أعلام وأعمال في الفكر والثقافة والأدب

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الكتب: في مقدمة كتابه الجديد «أعلام واعمال في الفكر والثقافة والأدب» يقول الباحث الجزائري الدكتور عمر بن قينة: «هؤلاء كوكبة من أعلام الفكر والثقافة والادب في الوطن العربي عبر ثلاثة عشر قرناً من مختلف المراحل الناهضة، والمتوثبة رغم الانكسارات، في وطننا العربي تجمعهم الارادة الصادقة توقاً والاخلاص في العمل حباً والطموح القومي ايماناً بوحدة امتنا العربية: أمة واحدة لغة وعقيدة متكاتفة ذات مصير واحدة مطالبة بالتعاضد للانتصار على اعدائها وقهر تخلفها، وقد كانت فصول هذا الكتاب في الاصل مقالات عرفتها دوريات عربية مختلفة من مجلات وجرائد مثل «الفيصل» و«المنهل» السعوديتين و«المنتدى» الإماراتية و«الراية» القطرية خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين». ففي تناوله للشاعر الناقد ابن رشيق يعرج على الأحداث السياسية والحيوية الفكرية التي عاش فيها هذا الشاعر بين ايام الهناء والاضطراب فقد ولد في مدينة المسيلة حيث درس وقد علمه ابوه حرفة الصياغة التي كان يمتهنها وشرع يكتب الشعر في السادسة عشرة من عمره حيث تطلع إلى تكوين نفسه ثقافياً وتنمية معارفه العلمية فانتقل سنة 406 ه/ 1016م من صنهاجة الغربية تحت حكم حماد إلى صنهاجة الشرقية تحت سلطة المعز بن باديس الذي منح حماداً استقلاله بصنهاجة الغربية وقد عثر على قبر ابن رشيق في صقلية حيث توفي سنة 456 ه/ 1063م تاركاً عدة آثار في اللغة والأدب والنقد والتراجم اهمها اربعة اعمال مجموعة: قراضة الذهب وهو كتيب صغير الحجم عني فيه بالسرقات الأدبية، انموذج الزمان في شعراء القيروان، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ديوان ابن رشيق. وقد كان «قراضة الذهب» مجاراة سريعة لما بات متداولاً في نقد الشعراء، اما كتاب «الانموذج» فهو استمرار لتقليد علمي فكري سليم في حضارتنا العربية الإسلامية ضمنه تعاريف برجال شعر ممن عرفوا في القيروان على أيامه بينهم النازحون اليها من مدينة المسيلة ذاتها مع نماذج مختارة لهم، اما كتاب «العمدة» فهو عمل رزين غني بالافكار والآراء والنظريات والنماذج النقدية الأدبية وعليه قامت شهرة ابن رشيق فوصفه ابن خلدون نفسه في مجال النقد بالانفراد بهذه الصناعة التي اعطاها حقها ولم يكتب فيها أحد قبله. اما العباس احمد المقري فيعتبر من اعلام الفكر العربي في الجزائر اثناء عهدها العثماني فقد ولد في الجزائر وهام بالمغرب الاقصى كما كبر وجده بالحجاز واحب دمشق واهلها والقاهرة ورجال علمها حيث لقي ربه وفي نفسه حنين إلى وطنه الأول الجزائر وشوق الرحلة إلى دمشق التي حالت دونها المنية، بعدما ارتوى صدره من اريج الارض الطاهرة في البقاع المقدسة. وخلال رحلة الحياة الذاتية والروحية والعلمية وجد المقري في المغرب الاقصى أولاً وفي المشرق العربي ثانياً المناخ العلمي الصحي الذي فتح مواهبه الأدبية وامكاناته العقلية فأثر في الحياة الدينية خصوصاً في فاس ودمشق وانجز ما يقرب من ثلاثين كتاباً من بينها كتابان دلالتهما مهمة تعبيراً عن ميوله وصلاته الفكرية اولهما «روضة الآس العاطرة الانفاس» وثانيهما «نفح الطيب» كما قدم للمكتبة العربية مرجعاً مهماً وتحفة اسلوبية ذات تميز عربي فكان المجلد الأول عن الاندلس تاريخاً ومدناً وانتاجاً وطوائف وفتحاً واعلاماً في السياسة والفكر والدين والشعر والأدب وكان المجلد الثاني عن بعض من