من الواقع ، الكلمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكلمة فعل والكلمة موقف, كيف يتجلى فعل الكلمة؟ ومتى يتحقق وجود ذلك على ارض الواقع؟ والى اي حد يجب ان تكون الكلمة معبرة عن موقف مبدعها وهل بالضرورة يجب ان يكون موقف الكاتب منسجما, ومتلازما مع ما يكتب ولم اقل مع ما يبدع؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها, لا ندعي اننا نستطيع الاجابة عنها بتلك السهولة والبساطة, فثمة ظروف موضوعية تحتم على المبدع في كثير من الاحيان ان يقول نصف الحقيقة, وان يداري واقع الحال الذي هو فيه, لكننا لن نسمح له بأقل من ذلك, وعليه ان يصمت اذا لم يستطع قول الحقيقة, نحن في هذا المثال لن نطالب المبدعين بأن يكونوا انبياء, فالمبدعون بشر, ينتمون الى شرائح اجتماعية مختلفة, ولهم بيئاتهم او نظراتهم المتباينة للوجود والابداع, والانسان, ولن نزعم اننا النموذج او اللانموذج الامثل للمبدع, فربما كان من يظن نفسه النموذج في زمن ما, خرج عن قناعاته آخر المطاف, وقناعة المبدع بنفسه هي الاساس وليست القناعات التي قد تنتشر بفعل العدوى بين الناس البسطاء. قلت ربما خرج كثير من المبدعين آخر الامر بقناعات ليست مرضية عن ذواتهم وابداعاتهم وسلوكياتهم, فاعادوا النظر بما فيهم وبمن حولهم فشعروا بضرورة تغيير كثير من افكارهم ومواقفهم, ولا غضاضة في ذلك, فالتغيير نحو الافضل ليس منقصه, وقانون الحياة في مجمله هو قانون التغيير, والعيب ان يبقى الانسان ساكنا جامدا حيث هو, لا يطور من معارفه وسلوكه وتفكيره تبعا لتغيرات الحياة ومستجداتها, وهنا ارجو ان يفهم من كلامي ان ثمة تبدلات في المواقف والافكار تفرضها علينا ظروف معينة, قد لا تدخل في اطار تلك التغيرات الجوهرية الكونية الحياتية, تدفعنا الى ان نغير مواقفنا واتجاهاتنا تبعا لاتجاهات الريح والاهواء, ذلك طبعا لا يندرج فيما ذهبنا اليه ويدخل في صميم الانتهازية, وركوب المركب السهل الذي يلائم مجرى الرياح وهو بها, هذا ما لا يرضاه انسان ذو وجدان حي, فكيف هي الحال عند المبدع الذي يجمع بين الوجدان الحي والضمير الانساني المبدع؟ هكذا يفترض, اما اذا كان غير ذلك فالامر مختلف, والحكم في النهاية مختلف ايضا. اذن من حيث المبدأ نحن امام ظاهرة عامة, نحن معنيون فيها, ولربما كنا من اسباب عللها, هذه الظاهرة تتجلى في جدوى الخطاب الثقافي او لا جدواه متى يكون الخطاب الثقافي مجديا ومتى لا يكون؟ وكيف يمكن ان نرفع من وتيرة تلك الجدوى وفاعليتها على صعيد الواقع؟ وما هي السبل الكفيلة بالوصول الى ذلك؟ هل نحن في طريق البحث عن حلول لبعض الاشكالات التي يتعرض لها ذلك الخطاب ام مازلنا نتلمس الطريق الى معرفة الاسباب, ام كل شيء على ما يرام ونحن لسنا اكثر من متشائمين ننعق كالغربان في عالم كل ما فيه اخضر وناصع وجميل! بعضهم يرى اننا كذلك!.. وبعضهم يرى اننا نضع ايدينا على الجرح ونحن نحترم اي رأي مهما كان مصدره, شريطة ان يكون ذلك الرأي نابعا من القلب ومساحة الدماغ ودائرة القناعة الشخصية, اما ما عدا ذلك فليس اكثر من كلام ممزوج لا يستحق اضاعة الوقت ومعاينته, ولنعد الى صلب الموضوع. كيف هي حال الخطاب الثقافي هذه الايام؟ لن ندخل في ماهيته, وبنائه الغني ودوامه, واتجاهاته, بل عند فاعليته وجدواه هل ما نقرأه وما نسمعه وما نراه في وسائل الاتصال المختلفة يشدنا ويفرحنا ويعبر عن تطلعاتنا؟ وهل ثمة تواصل دائم بين الخطاب الثقافي والجماهير؟ بمعنى هل ثمة احترام وتقدير ولهفة وخيط شفاف يصل بين المبدع والمتلقي؟ اذا كان هذا الامر حاصلا ومنجزا بالفعل فإن الخطاب الثقافي بكامل انواعه واجناسه واشكاله يؤثر في الانسان والواقع والحياة, وإذا كان الامر غير ذلك فالمعادلة معكوسة بالتأكيد. ولنعد الى نقطة البدء, الى الكلمة الفعل, والكلمة الموقف, فالخيط الواصل بين المبدع والمتلقي هو الكلمة وبقدر متانة ذلك الخيط وقوته, تكون قوة الاتصال والعكس بالعكس تماما. الكلمة في زماننا ـ بكل أسف ـ تكاد تخرج من دائرة الفعل الثقافي لانها لا تحمل اشاعات الخطاب الثقافي, ولا تفجيرات الابداع الحق, ولا توازي ما يجري على ساحة الصراع العالمي. محمد خليفة

Email