أيام الشارقة المسرحية ـ عرض مسرحي ناجح.. «الحفار» ينقب عن الهزيمة والاستسلام في صدورنا !

ليلة جديدة من الأيام المسرحية في شارقة الامارات، حيث قدمت فرقة مسرح دبا الفجيرة العرض الطليعي: الحفار من تأليف محمد سعيد الضنحاني وإخراج محمود أبو العباس بطولة عبدالله راشد، عبدالله مسعود، وخليفة التخلوفة الموسيقى والمؤثرات لراشد محمد بن عبود! هذا العرض قد نجح في تجسيد الخوف كحالة إنسانية عامة تدمر الطاقات الابداعية والفكرية في رؤوسنا وعقولنا، انه أشبه بالفأرة التي هدمت سد مأرب كما يقول المخرج لأن العالم حرب قائمة وشدة الفتك بالأرض ذهبت بأي معنى للموت، وكما يقول نص المؤلف من كثرة الموت لم يعد للموت معنى! لأننا جميعاً نقتات الخوف ثم يتساءل الضنحاني: من جاء بكل هذا الخوف للعالم حتى أصبحنا نساق كالنعاج للذبح! ليس لنا سوى المقابر! أنت تخاف مني وأنا أخاف منك! إنها الحالة العربية تحديداً لأن الخارطة العربية مستباحة ومنتهكة طوال الوقت وإلا فليس لهذا النص أي معنى!! بالفعل يتماهى النص والاخراج في هذا العرض وكأنهما ينطلقان معاً في الرؤية الفكرية والفنية منذ الاطلالة الأولى للممثل وحتى النهاية، ولعبت اللغة الفصحى دوراً أساسياً في تأكيد وترسيخ الخوف في نفوسنا وصدورنا لأن مثل هذه الفكرة لا يمكن طرحها إلا بالفصحى الرصينة ذات الايقاع القوي ولا أحد يستطيع ان ينكر اننا في عالمنا العربي نخاف ونخاف من كل شيء بدءًا من الحياة وانتهاء بالموت، لكننا أيضاً يجب ان نعلم ان الانسان ابن الماء والنار وصديق الشمس يعيش بالحب وتتأصل في روحه القدرة على المقاومة والقتال، ان الانسان الواعي والرائع والراقي ينتصر للحياة أو يموت ولا يستسلم لكن النص ذهب بعيداً وعميقاً مع الاخراج من التنقيب والبحث عن مكامن الخوف في صدورنا وعقولنا ونفوسنا إلى الحد الذي جعلنا من الخوف تنخلع قلوبنا ومن شدة الخوف يرحل من مكانه المكان وتهاجر الاشجار من جذورها وتضيق علينا الدروب لا درب يطل سوى درب المقبرة! ولأن الخوف جعلنا بلا ملامح بلا وثيقة بلا هوية، أو كما يقول النص «بدون» وكثير من البدونات تعم المساحة العربية فجعلت الرجولة فينا تغادرنا وصرنا كالنساء! مرة أخرى نجح النص والإخراج في تكثيف وترسيخ الخوف ونقله من حالة معنوية إلى حالة مادية متجسدة ومتحركة تروح وتجيء وتنشر الفزع ولكن فنيا في مواجهة هذا الخوف كانت الهزيمة والاستسلام فالمثقف كمبدع وكاتب وأديب يذهب إلى المقبرة ليدفن مؤلفاته وأفكاره وابداعاته والرجل الذي فقد رجولته يتخفى معظم مشاهد العرض في ثوب امرأة «ذات الوشاح» أو الخمار الأسود ويتصاعد الموقف الدرامي الانهزامي حتى النهاية التي يقفف فيها الأبطال الثلاثة وكل منهم يكمم فمه ويسد عينيه وأذنيه وبصوت جهور قوي يرددون المقولة الشعبية الشهيرة في هذه الأيام «لا أسمع.. لا أرى.. لا أتكلم»! والمخرج جعل الخوف متجسداً في كل عناصر العرض ما عدا الموسيقى ولأن الموسيقى لغة عالمية وخارج إطار الجغرافيا والزمن العربي الرديء فكانت تسطع على سجيتها وكانت حيويتها تمتد فتطال عقولنا ووجداننا، انها لا تخاف أحداً، تنساب ايقاعاتها فتنعش الخائفين والمرتعدين حتى الحفار ذهب على خلفيتها يستحم بالماء البارد لعله ينجح في طرد الخوف من فؤاده ان كان ما زال له فؤاد! وكإخراج تجريدي أو تجريبي كان بالفعل سهل التحريك والتأثير بالأضواء الجانبية وباستخدام خيال الظل ولكن بيت الحفار بجانب المقبرة لماذا لم يكن من القش؟ ولماذا لم يكن كوخاً لقد كان بالالمنيوم والسلك!! قد يكون مصنوعاً بهذه الطريقة ليعبر عن خوف الحفار أو لسهولة تغيير المشهد المسرحي، قراءات عديدة للديكور يمكن ان تعطي دلالات لكن كلها ليست خارج سياق فكرة الخوف! الفن أخيراً هو أداة سحرية للسيطرة على دنيا واقعية لكنها لا تزال مجهولة وفي أعمالنا المسرحية لتنوير الناس يجب ان نقهر الظلام، وكما يقول آرنست فيشر الفن ضرورة للإنسان حتى يفهم العالم ويغيره! وأنا أضيف: ان الفن يجب ان يكون متوهجاً ومتألقاً وساطعاً راسخاً كالجبل عظيماً وشاسعاً كالبحر هو كائن حي خالد كسلاح بشري مشروع لا يمكن ان يدفن في المقبرة، فمن ماذا نخاف؟ متابعة: مرعي الحليان ـ مسعد النجار

الأكثر مشاركة