«عشوان» عرض باهت أطفأ وهج التراث الشعبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عرض السهرة الثاني للأيام المسرحية بالشارقة قدمت فرقة مسرح الاتحاد في ابوظبي مسرحية من التراث الشعبي بعنوان: «عشوان» من تأليف سالم الحتاوي واخراج احمد الانصاري بطولة وتمثيل: ابراهيم سالم، علاء النعيمي، آلاء شاكر، حسني سلامه، ريما نصر، عادل الراي ومحمد الخروصي. وهذه المسرحية من نوع الميلودراما في الفن الشعبي الذي يمتطي المشهد فيه كل عناصر العرض الجذابة فالفن الشعبي عموما فن جماهيري يتكيء على الانشاد والصهيل وعلى ايقاع دقات الطبول والموسيقى الصاخبة حتى لو كان العرض تتمحور قصته واحداثه حول الموت والبكائيات فلابد في مثل هذه العروض من ان نصادق الفرح ولو للحظات! أو نخلق حدثا مبهجاً، الفن الشعبي مرتع ومنبر ومعلم من معالم الزخم والازدحام والحركة فالرقص والغناء والاصوات والاضواء والضجيج والجموع والكورال عناصر تتأبط بعضها بعضا كما في مسرح الرحباني وكركلا وهذا لا يعني ان يتخلى الحتاوي كمؤلف عن هجرة الفكرة التي تصور الشر في بوغياب كعنصر طاغ وستشر ولا تجعل الانصاري سامحه الله يغير كيمياء جسدنا طوال اكثر من نصف الوقت بمشهد المقربة وفي العالم كوارث ومآس كثيرة هناك موتى بالآلاف بدون مقبرة ولكننا في مسرح الامارات دائما نستدعي المقبرة حتى بدون موتى أو دفن فماسر هذا الحزن العميق والمعتق!! الفكرة والموضوع والاحداث في حدوتة الحتاوي قد تكون معادة ومكرورة لكنه كان بوسعه ان يحدثها ويجعلها صورة حية وحديثة ومن التراث الشعبي ايضا فلماذا يهرب سالم الحتاوي للتاريخ لينسج احداثه الدرامية؟ وما هي حكاية حفار القبور هذا الذي يستحوذ على الذاكرة الشعبية عند عدد غير قليل من كتاب المسرح؟ انا لا أرى في الامارات الا الابراج المعمارية الضخمة والقصور الفخمة والفيلل الانيقة والبيوت أو المساكن الشعبية الجاهزة والمكيفة والمليئة بالانغام والاحلام وحتى شوارع الامارات نظيفة وتلمع كالزجاج ومباني الفنادق والنوادي والحدائق الغناء ومراكز التسوق تسطع كمنارات لكل الأجناس من هنا وهناك بينما اجد الامارات في المسرح نصف بيت عتيق أرضيته من الرمل والنصف الآخر مقبرة!! قصة «عشوان» هذا ليس فيها اي سر او لغز او معلومة مخابراتية حتى تستدعي زمن الغوص واللؤلؤ الذي لم يظهر قط في العرض كي نحكيها وامثال بوغياب من التجار اللصوص والانتهازيين كثيرون ونكتب عنهم في الصفحات الاولى في صحف الامارات والابنة الشابة الجميلة التي تضحي بجمالها وشبابها وتتزوج هذا الكهل لتنقذ اخاها قصة انسانية متداولة ومعروفة فلماذا يقبع الحتاوي في مدرسة الماضي والتاريخ وكان زمان!! والحاضر اغنى واثرى والحياة في مجتمع ما بعد النفط مليئة بالحوادث الحديثة الحية والطازجة. لقد فوت الانصاري فرصة فرح «بوغياب» هذا العجوز الثري المتصابي من «علياء» ابنة «قماشة» التي كان يحبها ليحول العرض الى ملحمة شعبية ينتزع بها جائزة الاخراج، لو استدعى الطبول والدفوف واستعان برقصات العيالة والخيالة وبالصور الشعبية الغنائية في اهازيج البدو وسكان الصحراء لكنه ابحر في الاتجاه المعاكس ودفننا احياء بالمقبرة وليست هذه سمة الفن الشعبي المتفائل دوما والراقص حتى في اقامة الجنازات وعند دفن الموتى وهذه هي عظمته ولا ننفي قط هذه السمات وصفه بالفن الراقي المتكيء على ثقافة عالية الجودة رصينة فكل ادب نجيب محفوظ والذي تحول للسينما هو اشبه بالادب الشعبي العميق الاثر والجذور وكل مشاهده رقص وطرب وموت وميلاد ايضا والمواليد اكثر الف مرة من الموتى، وحتى الرجال الكبار والعلماء الفلاسفة يضحكون ويقهقهون وليس الشباب المدمن على المخدرات والخمر وحدهم يحبون الفرح والفرفشة! وليست المخدرات مشكلة قديمة قبل النفط واختفت اليوم! اخيرا عرض عشوان اتجاه فني جميل ورائع نحو تجسيد الهوية الاماراتية والانصاري والحتاوي معهما ابراهيم سالم طاقات فنية جيدة جداً وذات مستوى فني فطري واكاديمي معا وهم قادرون على العزف بحرفية ماهرة في هذا الاتجاه الذي ازعم انه الاتجاه الوحيد القادر على ترسيخ وتكريس الشخصية الفنية المحلية بل وقادر على صناعة النجوم في الفن المسرحي واقصد نجوم الشباك تحديداً والذين يذهب اليهم المتفرج ليدفع لهم من جيبه لانه يشعر بأن المتعة الذهنية والعقلية والعاطفية والوجدانية تسكن مسرحهم وليس كل نجوم الشباك في الفن من التجار أو المبتذلين فالفن مشروع خاص جدا لكل فنان لكن العمل والانتاج يتم بشكل جماعي.. فلنذهب الى الفن الشعبي.. الى الاعراس.. الى الفرح الى الكوميديا والى الثقافة غير المتجهمه! فالفن الشعبي الملحمي ابطاله العمال والزراع والصنايعية وهذا ما جعل المسرحي العظيم برتولد بريخت يكتب عن حضارات الانسان منذ آلاف السنين في مصر وغيرها ليقول: من الذي بنى طيبة ذات البوابات السبع؟ من بنى الاهرامات؟ ان كتب التاريخ تذكر اسماء الملوك،، فهل حمل الملوك قطع الاحجار على اكتافهم! لنبحث عن ابطالنا الشعبيين ونخلدهم في فن المسرح والدراما وهذا هو الاتجاه الصحيح!

Email