قواعد محددة، بجهاز قياس سليم، لكن الاجهزة المطروحة في الاسواق ليست كذلك دائما. ان فرط ضغط الدم هو عامل خطر يجب اخذه بالحسبان بكل جدية. وأول نصيحة للمصابين به هي الالتزام بالقواعد الصحية اليومية. ان ممارسة النشاط الرياضي، والانتباه الى الوزن، وعدم التدخين، وتجنب ملح الطعام الزائد هي اجراءات تؤثر ايجابيا على فرط ضغط الدم بل وعلى الحالة الصحية بشكل عام. وفي حالات فرط الضغط العضال، هنالك ادوية مضادة فعالة معروفة، شرط الالتزام بالقواعد الصحية اليومية وتناول الأدوية بانتظام. يتميز فرط ضغط الدم الشرياني بازدياد الضغط الذي يمارسه الدم على جدران الشرايين، وفي الغالبية العظمى من الحالات، لا يسبب اية اعراض ملموسة، غير انه يمكن ان يصيب بالتدريج اذيات وعائية ـ قلبية لا سبيل الى معالجتها. ومن هنا اهمية الكشف المنهجي الذي يجب ان يجرى بانتظام عند طبيب الاسرة او العمل. على مستوى القلب، تتراكم أضرار فرط ضغط الدم الشرياني شيئا فشيئا. في مرحلة اولى، يفرض فرط ضغط الدم بمستوى الابهر (اكبر شريان في الجسم) على البطين الايسر ازديادا في العمل كي يقذف الدم. وينتهي هذا الازياد في الجهد المزمن باحداث ضخامة في هذا البطين يمكن ان يتطور مع مرور الوقت الى قصور قلبي: يعاني القلب المتمدد شيئاً فشيئاً من صعوبات في مواجهة الحاجات الدينمية الدموية للجسم في جميع الظروف. وهذه الضخامة القلبية غير ملحوظة في مخطط كهربائية القلب في الطور المبكر. تخطيط صدى القلب هو الذي يتيح ملاحظتها. لقد أوضحت الدراسة التي انجزت خلال ثمانية عشر عاما في شرق الولايات المتحدة وطالت شريحة واسعة من سكان مدينة «فرمينغهام» ان الضخامة المنتشرة للبطين الايسر، التي تعكس تأثير فرط ضغط الدم على القلب، كانت مترافقة مع ازدياد في التصلب العصيدي الشرياني. وبعبارة اوضح، عدا التأثير على البطين الايسر، لفرط ضغط الدم تأثير مؤذ على الشرايين التاجية، كما على كل شرايين البدن. وأظهرت دراسة «فريمنغهام» ان ثلثي الاشخاص المصابين بالأمراض القلبية الوعائية الوخيمة، وبالأخص التصلب العصيدي التاجي، كانوا ممن يعانون من فرط ضغط الدم. يمكن ان يكون لفرط ضغط الدم ايضا تأثير مهم على الكلية، مع خطر التعرض للقصور الكلوي على الامد الطويل. الشرايين الكلوية الصغيرة، التي تتعرض هنا ايضا على نحو مزمن لضغوط غير عادية، تتصلب بدورها ويمكن ان تنسد احتمالا حينئذ، يطرأ خلل على ترشيح الاوعية الكلوية مع ظهور تدريجي ولا اعراضي لقصور كلوي في البدانة. ويكون الخطر اكبر ايضا عندما يضاف الى فرط ضغط الدم السكري الذي يفاقم عجز الوظيفة الكلوية: «افضل واسم للخطر هو قياس البيلة الالبومينية (ظهور الألبومين في البول) الصغرى في البول خلال 24 ساعة. عندما تكون هذه البيلة الالبومينية الصغرى ادنى من 30 ميلغراما في الاربع وعشرين ساعة، لا توجد مشكلة، وعندما يتراوح بين 30 و300، يكون هنالك خطر في ان يتطور، وفوق 300 ميليغرام، ستكون هنالك