رحل من الاندلسيين إلى بلاد المشرق بينما ضم المجلد الثالث بعض الوافدين على الاندلس من أهل المشرق ليتلاحق ذلك في معظم صفحات المجلد الرابع متبوعة بحديث عن «تغلب العدو على الاندلس واستغاثة اهلها معاصريهم لانقاذها». ويرى الدكتور عمر بن قينة في كتابه الجديد ان المناخ النهضوي في القرن التاسع عشر والوطن العربي يواجه الغزو الأوروبي الصليبي متطلعاً إلى الخلاص متعدد الوجوه جعل الافكار لدى رجال الرأي والمؤلفين العرب في هذه الفترة مرتبطة بتحولات العصر وما طبع المرحلة من هجمة استعمارية شرسة على العالم الإسلامي وفي مقدمته الوطن العربي فانطلقت كتابات رائدة لرجال فكر مستنيرين تعالج اسباب القوة والغلبة لدى الآخر وأسباب الضعف والهوان في الامة الإسلامية ومنها الوطن العربي فتنوعت القضايا واختلفت باختلاف مشارب المؤلفين وامكاناتهم في الدعوة الملحة للأخذ عن الغرب في الفنون والعلوم والاقتصاد والقانون والسياسة حيث يأتي في مقدمة المفكرين العرب الذين انفعلوا بأحداث عصرهم وبادروا للمقاومة باللسان وبالقلم داعين للاستفادة من امكانياته الغرب المفكر الجزائري «محمد بن العنابي» الذي عاصر الثورة الفرنسية وما نتج عنها من أحداث مختلفة محلية وخارجية وقد تعاطى هذا المفكر الجزائري من الرعيل النهضوي السياسة كدبلوماسي حين كلفه داي «الجزائر احمد باشا بالكتابة لباي «تونس» كما كلفه الداي عمر باشا بسفارة المغرب في اطار الاستعانة بالاشقاء في المغرب العربي وفي الاستانة بعد المواجهة بين الاسطول البحري الجزائري والاسطول الانجليزي سنة 1816م حين كانت خسائر الأسطول الجزائري كبيرة. وهو إلى جانب ذلك مارس وظيفته باقتدار في «القضاء الحنفي» وفي الإمامة والرأي فترك الجزائر إلى البلاد العربية كمصر والسعودية حيث قضى تسع سنوات خارج الجزائر حاجاً وأستاذاً واماماً فأنجز سنة 1242 ه/ 1826م كتابه «السعي المحمود في نظام الجنود» وبعد احتلال الجزائر تعرضت اسرته للاضطهاد حيث أمر الجنرال الفرنسي «كلوزيل» بسجنه ثم نفاه خارج الجزائر سنة 1831م فاستقر في مصر وهناك قربه محمد علي باشا. ان انجاز «ابن العنابي» بكتابه «السعي المحمود» يعد بحق لبنة متطورة جداً في دعائم النهضة الفكرية والأدبية في الوطن العربي وهو في ذلك علم من اعلام الفكر والاصلاح في الوطن العربي وهو متقدم في اكثر من جانب فكري واسلوبي عن معاصرة رفاعة الطهطاوي فضلاً عن تقدمه في تاريخ التأليف بنحو خمس سنوات وان لم يتح له من الشهرة ما اتيح للطهطاوي وبمناسبة ذكرى وفاة الامير عبدالقادر الجزائري يفرد الدكتور عمر بن قينة بحثاً خاصاً يتناول فيه رحلة الامير الجزائري صوتاً وطنياً عروبياً اسلامياً مخلصاً ومؤثراً مؤمناً صادقة بانتسابه إلى مجال حضاري يختلف عن المجال الغربي الأوروبي فهو القائل في احدى فعالياته «لنا قومية عروته متينة، وملة قيمتها ثمينة وان اصيب اعضاؤها بحذر انتجته الحوادث فما لنا رغبة في الاندماج بفرنسا ولا بغيرها من الاجناس ومالنا برغبة في نيل حقوق تجر علينا الويل والدمار». كذلك بالنسبة للشيخ عبدالحميد بن باديس 1889 ـ 1940م الذي كان أول رئيس لأول جمعية إسلامية وطنية عربية حرة أسست لحماية الهوية القومية للجزائر عروبة وإسلاماً وهي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أسست في عام 1931م في ظروف وطنية واستعمارية مؤثرة جداً. ولا ينسى مؤلف الكتاب الجديد الحديث عن العلامة الداعية المجاهد الشيخ الفضيل الورتلاني الذي كان ذا اثر