أسرار حُسن قيادة كولن باول

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الكتب: يعمل مؤلف هذا الكتاب «اورن هاراري» استاذاً لعلوم الادارة في مدرسة مكلارين العليا للاعمال التابعة لجامعة سان فرانسيسكو. وهو احد المستشارين المعروفين في ميدان التعامل مع الرأي العام. له العديد من الكتب ويساهم في تحرير عدد من المجلات والدوريات مثل «هارفارد بزنس رفيو» و«كاليفورنيا مانجمانت ريفيو» وعدة مطبوعات مختصة اخرى. كان مؤلف هذا الكتاب، كما يقول، بصدد تأليف هذا الكتاب عندما وقعت احداث 11 سبتمبر 2001، كان هناك موعد محدد لتسليم المادة منجزة، وكان هو ماضياً بنشاط لاحترام ذلك الموعد.. ولكن ما جرى في ذلك اليوم من سبتمبر اوقفه عن مواصلة الكتابة حيث ظل قابعاً امام شاشة التلفزيون لا يبارحها شأنه في ذلك شأن الملايين من الامريكيين بل والملايين في شتى انحاء العالم والذين كانوا يعيشون مباشرة احد اكبر الاحداث التي شهدتها المعمورة بعد الحرب العالمية الثانية. بعد مرور الايام الاولى ووعي جسامة ما حدث بدا للمؤلف، كما يشير دائماً، بانه لم تعد هناك اية جدوى من استكمال الكتابة.. فالموعد المحدد لم يعد ذا اهمية، بل ان الكتاب نفسه قد فقد اهميته». الا ان احدى زميلات المؤلف كان لها رأي آخر اقنعته به.. فاذا كانت احداث 11 سبتمبر قد غيّرت العديد من المفاهيم والقواعد، فان هناك شخصيات قيادية مثل «كولن باول» يقع على كاهلها مهمة مواصلة التحدي والتصدي للمعطيات الجديدة في العالم.. لقد بدا كولن باول بمثابة احد الشخصيات الاساسية في السياق الجديد الذي انتجته مرحلة ما بعد تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. لقد تغيرت صورة العالم بعد 11 سبتمبر، لكن كولن باول لم يتغير» هذا ما يؤكده المؤلف من خلال قراءته لشخصية وزير الخارجية الامريكي كما بدا خاصة في مختلف احاديثه مع وسائل الاعلام وحيث اظهر درجة عالية من الهدوء ورباطة الجأش عند الرد على اكثر الاسئلة استفزازاً. لقد بقي، كما يصفه المؤلف، ذلك الانسان «الرزين الواثق بنفسه وبقدراته».. هذه الصورة لكولن باول هي غير تلك التي كانت له قبل احداث سبتمبر الاخيرة حيث كان مثار العديد من الانتقادات في دوائر الاعلام.. الا ان اشادة الرئيس الامريكي «جورج بوش» بما قدمه من انجازات سابقا وآنياً جعلته يأخذ مكاناً متميزاً في جهاز الادارة الامريكية المكلف بـ «محاربة الارهاب». ومثل أي كتاب للسيرة يقدم المؤلف في البداية بعض المفاصل الاساسية في حياة كولن باول كأحد ابناء المهاجرين الذين قدموا من جامايكا ليصل بعد مسيرة شاقة وطويلة الى منصب لم يشغله اي امريكي من اصل افريقي قبله. بل لا يتردد المؤلف في القول بانه كان امام «كولن باول» الفرصة كي يكون مرشحاً لنيابة رئيس الولايات المتحدة الامريكية لاثنين من المرشحين احدهما جورج بوش.. كما تعرّض لضغوط عديدة كي يرشح نفسه للمنصب الأعلى في الانتخابات الرئاسية الامريكية لعام 1996. ان سؤالاً كبيراً يطرحه الكثيرون، ويطرحه كولن باول نفسه، عن الاسباب الداعية لاعداد كتاب عن سيرة حياة كولن باول بعد ان كان قد سبق له هو نفسه ان الف كتاباً عن حياته وسيرته الذاتية وبعد ان تمّ نشر ما يزيد على عشرين عملاً كان موضوعاً لها. ان السبب الاساسي الذي يقدمه مؤلف هذا الكتاب كتبرير لعمله هو ان ما يقدمه ليس سرداً للسيرة الذاتية لباول ولكن عن «حسن القيادة» التي يجيدها والتي يمكن ان تكون بمثابة مثال يحتذي به العديد من الشخصيات التي تشغل مناصب في دوائر صنع القرارات. ويؤكد المؤلف بهذا الصدد بان «باول» نفسه لم يشارك في صياغة الكتاب هذا مع تأكيده بالوقت نفسه بانه تربطه به صداقة يغلب عليها الطابع المهني. من هنا