حمى البحر المتوسط عائلية المنشأ

ت + ت - الحجم الطبيعي

من خلال الممارسة السريرية في السنوات الاخيرة راجعتني بعض حالات من ارتفاع الحرارة الدوري المتكرر الذي يترافق مع آلام شديدة في البطن تشبه الى حد بعيد آلام الزائدة، قد يترافق مع آلام صدرية او في المفاصل وبعد اجراء سلسلة طويلة من الفحوصات اثبتت سلامتها تبين بأن المرض هو حمى البحر الابيض المتوسط والذي يصيب بشكل رئيسي سكان حوض البحر الابيض المتوسط ولذلك سمي بذلك وبشكل خاص العرب، الارمن، الاتراك، واليهود الشرقيين الذين يعود اصلهم الى افريقيا الشمالية. تبدأ الاعراض السريرية لهذا المرض غالبا قبل عمر 10 سنوات في اكثر من 50% من الحالات ويمكن ان تبدأ احيانا بعد عمر الثلاثين ولكن بشكل استثنائي يتظاهر هذا المرض بشكل نوبات حادة من ارتفاع الحرارة مع آلام بطنية ومفصلية وصدرية وقلبية تبدأ النوبة بشكل مفاجيء وتستمر لمدة 48 ـ 72 ساعة تتكرر النوبات بشكل غير متوقع دون وجود صفة دورية حقيقية، يمكن تمييز الاشكال الخفيفة بواقع 1 ـ 11 نوبة في السنة، والاشكال المتوسطة بواقع 1 ـ 3 نوبات في الشهر، والاشكال الشديدة بواقع نوبة الى عدة نوبات في الاسبوع. الاعراض السريرية 1ـ النوبات البطنية: تعتبر نوبات الآلام البطنية العرض المميز الاكثر شيوعا لهذا المرض، تبدأ النوبة بشكل مفاجيء (عند مريض يكون عادة بصحة جيدة) ينتشر الالم الذي يتوضع في البدء في منتصف القفص الصدري (الشرسوف) او في ايمن البطن (المراق الايمن) او في الحفرة الحرقفية اليمنى منتشرا الى كل البطن، ويترافق بترفع حروري وقيء وتوقف مرور الغازات والغائط، يظهر الفحص السريري علامات صلابة في عضلات البطن «وجود دفاع او تقفع موضع او معمم»، تظهر صورة البطن البسيطة بوضعية الوقوف ـ وجود تمدد غازي معوي مع سويات سائلة غازية احيانا (وفي كثير من الاحيان تكون الاعراض السريرية شبيهة بالتهاب الزائدة الدودية). 2ـ النوبات الصدرية: وتتظاهر بشكل آلام فجائية في قاعدتي الصدر مما يؤدي الى صعوبة في التنفس «تثبيط التنفس» وقد تؤدي الى زلة تنفسية شديدة، تتراجع النوبة خلال 24 ـ 48 ساعة بينما يمكن ان يستمر وجود الانصباب الجنبي الخفيف (سائل في غلاف الرئة اللاصق) Pleural effusion لعدة ايام. 3ـ التظاهرات المفصلية: تكون اكثر شيوعا عند الاطفال، تبدأ النوبة الحادة بشكل مفاجيء وتشابه الى حد كبير نوبة النقرس ولكن تبقى العلامات الموضعية اقل وضوحا، تتراجع الحمى والعلامات الموضعية خلال عدة ايام دون عقابيل، تصيب هذه النوبة بشكل رئيسي الركبتين والكتفين والمرفقين. 4ـ العلامات الجلدية: تتظاهر على شكل طفح جلدي احمر حمامي Erysipeloid Erythema ويتوضع على الساقين وظهر القدمين. 5ـ الحمى: تترافق الحمى مع كل النوبات تقريبا وتكون عادة مترافقة مع عرواءات (برديات)، ونادرا ما تشاهد لوحدها، ومما يجب ذكره هنا ان غياب الحمى لا ينفي التشخيص تماما ولكنه يبعدنا عن التشخيص بشكل كبير. 6ـ ضخامة الطحال: يشاهد ضخامة في حجم الطحال خفيفة في 15% من الحالات، ويعتبر وجودها عنصرا سريريا موضعيا ذا قيمة. الفيزيولوجية المرضية: لا تعرف تماما الآليات المسئولة عن احداث نوبات هذا المرض، ولقد تم من خلال البحث العلمي استبعاد الالتهابات كسبب لهذا المرض وكذلك تم استبعاد الامراض التحسسية كسبب آخر لهذا المرض، ولكن يمكن ان يشاهد بعض الاضطرابات في الجهاز المناعي اثناء النوبات الحادة ولكن هذه الاضطرابات غير ثابتة ولا يعرف مغزاها بالضبط، كما لا تعرف بالضبط الآليات المسئولية عن احداث الداء النشواني المرافق لحمى البحر المتوسط العائلية. معايير تشخيص حمى البحر المتوسط العائلية يعتمد الاطباء في تشخيص المرض على استبعاد الاسباب التي تؤدي الى جملة الاعراض الآنفة الذكر وفي حال استبعادها كلها يجب التفكير بهذا المرض وهنالك معايير يجب الالتزام بها من قبل الطبيب لوضع التشخيص وهي: المعايير الالزامية الاساسية: ـ نوبات من الحمى قصيرة الامد وتتكرر بفواصل مختلفة. ـ تظاهرات ألمية بطنية، وصدرية، ومفصلية، تترافق مع ترفع حروري. ـ عدم وجود سبب واضح لهذه الاعراض. المعايير غير الالزامية الاخرى: ـ الداء النشواني ـ وجود قصة عائلية ـ الانتماء