مجمع اللغة العربية أثار القضية ، العامية تطرد الفصحى في وسائل الاعلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحت عنوان "الفصحى والعامية في لغة الإعلام" عقد مجمع اللغة العربية مؤتمره السنوي السادس والستين, جلسات المؤتمر وأبحاثه الشهر الفائت, والحديث في معظم الأبحاث يدور حول اللهجة العامية, وكان المجمع في مؤتمر العام الماضي قد طرح القضية نفسها، على وجه العموم لكنه آثر هذا العام أن يقف وقفة مطولة ومتخصصة ليناقش القضية على الساحة الإعلامية وبخاصة في الإذاعة والتليفزيون. يبدأ الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية في طرحه لقضية المؤتمر هذا العام فيقول: "معروف أن الفصحى لغة العرب القومية التي تجمع بلدانهم في أمة واحدة, ودين واحد, وتاريخ واحد, وأدب عربي واحد, وثقافة عربية واحدة, وقد نقل إليها علماؤنا حديثا علوم الغرب وهي لغة الفكر العربي القديم والحديث, وليست العامية لغة بل هي لهجة تولدت من العربية وليس فيها للعرب دين ولا تاريخ ولا أدب ولا علوم ولا ثقافة ولا فكر ولا فلسفة ولا قواعد تدرس, ويمكن بها أن نتعلم, وكثرة ألفاظها ذات أصل فصيح لكنه تحرف, وبعد عن أصله قليلا أو كثيرا.. ومع ذلك نجد للعامية بيننا أنصارا) , ويستطرد الدكتور شوقي ضيف "وكل هذا التاريخ المجيد للعربية لا يعرفه أنصار العامية, ولذلك يقولون عن جهل دعونا من الفصحى ولنتخذ العامية لسانا لنا, ولو أخذت مصر والبلاد العربية برأيهم تفككت وحدة الأمة العربية وأصبح لها لغات بعدد عاميات شعوبها التي تصل إلى نحو 20 عامية) . يضيف شوقي ضيف: (يصبح من العجب العجاب أن تعنى لغة الإعلام عندنا في الإذاعة المسموعة والتلفزة المرئية بأن تخاطب الناس بالعامية, غير ملتفتة إلى أنها تتجنى على الفصحى لغة ديننا وتاريخنا وعلومنا وأدبنا الرفيع وثقافتنا وفلسفتنا وبكلمة مختصرة تتجنى على وجودنا القومي وهو ما يخالف مخالفة شديدة واجب وزارات الإعلام في مصر والبلاد العربية إزاء الشعوب العربية وأبنائها من الناشئة) . حركات منظمة ومن رئيس مجمع اللغة العربية المصري الدكتور شوقي ضيف إلى رئيس مجمع اللغة العربية الأردني الدكتور عبد الكريم خليفة الذي شارك في المؤتمر ببحث عنوانه "العربية الفصحى والعامية في الإذاعة والتلفاز". يقول فيه: (أما الخطر الذي يهمنا في هذا الحديث فإنه يتمثل بالتوجه نحو العاميات الإقليمية في جميع الدول العربية وتشجيعها في برامج الإذاعة والتلفاز, بل وفي بعض دور النشر فإذا كانت الصحافة قد بدأت نسبيا في وقت مبكر في الوطن العربي فإن الإرسال الإذاعي قد جاء متأخرا) . ويقول الدكتور خليفة (وفي كل مرة تتعرض الأمة العربية إلى محن سياسية وعسكرية تنطلق الأقلام الموتورة للنيل من اللغة الفصحى) . وبدأت العامية تجد طريقها إلى المحافل الرسمية وإلى خطب الرؤساء والوزراء والمسئولين الرسميين, وكان ذلك حتى أوائل الخمسينات من القرن العشرين عملا مستهجنا. وتولدت الفتن والأحداث والحروب الداخلية تجتاح الأمة العربية في العديد من أقطارها وبدأ التقوقع الإقليمي والمحلي والطائفي يجد طريقه إلى السياسات الرسمية في معظم الدول العربية لاسيما الفنية منها والمؤثرة. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا كله في أجهزة وسائل الإعلام, وكانت الإذاعة والتلفاز أهم هذه الأدوات باعتبارهما جزءا لا ينفصل عن السياسة الإعلامية في كل قطر عربي) . ويصل الدكتور خليفة بالقضية إلى تحديد أكثر حين يقول: "تنطلق من أروقة بعض الدول العربية المهمة لاسيما ما كان منها مهد العربية الفصحى في الجزيرة العربية حركات منظمة جعلت اهتمامها الفعلي بالعامية المعاصرة أدبا وفكرا وتراثا, وتجد هذه الاتجاهات الدعم من أقوى عناصر المجتمع تأثيرا فأنشئت بعض المؤسسات التي تهتم بنشر العامية وبتسخير المال لتشجيعها والحث على البحث والنشر والتأليف بها واستجابت لهؤلاء وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة) وعلى