الملاهي وراء محنة الباليه في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الملاهي الليلية والتلفزيون والفرق الخاصة. خطر يحيط بفن الباليه المصري من كل صوب بعد الهجرة الجماعية لمعظم الفنانين والفنانات اما سعيا وراء الثراء السريع والأجور العالية أو للركض وراء الشهرة ومغازلة السينما. كان في مقدمة هؤلاء الفنانين سحر رامي وشقيقها، وآخرهم نادين ونيللي وحنان ترك, فأجر الباليرينا المصرية بالأوبرا يتراوح بين 700 جنيه إلى 1600 جنيه للباليرينا الأولى بينما مرتب أصغر راقصة يفوق الـ 15 ألف جنيه شهريا في الملاهي الليلية, وعمل أي مسلسل تلفزيوني أو القيام ببطولة الفوازير مثلما حدث مع كل من الفنانتين نادين ونيللي فشهرتهما تجاوزت الحدود وأصبحت حديث الشارع والنادي والقرية والحارة اضافة إلى سبب آخر هو انصراف الراغبين عن الانخراط في فن الباليه بعد ان أصبح الباليه فنا لا يقتصر على الطبقات الارستقراطية بل تحول إلى فن للطبقات الشعبية. وقبل هذا وذاك النظرة الخاطئة للمجتمع فالبعض يتخيل أن حركاتهن يشوبها الحس الغريزي لتتضاءل أعداد الراقصات لدرجة ان فرقة باليه القاهرة التي تأتي كواحدة من أشهر الفرق وأعرقها أصبحت تتكون من 35 راقصة فقط منهن 15 راقصة من روسيا وايطاليا وفرنسا. كل هذه العوامل وراء أزمة الباليه المصري وكأن الحكاية ناقصة أزمات. تقول الدكتورة ماجدة عز عميدة المعهد المصري للباليه السابقة: (محنة المعهد محنة كبيرة لم يسبق ان شاهدناها من قبل مما يهدد واحدا من أرقى الفنون وأعرقها والذي قدم للعالم العديد من الباليرينات والتي أشادت بها العديد من دول العالم, وهي محنة أو أزمة عن قصور فكري رهيب من قبل القائمين على المعهد, فهل يعقل ان أحد المسئولين الكبار بالمعهد حاليا ينصرف عن رسالته كرائد لفن الارستقراط وأولاد الذوات ويقوم بتكوين فرق لزف العرائس في الفنادق والنوادي, وناقص يشتغل في الموالد ويعطي الطالبة أجرا عن الزفة الواحدة ما بين 100 إلى 200 جنيه, ومن يرفض مطلبه من الطلاب أو الطالبات عليه ان يتحمل كل عوامل التحدي بما فيها تعمد الرسوب في الاختبارات خاصة العملية منها فضلا عن امتلاكه لمدرستين لتعليم الباليه إحداهما بالمعادي والأخرى بأحد نوادي حي مدينة نصر) . وتتساءل الدكتورة ماجدة عز: (هل بعد ذلك نريد باليرينات وهناك العديد من الأسباب منها ما هو موضوعي لعدم تخرج باليرينات على مستوى عال لأن دراسة الباليه صعبة فضلا عن كونها موهبة وتكوين تشريحي ومرونة ورشاقة. عوامل كثيرة منها ما هو مكتسب ومنها ما هو وراثي. (القضية الثانية, انه حتى إذا وجدنا باليرينا جيدة وبعد صقلها لا نجد من يتبناها بسبب انه الآن أصبحت تفضل الراقصات الأجنبيات دون المصريات في سابقة لم يعرف لها سبب إذ يجب عودة القسم الحر وعندما كنت عميدة لهذا المعهد كان هناك قسم خاص لتعليم الباليه وطلابه كانوا من المتميزين ولكنهم أغلقوا الباب على منبع رئيسي لاكتشاف المواهب وصقلها. وأيضا قدمت لمصر العديد من الباليرينات المتميزات ولم يقتصر نشاطنا حينذاك على الاشتراك في المناسبات العامة, فقدمنا عروضا للباليه في قصر عابدين وفي الخارج فضلا عن انشائي لقسم