بيان (2) ـ بريطانيا تعتبرها تهديداً لأمنها القومي, الكويكبات السيارة.. خطر يأتي فجأة من قلب المجهول

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الحيز الفضائي الممتد على مسافة 550 مليون كيلومتر بين مداري المريخ والمشتري, يقع حزام الكويكبات السيارة الذي يدور فيه عدد لا يحصى من الاجرام السماوية الصغيرة حول الشمس. وهذه الصخور العشوائية تعد من مخلفات تشكل المجموعة الشمسية قبل 5.4 مليارات سنة. وبفضل التأثير الجاذبي لكل من المشتري والمريخ تبقى معظم الكويكبات داخل هذا الحزام, لكن في احيان كثيرة جدا تستعر القوى الجاذبية, وتلقى الكويكبات الشاردة خارج حيز الحزام, فتمضي منجرفة باتجاه الشمس وعابرة في طريقها مسارات الكواكب الدانية. وهذا يحتم توقع حدوث تصادم عنيف يوما ما. وحسب الحسابات التي اجراها وليام بوتك, منا جامعة كورنيل بالولايات المتحدة, فإن ما لا يقل عن 900 كويكب, يبلغ قطر الواحد منها مترا او اكثر, تندفع بقوة وبشكل منتظم عبر مسار الكرة الارضية, ولا شك في ان هناك العديد من الكويكبات التي لم يتم رصدها بعد. واذا ضربت صخرة بحجم حافلة مدينة لندن, فانها ستدمر المدينة عن بكرة ابيها. اما اذا كان قطر الصخرة الفضائية اكثر من 2 كيلومتر, فإن اصطدامها بالارض كفيل بابادة الحضارة البشرية برمتها. وفي شهر سبتمبر الماضي ابلغت هيئة تقويم مخاطر الاجرام السماوية القريبة من الارض والتي شكلت بقرار من وزير العلوم البريطاني لورد سينسبري ابلغت الحكومة البريطانية بأنه يجب اعتبار الكويكبات السيارة تهديدا لأمن بريطانيا. ويقول سينسبري: (نحن ننفق اموالا طائلة على ابحاث علم الفلك. وكان من المنطقي تخصيص جانب يسير من هذه الاموال لتقويم احتمالات اصطدام جرم سماوي بكوكبنا الهش). وتأيدت النتيجة التي خلصت اليها الحملة الخاصة بتقويم اخطار الكويكبات بالانظمة الحكومية التي تقضي بأنه في اي وقت تتهدد فيه حياة اكثر من 10 آلاف مواطن بريطاني, يجب حسب الارشادات الرسمية الاعلان عن حالة طوارئ في البلاد ووضع القوات المسلحة في حالة تأهب وتوفير المؤن, الى ما هنالك من اجراءات احترازية. ومن الواضح ان الحكومة تأخذ على محمل الجدية الاخطار المحتملة في الحرب النووية او انفجار معامل الطاقة, وتأخذ ايضا في حسبانها مخاطر العواصف الهوجاء العنيفة والزلازل والاوبئة والحوادث الكيماوية وغيرها من الاهوال المحتملة. واذا تجاوزت احتمالات وقوع كارثة ما نسبة 1 الى 100 الف في اي سنة معينة فيجب دراسة خطط الطوارئ حتى ولو لم يكن هناك تهديد مباشر. وقد برهن فريق لورد سينسبري على ان احتمالات اصطدام كويكب سيارة بالكرة الارضية تقع ضمن هذه الحدود اي اكثر من 1 بالمئة الف. ربما كان معدل اصطدام كويكب صغير بالارض مرة كل 100 الف عام, والارض كوكب كامل ينجو بسهولة مثل هذه الكوارث, ومن غير المحتمل ان تتعرض بريطانيا الى ضربة مباشرة, لانها هدف صغير جدا على الخارطة. لكن ذلك لا يقلل من شأن الخطر الذي يتهدد بريطانيا بحد ذاتها او اي بلد اخر في العالم. فسقوط كويكب صغير قطره 200 متر بسرعة 30 كم بالثانية في مياه الاطلسي يمكن ان يغرق جميع المدن البريطانية الساحلية تحت موجة عملاقة تودي بحياة 10 آلاف مواطن بريطاني كحد ادني وان كان رقم الخسائر البشرية في مثل هذا السيناريو قد يصل الى 5 ملايين. وفي حين ان حساب نسبة الخطر على اساس يومي يلغي وجود سبب للذعر فإن حدوث اي تصادم من هذا النوع في المستقبل سيتسبب بأضرار خطيرة جدا لدرجة تجعل محاولات تفادي مثل هذه الكارثة امرا يستحق التفكير فيه الان. كما ان اخر المشاهدات الفضائية تغذي هذا الاحساس بالخطر. فمسبار (نير) الفضائي الذي حقق نجاحا مفاجئا قبل ايام عندما هبط على كويكب (ايروس) اظهر ان كثافة هذا الجرم السماوي الذي يبلغ طوله 33 كم وعرضه 13 كم تساوي 2700 كيلوجرام لكل متر كعب, اي انه لا يقل صلابة عن قشرة الكرة الارضية. واذا اضفنا هذه المعلومة الى عدد الجلاميد الصخرية الناتئة من سطح ايروس والتي يقدر عددها بمليون جلمود ندرك ان اي كويكب على شاكلته اشبه بصاروخ متعدد الرؤوس الحربية, نتصور حجم التهديد الذي تشكله هذه الصخور السماوية على كوكب الارض والبشرية جمعاء. ويرى بعض العلماء ان افضل طريقة للتعامل مع الكويكبات الدانية من الارض قد تكون ارسال مسبارات فضائية روبوتية لدفع الصخرة برفق وابعادها عن مسار الارض. ويقول البروفيسور ديفيد وليامز, الذي شارك في حملة تقويم مخاطر الاجرام السماوية القريبة من الارض: (من الخطط المقترحة لآلية عمل مثل هذا المسبار تزويده بتجهيزات تمكنه من تحويل طاقة ضوء الشمس الى طاقة كهربائية تغذي قاذف ايونات يسلط قوة ضئيلة على سطح الكويكب. وعلى المدى البعيد تستطيع هذه القوة ازاحة الجرم عن مداره الحالي). لكن لكي تصبح مثل هذه الافكار قابلة للتطبيق يجب اولا تحسين ظروف رصد الكويكبات للتمكن من تصنيفها حسب خطر كل واحد منها على الارض والتنبؤ بأي اصطدام محتمل قبل عشر سنوات حتى يتسنى ارسال المسبار الى الصخرة الفضائية قبل دنوها من الارض, والا لن يكون بالامكان ازاحتها عن مسار كوكبنا, لكن المشكلة لا تنتهي عند هذا الحد لأن احتمال تعرض المحرك الايوني للمسبار لأية ظروف طارئة خلال اداء مهمته غير المسبوقة قد يعني حدوث كارثة. ويقول اندرو شنج, وهو احد العلماء المشرفين على مشروع مركبة نير: (ان ايروس لا يلخص القصة بأكملها. فمع كل كويكب جديد نصادفه نتفاجأ بأشياء جديدة. وفيما يتعلق بمخاطر اصطدام احدى تلك الصخور بالارض, لايزال امامنا اشواط كبيرة قبل ان نصل الى المعلومات التي نحتاجها). علي محمد

Email