الصعيد الأردني يقدم الدكتور عبد الكريم خليفة في بحثه تحليلا لخريطة البث الإذاعي والتليفزيوني في المملكة الأردنية مستخلصا بالجداول والأرقام والإحصاءات عدد الساعات التي يتم تقديمها بالفصحى وعدد الساعات التي تبث بالعامية ثم يستخلص في النهاية (إن نظرة شاملة على هذه الموضوعات التي تبث باللغة العامية الدارجة وقد بلغت نسبتها 8.81% تقريبا من مدة الإرسال التليفزيوني تقودنا إلى القول بأن هذا الوضع اللغوي المتردي في وسائل الإعلام لاسيما المرئية منها لا يستجيب إلى واقع جمهور الشعب الأردني ولا إلى أمانيه القومية وتطلعاته إلى التقدم والرقي والإبداع) . اندساس العامية ومن الأردن إلى ليبيا حيث يقترح الدكتور علي رجب المدني عضو المجمع المراسل في بحثه حلولا لمشكلة طغيان العامية في أجهزة الإعلام. يقول: (ولعل من أهم ما ينبغي أن تلتزم به وسائل الإعلام التركيز على رصد ما يجد لديها من مفردات وأساليب نطق مبتكرة أو مستمدة من لهجة التخاطب السائدة بين الناس وتقديمها أولا بأول إلى اتحاد المجامع أو المجمع الذي تقع في دائرة تواجده, وتنتظر ما يصدر عنه من دراسة وقرار بشأن كل من تلك المفردات والأساليب على نحو يحقق التوافق بين وجهة نظر المجمع في إجازتها واتجاه الجهة الإعلامية لاستخدامها. ولا يخفي ما في اندساس العامية في الفصحى دون رقابة من خطورة التشويه لأساليب النطق العربي الموروثة) وفي ختام بحثه يهيب الدكتور علي رجب المدني بالمجامع العربية أن تسعى من أجل تخصيص أركان ثابتة ودائمة لها في كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية تتولى تموينها تباعا بما يجد من أعمالها ومنجزاتها على نحو مبسط يستهدف التغلغل إلى جميع المدارك والمستويات. خطر العولمة ومن ليبيا إلى الجزائر حيث يقدم الدكتور أبو القاسم سعد الله عضو مجمع اللغة العربية المصري المراسل من الجزائر بحثا يطرح فيه قضية الفصحى والعامية على أرضية خطر مشترك وهو خطر العولمة الذي يهدد لغات قومية عديدة لحساب لغة قومية واحدة يسعى إلى تسييدها. يقول الدكتور أبو القاسم (إن ما نشهده اليوم ونحن في مرحلة أصبح الإعلام يسميها مرحلة العولمة هو الهجمة التي تقودها شبكة المعلومات على اللغة العربية, سواء كانت الفصحى أو العامية, حتى الفرنسية والإيطالية واليابانية وغيرها, تعاني من لغة المعلوماتية وهجمة العولمة, كما تعاني اللغة العربية ومثيلاتها, وهي تحاول أن تتخذ لنفسها وسائل للحماية الذاتية ما أمكنها, فتجند إعلامها المحلي ومجامعها وعلماءها وسياسييها ليقفوا ضد هذه الموجة العاتية. وأول ضحايا هذه العولمة اللغوية هم الشباب, ابتداء من سن المراهقة, فمن جهة الفاعل هناك خريطة جديدة للتعامل مع الآخر لاكتشاف خباياه وألوانه من الرغبات الجنسية إلى الآفاق العلمية إلى الرياضة والمسليات وغير ذلك, مما يشد العين والفكر والقلب لتلك الشاشة الصغيرة, أما من جهة المفعول به فهناك لغة لتلقي المعلومات غير اللغة التي اعتاد الشاب سماع موسيقاها أو ألف رؤية حروفها وهي في العادة لغة انجليزية مقتضبة أو مختصرة في مصطلحات ورموز سرعان ما يتعرف عليها المتلقي حسب تعليمات يتقنها بالممارسة) . ويستمر الدكتور أبو القاسم في تسليط الأضواء على المخاطر المعاصرة التي تهدد اللغة العربية بشقيها الفصيح والعامي فيقول: (وهناك أنواع أخرى من الإعلام تواجه الفصحى والعامية معا ونعني بها الإشهار أو الإعلانات التجارية, فقد أصبحت شاشة التليفزيون والسينما تعج بالصور المغرية والملونة والمتحركة في أشكال مختلفة للترويج ومعظمها موجهة للشباب والنساء وكلها تستعمل في أغلب الأحيان العامية المختلطة بأسماء العلامات التجارية والعناوين والأسماء الأجنبية المنطوقة بأصوات عربية فيكون ذلك ترويجا لا للبضاعة فقط ولكن لألفاظ ومعاني اللغة الأجنبية إضافة إلى ما يحدثه ذلك من أثر سلبي على اللغة الوطنية باعتبارها غير قادرة على توصيل نفس الألفاظ والمعاني إلى المنتمين إليها) .

Email