يؤكد المؤلف «مسئوليته الكاملة» عمّا جاء في الكتاب. تجدر الاشارة هنا الى ان هذا الكتاب ليس عملاً تمجيدياً بـ «كولن باول»، رغم ما يبديه مؤلفه من اعجاب واحترام حياله. ان العديد من الانتقادات التي تمّ توجيهها من قبل مصادر عديدة لكولن باول تجد مكانها في هذا العمل. وبمعنى ما ان هذا الكتاب لا يهاجم «باول» ولا يدافع عنه ايضاً، وانما يستعرض مؤلفه الامكانيات والمؤهلات التي أتاحت لابن احد المهاجرين الجامايكيين ان يصبح في عداد الشخصيات القليلة التي توافرت فيها الصفات التي تتيح لحاملها ان يكون قائداً ناجحاً. ان المؤلف يحدد ثلاثة عناصر اساسية في اسرار حسن قيادة باول. العنصر الاول يقدم توصيفاً لشخصية باول يبدو وكأنه انسان قابل للاستفزاز. ومع ذلك فانه في حقيقته رجل دمث الاخلاق وشديد التهذيب. وهو لا يسعى بأي حال من الاحوال الى إدخال الرعب في نفوس الناس فهو يؤمن بان الخائفين لا يمكنهم القيام بأي مبادرة او تحمل للمسئولية. وهو الذي كان سابقاً «الجندي الاول» في الولايات المتحدة الامريكية ثم اصبح بمثابة «رجل دولة اولى».. لكن دماثته لا تعني ابداً امكانية ان يثير غضب الكثيرين. ذلك ان القائد ـ كما يقول كولن باول نفسه ـ لا يمكنه ان يرضي جميع الناس. ويرى المؤلف بان حسن القيادة لا يمثل امتحاناً لشعبيته وحب الناس له.. ذلك ان محاولة عدم الاساءة لاي شخص والتصرف بحيث «يحبك الناس» لابد وأن «تؤدي بك الى ان تصبح دون المستوى». ومن مواصفات حسن القيادة التي يقدمها المؤلف عدم الخشية من اغضاب الناس؟ اذ ان من يخشى ذلك لا يمكنه اتخاذ قرارات صعبة تتطلبها الظروف والتحديات المفروضة. كما ان الشخص الذي لا يستطيع ان يغير الوضع الراهن الى وضع أفضل لا يخدم من حوله ويلحق بالوقت نفسه الضرر بمصداقيته. هكذا يبدي «كولن باول» باستمرار وداً كبيراً لاؤلئك الذين يعمل معهم لكنه مستعد ايضاً الى ان يبدي غضبه واحتجاجاته. لكنه بكل الاحوال يؤمن بالعمل الجماعي ـ عمل الفريق ـ لانه يؤمن بان دور القائد لابد وان يؤدي الى صيغة الاجماع عند اتخاذ القرارات الصعبة. كما ان دور القائد يعني الاستمرار في عملية التغيير اذا كان قد اعطى الاتجاه وحدد اسس هذا التغيير. ويؤكد المؤلف ايضا بان «كولن باول» يشدد في اسلوب قيادته على سياسة «الباب المفتوح». فالقائد مطالب بتشجيع الحوار ذلك ان امتناع المرؤوسين عن عرض مشاكلهم على قادتهم انما يعني فشل هؤلاء القادة. من هنا يأتي حرص «باول» على ضرورة مواصلة النقاش وتنوع الآراء. ذلك ان العصر الذي نعيش فيه يحتاج الى آراء الجميع من الكبار والصغار وعلى مختلف الدرجات والمستويات دون مراعاة التسلسل الوظيفي.. ويؤكد «كولن باول» في هذا الاطار على ضرورة استخدام احدث التكنولوجيات لمواكبة العصر. ويضع «كولن باول» على رأس معايير القيادة السليمة بالصدق والنزاهة ومواجهة الحقائق مهما كانت درجة مرارتها.. ذلك ان «حبل الكذب قصير» ولا يمكن للاكاذيب الا ان تنكشف بعد فترة من الزمن. ولهذا كان «باول» يعارض كثيراً رؤساءه ولكن باسلوب يحفظ لهم دائماً مكانتهم وكرامتهم، ولكن ايضاً كرامته هو ايضاً.. يعني الصدق هو المعيار.. العنصر الذي يؤكد عليه في تحليلاته كأحد اسرار حسن قيادة «كولن باول» يتعلق به كاستراتيجي وباسلوب تنفيذه لاستراتيجيته. ان المؤلف يعرض في هذا الاطار العديد من اشكال النقد التي رأى اصحابها في «باول» رجلاً يبالغ في حرصه ومحارباً متردداً. لكن ما يؤكده المؤلف هو ان «باول» لا تعوزه الشجاعة ولم يعرف عنه طوال تاريخه العسكري تهربه من أية معركة. بالوقت نفسه يؤكد الواقع على ان حرصه الشديد يرجع الى رغبته العميقة في التأكد من مختلف المعطيات قبل تنفيذه للمهام الموكلة اليه. وفي مقدمة