للدراسات العليا واشرافي على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه لطلاب المعهد, والآن دوري مقصور على فرقة استعراضية أنشأتها بهدف خلق جمهور جديد للباليه عن طريق تقديمها في المناسبات العامة وفي مدن الملاهي وبالتالي ايجاد وسيلة رزق لطلاب المعهد وعدم تركهم لقمة سائغة أمام شاشة السينما أو خشبة المسرح وكذلك الموالد والأفراح) . وتقول أرمنيا كامل الباليرينا الأولى بفرقة باليه القاهرة: ان محنة الباليه حاليا أسبابها غياب القدوة وابتعاد الجمهور مما جعل الفتيات ينصرفن عن دراسته واعتبر ان وجودي كباليرينا أولى لباليه القاهرة لم يحجب الفرصة أمام المصريات لكي يصبحن راقصات أوائل في هذه الفرقة لذلك لم أخذ مكان أحد بالفرقة ولكنني لم أجد من تأخذ مكاني لذلك كان قراري بالاستمرار كباليرينا أولى بالفرقة رغم رغبتي في الاعتزال. وتعقب الدكتورة راجية عاشور بمعهد الباليه: (لقد بدأت علاقتي بفن الباليه منذ ان كنت في الثامنة من عمري لألتحق بمدرسة الباليه أسوة باخوتي وبعد زواجي تفرغت لرعاية أسرتي. وبعد 15 سنة رقص لم تنقطع علاقتي بهذا الفن الذي عشقته وواصلت علاقتي به في قسم نقد الباليه بالمعهد العالي للنقد بأكاديمية الفنون وذلك لإيماني ان حياتي مثل حياة الآخرين حلقة متصلة. فالرقص كان لسن معينة وانتهى بعد ذلك واتجهت حاليا لتدريس نقد الباليه للطلبة وأعتبر ذلك أفضل لان الراقصة حينما ترقص فإنها ترقص بمفردها ولكن حينما تدرس الباليه فإنها تقدمه للأجيال) . وتقول الدكتورة علية عبدالرزاق وكيلة المعهد العالي للباليه سابقا: (لم يعد فن الباليه فنا يقدم للطبقات الارستقراطية وأولاد الذوات بعد أن أصبح طلابه من الطبقات الشعبية وانصرف عنه أبناء الطبقات العليا والمتوسطة واتجهوا إلى المدارس الخاصة المنتشرة في الأندية مثل نادي الشمس والتي تضم مدرسته 400 طالب وطالب وفي مقدمة خريجيها نادين بطلة الفوازير في رمضان قبل الماضي. والسبب الثاني لتوجه هؤلاء إلى المعاهد الخاصة هو عدم تدريس اللغة الانجليزية, لغة المجتمعات الراقية في المعهد العالي للباليه والعمر الافتراضي للباليرينا يتراوح ما بين 38 سنة إلى 40 سنة بالنسبة للمصريات أما الأجنبيات فقد يصلن إلى 60 عاما. ويقول الدكتور عبدالمنعم كامل بأن عزوف الشباب على الالتحاق بالمعهد يعود بالدرجة الأولى لعدم ثقة الخريجين والخريجات في ايجاد فرصة عمل عقب التخرج والانتهاء من دراستهم فضلا عن ان الأجور ضعيفة إذا ما وجد سعداء أو سعيدات الحظ فرصة عمل, فلقد كان أجري حينما كنت راقص مصر الأول لا يتجاول الـ 250 جنيها واعتزلت عقب انتقالي لدار الأوبرا بشهور وتفرغت للإدارة في حين ان أصغر أجر الآن يبلغ 700 جنيه وأقصى أجر 2300 جنيه وتتقاضى الراقصة الأولى رانيا مبلغ 1600 جنيه وحينما تأسست فرقة باليه القاهرة مرة أخرى عام 1991 كان عدد أعضائها 24 راقصا وراقصة ويبلغ عددهم الآن 70 راقصا وحوالي 65% من أعضاء هذه الفرقة مصريون من بينهم 20 راقصة مصرية و15 راقصة أجنبية تضم الفرقة جنسيات متعددة وهذا موجود في كل الفرق العالمية وليس فرقة باليه القاهرة فقط ويتم التعاقد أحيانا مع الطلبة قبل التخرج لخشيتي