الى احد العروق التي تكثر فيه الاصابة بهذا المرض. يعتمد على الصورة المرضية بشكل رئيسي وعلى استبعاد الاسباب الاخرى المؤدية الى هذه التظاهرات المرضية وعلى المعايير المذكورة اعلاه، الفحوصات المخبرية التي يتم اجراؤها خلال النوبة تدل على ارتفاع التثفل والالفا 2 غلوبيولين والفيرنيوجين وكذلك يرتفع عدد الكريات البيضاء وتعود الى المعدل الطبيعي من خلال 24 ـ 48 ساعة بعد انتهاء النوبة، مابين النوبات يشاهد ارتفاع في عناصر المتممة وفي الاجزاء C2 و C4 وفي السيبرينوجين في 45% من الحالات. وقد يؤدي مرض حمى البحر الابيض المتوسط الى تطور مرض الداء النشواني، ويؤدي حدوث الداء النشواني وهو مرض يتميز بحدوث تغيرات نسيجية تحدث في العديد من الاعضاء وهي عبارة عن ترسب النشاء في تلك الاعضاء الى تحول هذا المرض المتكرر والسليم نسبيا الى مرض مميت، واشارت دراسة صدرت حديثا 1986 وشملت 175 مريضا معظمهم من العرب المقيمين في الكويت الى ندرة حدوث الداء النشواني عند العرب. يظهر الداء النشواني في معظم الحالات عند مريض مصاب سابقا بهذا المرض وفي هذه الحالة لا يشاهد اية علاقة بين شدة الاصابة وتواتر النوبات من جهة وبين نسبة حدوث الداء النشواني من جهة اخرى. في بعض الحالات النادرة يمثل الداء النشواني التظاهرة الاولى لهذا المرض ويتم التشخيص في هذه الحالة بالاعتماد على وجود حالات عائلية او على حدوث نوبات ألمية وصفية في وقت لاحق. وتحدث التغيرات النشوانية في الجهاز الكلوي ولايختلف الاعتلال النشواني الكلوي الناجم عن حمى البحر المتوسط العائلية عن الاعتلال النشواني الكلوي الناجم عن اسباب اخرى، يشاهد في البدء ولمدة غير معروفة تماما توضعات نشوانية في جدران الشرينات دون تظاهرات سريرية، ثم تظهر بعد ذلك البيلة البروتينية احتواء البول على كميات كبيرة من البروتين والتي تكون متقطعة ثم تصبح دائمة وشديدة. ينبغي البحث عن البيلة البروتينية عند كل مريض مصاب بهذا المرض بشكل روتيني ومستمر، ويليها بعد حوالي 3 سنوات تقريبا حدوث قصور كلوي. المعالجة 1ـ معالجة النوبات الحادة: تم تجريب ادوية كثيرة لمعالجة النوبات الحدة ولكن دون فعالية تذكر، يتم في معظم الحالات اعطاء مسكنات الالم بالمشاركة مع مضادات التشنج. الكولشيسين: يعتبر الكولشيسين الذي يعطى عن طريق الفم دواء فعالا للوقاية من حدوث نوبات هذا المرض. يتوجب اعطاء الكولشيسين يوميا بمقدار 1 ـ 2 ملج. ينصح عند الاطفال باعطاء نفس المقدار المعطى للكهول (1 ملج/ باليوم) وذلك بغض النظر عن وزن الجسم. 2ـ تظهر نتائج الدراسات المنشورة في الادب الطبي ان اعطاء الكولشيسين يوميا يؤدي الى غياب النوبات بشكل كامل في 75% من الحالات. لاتعرف بالضبط آلية تأثير الكوليشيسين ولكن يعتقد انه يوقف الارتكاس الالتهابي في مرحلة مبكرة عن طريق تثبيطه لوظائف عديدة من الكريات البيض العدلة كوظيفة اللصوق وازالة التحبب والبلعمة. الاعراض الجانبية للعلاج بالكولشيسين: يكون تحمل الجسم للكولشيسين، عند تناوله لفترات طويلة جيدا عادة، ولكن قد تظهر بعض التأثيرات الجانبية الهضمية (غثيان، قيء، آلام بطنية، اسهال) تتراجع بالمعالجة مع الوقت. يجدر الاشارة عند المرضى المصابين بحمى البحر المتوسط العائلية والذين لديهم خطر عال للاصابة بالداء النشواني (كالاتراك واليهود الشرقيين) يستطب اعطاء الكولشيسين بشكل روتيني ومستمر بمقدار 1 ملغ في اليوم كحد ادنى ولكل الاعمار وذلك مهما كانت شدة التظاهرات السريرية النوبية. عند المرضى الذين لديهم خطر منخفض للاصابة بالداء كاليهود الغربيين، وربما العرب ينبغي ان لا يكون اعطاء الكولشيسين لديهم روتينيا اذا كانت نوباتهم قليلة التواتر وخفيفة الشدة. اخيرا فان حدوث مزيج من الاعراض السريرية وهي الآلام البطنية الحادة التي قد تكون شديدة لدرجة يجب تميزها عن التهاب الزائدة الدودية اضافة الى شكوى المريض من آلام في الصدر والمفاصل مترافقة مع ارتفاع شديد في درجة الحرارة. كل هذه الاعراض تحصل على شكل نوبات متكررة فهنا يجب على الطبيب التفكير بهذا المرض بعد استبعاد الاسباب الاخرى التي تؤدي الى تلك الاعراض الآنفة الذكر. د. صفوان موصللي اخصائي امراض الاطفال والرضع

Email