فكري اصلاحي بالغ في العالم الإسلامي فقد خاض النضال السياسي على الجبهة الجزائرية مع الاحتلال الفرنسي كما خاض النضال الفكري والاصلاحي عربياً خصوصاً وإسلامياً عموماً جاعلاً من قضية العرب والمسلمين شاغله حتى عن اوجاعه وامراضه المتألبة التي لم تمهله حتى أجهزت عليه في عام 1959م. كذلك «الفسيري» الذي يعتبر من اقطاب الحركة العلمية والتعليمية والاصلاحية والأدبية في الجزائر قبل الثورة المسلحة وعند اندلاعها انخرط فيها عاملاً في صفوف جبهة التحرير الوطني فصار ممثلها في دمشق سنة 1957 وقد استمر بعد الاستقلال في السلك الدبلوماسي فكان سفيراً للجزائر في عدة اقطار عربية بحس حضاري عربي إسلامي كما كان من الدبلوماسيين الجزائريين الشرفاء الذين بقوا بعيداً عن شتى الانحرافات حتى لقي ربه بصمت سنة 1974 تاركاً آثاراً مختلفة في اللغة والتاريخ والدين والأدب. أما المفكر الجزائري الشاعر الصحافي أبو يقظان فله مكانة معتبرة بين كوكبة اعلام الفكر القومي العربي ـ الإسلامي لنضاله بالكلمة الشجاعة على الجبهة الإعلامية مقارعاً قوى البغي الاستعماري الفرنسي بمقالاته وشعره في صحفه العربية المتلاحقة في صدورها وانتشارها فلا تكاد تسقط صحيفة من صحفه حتى يصدر الاخرى وقد ترك مؤلفات مختلفة في الفقه والتاريخ والأدب من أهمها ديوان شعري من جزءين. وللشيخ محمد البشير الابراهيمي انجازات معتبرة في الحركة الاصلاحية منذ العشرينيات فقد كان خطيباً وواعظاً وكاتباً في جريدة الشهاب أولاً ومجلة البصائر خصوصاً افتتاحياته التي جمعها في كتاب «عيون البصائر» الذي صدر أول مرة في القاهرة سنة 1963 باشرافه في دار المعارف بالقاهرة، فحوى هذا الكتاب مقالاته التي كانت افتتاحيات في السلسلة الثانية من البصائر بين سنوات 1947 ـ 1953 واعيد طبعه مرتين اثنتين في الجزائر بعد وفاته.. اما الجزء الأول فقد كان بداية الجهد الذي شرع يبذله بعض تلامذته واصدقائه بعد وفاته بمساعدة ابنه من اجل جمع آثاره الفكرية والأدبية ونشرها. بالاضافة إلى ذلك يتناول الدكتور عمر بن قينة في كتابه الجديد «أعلام واعمال في الفكر والثقافة والأدب» الشاعر العربي محمد العيد آل خليفة الذي يعتبر شعره أول شعر حي رافق النهضة العامة في الجزائر وحدا قوافلها المغذة فأطرب كما ان شعره أول من جرى في عنانها وسجل مراحل هذه النهضة. كما ان المرأة لديه كرمز بقيت اقرب إلى الماديات ولم تكد تسمو وتدق الا في جزئيات وهذا راجع إلى رؤية الشاعر غير المفصولة عن واقعه وتكوينه ونهجه الاصلاحي مع ميل إلى ضرب من الترفيه عن النفس جعله ينحو نحو رمز اكتسى طابع الألغاز تجاوزاً لرتابة قاتلة في الحياة اليومية حيث بقي الرمز في شكل محدد بمستويات لم تستدرج اسطورة من التراث أو خارجه ولا نحواً فلسفياً أو ايديولوجياً بأبعاد فكرية مكثفة وانما بقيت اكثر ارتباطاً بالجانب الاجتماعي وخلفيته الدينية من رؤية اصلاحية بالخصوص. ويفرد المؤلف بحثاً خاصاً للحديث عن شاهد القرن ـ كما وصفه ـ مالك بن نبي 1905 ـ 1973 الذي انغمس في الدراسة وشرع يؤلف في قضايا العالم الإسلامي كله فكان كتابه «الظاهرة القرآنية» ثم «شروط النهضة» ومن بعدهما كتاب «وجهة العالم الإسلامي». وفي نهاية الكتاب الجديد يفرد الدكتور بن قينة فصولاً خاصة للحديث عن مالك حداد المبدع الذي عاش في صمت ومات فيه وأحمد توفيق المدني المفكر والكاتب المنسي بالاضافة إلى بحث خاص عن محمد الصالح رمضان ورحلته «سوانح وارتسامات». أحمد أبوالحسن

Email