عليهم من الفرق المسرحية الخاصة وحمايتهم من الاختطاف ومغريات الشهرة والثراء السريع. وينفي الدكتور عصمت يحيى العميد الحالي للمعهد وجود عجز في عدد الباليرينات المصريات فلقد تخرج من المدرسة 33 دفعة منذ انشائها ويبلغ طلاب المدرسة هذا العام 198 طالبة و65 طالبا وعدد طلاب الدراسات العليا 12 طالبا وطالبة وان كانت مشكلة الخريجين والخريجات انهم لن يجدوا فرصة عمل مع فرقة باليه أوبرا القاهرة لانها لا تأخذ سوى 3 أو 4 من المتميزين من أي دفعة لانها تعتمد بشكل كبير على الأجنبيات بصفة عامة والروسيات بصفة خاصة مما يحد من فرصة المصريات لان هناك 25 إلى 30 راقصة وراقصا من الأجانب ولقد اشتركنا بطلاب المعهد في العديد من المهرجانات الدولية بداية من مهرجان جوبا الياباني وبصفة عامة فإن أساتذة المعهد ليسوا طرفا في محنة فن الباليه بل انهم أسهموا بكل ما يملكون في توسيع قاعدة الممارسين من خلال المدارس الخاصة في النوادي الرياضية ولقد أغلقت مدرستين أملكهما منعا للحساسية, ولا أنكر ان هناك بعض الأساتذة يستعينون بالطلبة في بعض المسلسلات التلفزيونية وآخرين من غير الأساتذة تحت وطأة الاغراء المادي والذي يتراوح بين 16 إلى 30 ألف جنيها شهريا. وتعلق نيللي كريم باليرينا مصر الحالية بقولها: (إن سبب شهرتي هو اشتراكي في فوازير شهر رمضان الماضي ودخولي لكل بيت من خلال شاشة التلفزيون وليس من خلال ممارستي لفن الباليه. فقبل الفوازير لم يكن يعرفني أحد على الاطلاق سوى جمهور الأوبرا طبعا فضلا عن ان مستواي كباليرينا لم يتأثر بالتمثيل وهو اشتراكي في باليه (سندريللا) بعد انتهائي مباشرة من تصوير الفوازير للتلفزيون. وتعلق ريهام أبو سريع الحائزة على المرتبة الأولى على جميع الطلاب وراقصة في أحد الملاهي الليلية بقولها ان فن الباليه لم يأخذ حقه جيدا حتى الآن لعدم وجود جمهور كبير له في الوقت الذي تجد له جماهيرية كبيرة في الشارع الروسي مثلا, فهناك يقيمون له المهرجانات والمسابقات وفي أوروبا تدعمه كافة الدول في حين لدينا هنا مكان واحد فقط لعرض الباليه وهو دار الأوبرا. وعقب تخرجي رفضت الانضمام إلى فرقة باليه القاهرة لانهم سيقومون بضمي على الفور إلى الكوردباليه أو بمعنى آخر فإنني أرفض تحويلي من باليرينا أولى إلى مجرد كومبارس في باليه أوبرا القاهرة لان الأوبرا لن تعطي فرصة الابداع لأحد, وسبقتني الكثيرات في هذه التجربة بداية من أساتذتي منال زكريا وهي راقصة أولى بباليه القاهرة ولكنها لم تجد غير الاضطهاد وخلق المشاكل بدلا من التشجيع واعطاء الحافز فتركت رقص الباليه واكتفت بالتدريس في المعهد. وأنا لا أريد اعادة تجربتها لذلك اتجهت إلى إحدى مدن الملاهي من خلال الفرقة الاستعراضية التي كونتها الدكتورة ماجدة عز العميدة السابقة للمعهد ونقدم من خلال الفرقة برنامجا يجمع كل أشكال الرقص من باليه إلى بقية الاشكال لان فن الباليه وحده غير كاف لاخراج كل طاقاتي, فضلا عن الباليه محدد برقصات معينة ولا أرقص الرقص الشرقي حتى لا أدخل في مجال لا أجيده ولا أدخل في منافسة فيفي عبده ولوسي ودينا, فأنا أقدم أو أرقص ما يسمى (أورينتال) أي الرقص الشرقي المطعم بالباليه.

Email