هذه المعطيات معرفة مدى كفاءة من يوكل لهم القيام بالعملية ومدى التزامهم وايمانهم بالعمل الذي يقومون به، والا «فان الحرب تكون لعبة قاتلة وأنا لا افرّط في ارواح الامريكيين» يقول كولن باول الذي يؤكد حرصه على ان يحصل على ما يريده من معلومات.. بعدها فقط يتحرك بكل «تصميم وجسارة» لاسيما عندما يعرف بانه قد يترتب على قراراته «خسارة ارواح». انه قد يتروّى كثيراً في اتخاذ القرارات، ولكنه، وبمجرد اتخاذ قراره بشأن احدى العمليات فانه يضرب بقوة وبسرعة مستخدما كل ما لديه من وسائل يرى انها كفيلة بتحقيق النصر والنجاح في مهمته. وهذا ما اصبح يجسده اليوم ما هو معروف باسم «مذهب باول»، الذي يقول بـ «استخدام القوة العسكرية الامريكية بشكل مكثف لتحقيق المصالح الوطنية الاستراتيجية التي يتم تحديدها بشكل دقيق». ان أهم المباديء التي يرتكز عليها مبدأ «باول» لتحقيق استراتيجيته يتمثل في تحديد المهمة بوضوح وتأمين القوة المطلوبة. ويحرص باول على ان يتحلّى هذان الحدان، اي الوضوح والقوة، بقدر كبير من البساطة وليس السذاجة ذلك ان البساطة هي ايسر السبل لفهم المهام وتنفيذها بنجاح. كذلك فان اختيار الافراد الذين يقومون بالتنفيذ هو عامل اساسي في نجاح الخطة.. كما ينبغي التعامل مع هؤلاء المنفذين كشركاء مهما كانت مواقعهم في التسلسل الوظيفي. وضمن الاطار نفسه يولي «كولن باول» اهتماماً كبيراً بادق التفاصيل التي من دونها يمكن ان تتعرض أية خطة للفشل. ويرى مؤلف هذا الكتاب في «المرونة» و«القدرة على التخيل» عاملين مهمين في نجاح «فلسفة باول». اذ لابد للقائد من التحرك بسرعة والتجاوب مع ما يستحق من تغيرات مفاجئة: كما انه ليست هناك «حلول جاهزة» لكل المواقف وانما يتعين تقييم كل وضع واتخاذ الخطوات الملائمة للتعامل معه. ومن خصوصيات «فلسفة» باول في اختيار من يعملون تحت قيادته تركيزه على الموهبة والكفاءة وليس على السيرة الذاتية التي يعتبرها بمثابة «سرد للماضي قد لا يفيد في المستقبل» ويتعين ان يتوفر في الشخص المطلوب الذكاء والقدرة على الحكم والتوقع والنزاهة واتزان الشخصية. ويركز ايضاً على اهمية ان تكون مباديء الاشخاص المطلوبين مع مباديء الجهة التي يعملون معها. ويطالب «باول» بأن يحيط القائد نفسه باشخاص اكفّاء يمكن ان يخلفوه وذلك على اساس مبدأ يقول به ومفاده ان القائد الناجح والقوي لا يخشى ان يكون محاطاً بأفراد افضل منه. ان العنصر الثالث الاخير في تحليلات المؤلف لاسرار حسن قيادة «كولن باول» يكمن في شخصيته ونمط سلوكه. ويرى «باول» ان حسن القيادة يتطلب ان يكون المسئول قادراً على التأثير على الاخرين والهامهم وكسب ثقتهم من خلال اظهار كفاءته وسلوكه المستقيم وشجاعته وثقته بنفسه وعدم انانيته وقدرته على التضحية من اجل الاخرين. هذه الخصال كلها مطلوبة لكي يكون القائد قدوة لمرؤوسيه.. وعليه بالتالي ان يفعل ما يقول والا يفقد احترام الاخرين له ويفقد مصداقيته. ويرى «باول» في التفاؤل عاملاً مساعداً في حسن القيادة اذ انه يساعد كثيراً في نجاح المهام وتحقيق اهداف تبدو مستحيلة للوهلة الاولى. وبالتالي يرى ان توافر نوع من جو المرح في العمل يسهم ايضاً في توفير اسباب النجاح ويحسّن سير العمل ويجدد المناخ، لكنه لا يهتم كثيرا بالالتزام الشديد بمواعيد العمل فالمهم هو الانتاج وليس البقاء اطول وقت ممكن بالعمل. وعلى القائد ألا ينسى كما يرى باول، بان العاملين يراقبونه ويعدّون عليه خطواته ولذلك فإن المحنك هو الذي يعرف متى يترك موقعه للذي يخلفه. واحياناً يكون قرار التخلي عن المنصب هو اعظم اعمال القائد الذي يتخذه. كتاب عن «سيرة قيادة» احد أعمدة الادارة الامريكية والذي عاصر اربعة رؤساء امريكيين وعمل معهم

Email