ضرورة للتحال خلال السنوات التالية»، على حد عبارة البروفيسور «ألن كاريه» رئيس قسم الطب الباطني وفرط ضغط الدم في مشفى الامراض القلبية في ليل، فرنسا. لا يصيب خطر القصور الكلوي كل مرضى فرط ضغط الدم بالطريقة نفسها. يتوافق هذا الخطر وجسامة فرط ضغط الدم، خصوصا اذا كان قديما ولم يعالج. اكثر الاعضاء معاناة من فرط ضغط الدم الشرياني هو الدماغ، نظرا لحساسيته الخاصة جدا ازاء الاختلافات البارومترية. هنا ايضا انعكاسات فرط ضغط الدم وهي صامتة على مدى سنوات طويلة. بتأثير فرط ضغط الدم تتشكل صفيحات على شرايين الدماغ. تتصلب هذه الشرايين وتفقد مرونتها. يصبح الشريان صلبا، وقد يتمزق، محدثا نزيفا مع نتائج مأساوية. ويمكن ان ينسد مسببا الاقفار مع نتائج ايضا وخيمة جدا: الوفاة، والشلل النصفي والحبسة. يظهر الحادث الوعائي الدماغي بنسبة عالية عند المصاب بفرط الضغط، مع وجود عوامل خطر اخرى، منها التدخين وفرط كوليسترول الدم.قبل التأكيد بأن الشخص مصاب بفرط ضغط الدم ومن ثم بدء العلاج، على الطبيب ان يتأكد من ان هنالك بالفعل حالة توتر مفرط في الشرايين، ويزيد عن الحدود السوية الحالية 14/9. بين 14/9 و16/9، يقدر اطباء القلب ان هناك فرط ضغط دم حديا وليس ضغطا حديا، مثلما كان يقال منذ بضع سنوات.يبقى ان قياسا واحدا غير كاف لتأكيد المرض، ويوصي باجراء ثلاثة قياسات خلال ثلاث استشارات مختلفة للتأكد من ان فرط التوتر ليس عابرا. إلا ان ذلك لا يستبعد «تأثير القميص الابيض» وحالة القلق بنتيجة التواجد امام الطبيب، التي قد ترفع القيمتين فجأة خلال الفحص. لذلك فإن قياس المريض لضغطه بنفسه، صباحا ومساء، قبل الطعام على مدى بضعة ايام يساهم مساهمة مهمة في تأكيد المرض. «ولهذا الفحص الذاتي فائدة اخرى، فائدة التحقق من فعالية العلاج، على الاقل اذا كان لدينا انطباع بأن فرط الضغط لم يسو بالشكل السليم مع خطر فرط تصحيحه الذي يعرض المريض لانتكاسات ضغط»، على حد عبارة البروفيسور «دانيال توماس» رئيس الاتحاد الفرنسي لأمراض القلب. القياس الذاتي شبيه الى حد ما بالميزان بالنسبة للبدينين. عدا ذلك، يتيح هذا الفحص الذاتي مساهمة المريض في مراقبة علاجه وتحمل مسئولية تنفيذه، اذ لما كان الامر يتعلق بمرض «صامت» لزمن طويل، دون اعراض مزعجة واضحة، فإن الكثيرين يميلون الى نسيان تناول ادويتهم، ان لم نقل اهمالها. بالمقابل، لا ينصح القياس الذاتي بالنسبة لمن ميزتهم شدة القلق والوساوس، الذين يخشى ان يحملوا الامر اكثر مما يستحق والاصابة بالذعر لأدنى تغير في الضغط «وبهذا الصدد، نشير الى الاختلافات الفيزيولوجية خلال النهار: يزياد الضغط بعد الوجبات الدسمة او الثقيلة وينخفض نقطتين الى ثلاث نقاط في اثناء الليل، وقد يرتفع الى 24/10 بعد الجهد المكثف»، يضيف التروفيسور «توماس» ظهرت اولى اجهزة القياس الذاتي منذ ما يقرب من ثلاثين سنة، وكانت آنذاك صعبة الاستخدام بالنسبة للمريض. واليوم اصبحت ابسط بكثير

Email