في أمسية اقيمت بنادي دبي للصحافة الرميحي يحاضر عن الخليج العربي ومعالم التغيير في القرن الواحد والعشرين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في محاضرته التي حملت عنوان (الخليج العربي) : معالم التغيير في القرن الواحد والعشرين) ونظمتها دائرة الاراضي والاملاك بدبي ضمن فعاليات (ارض المعرفة) الثقافية المصاحبة لمهرجان دبي للتسوق شدد, د. محمد غانم الرميحي الامين العام للمجلس الوطني الكويتي للفنون والثقافة والآداب, على الواقعية والعقلانية كمنطلق اساسي لرؤيته عن مستقبل الخليج ومناشدته للآخرين لتحكيمها في النظر الى الامور بعيدا عن رؤى عاطفية سابقة, وفي اطار استعراضه لتغير العولمة وما تفرضه من شروط على الدولة الوطنية وتقييد لحركتها ركز الرميحي على اهمية التكيف معها لا التقوقع حتى مواجهتها, وفي اطار رده على مداخلات الحضور عن طبيعة العلاقة مع امريكا وهيمنتها على العالم بما فيه الخليج العربي اشار الى ان علاقة الخليج بأمريكا هي علاقة تحالف وتقتضي بالتالي التشاور لافرض الشروط وان انظمة المنطقة لا تقبل نصائح امريكا على علاتها وانما تعطي دائما مجالا للدراسة والمناقشة واتخاذ القرار الذي يحقق مصالحها في المقام الاول. وفيما يلي نص محاضرة الدكتور الرميحي: القرن الواحد والعشرون هو قرن الغرب لا قرن الشرق, لذا فإن التغييرات المتوقعة فيه هي تغييرات غربية اساسا, ويبدو ان من اهم مكونات الحديث عن العلامات الفارقة في مسيرة الناس والشعوب ان تعرف هذه الشعوب ان ما تمر به من زمن هو علامة فارقة لا مسيرة ايام وسنين تتوالى, وفي الغرب هذا الشعور موجود وان لم يكن مشاهد فهو متوقع, اما في الشرق فإن الايام والقرون ليس لها اهمية كبيرة لأنها لا تضيف جديدا. ولكن هل الخليج من الشرق او الغرب؟ ذلك سؤال يستحق ان يجاب عليه, فعلى الرغم من ان هناك شعوبا ومناطق في العالم تمر عليها السنين برتابة ودون تغيير يذكر, الا ان النصف الاخير من القرن الماضي شهد تحولا شديد العنف والاختلاف في منطقة الخليج, فهي منطقة اصابتها رياح التغيير من الغرب, وهي بالتالي اصبحت جزءا من ذلك التغيير القادم والمتوقع, رغم وجودها في شرق اوروبا المتقدم. ان العولمة هي احد اكبر القوى التي ستؤثر على منطقة الخليج, لأن العولمة غربية ولأن الخليج بمعناه السياسي ان لم يكن الجغرافي سيكون من اهم المناطق المتأثرة بالعولمة. مفهوم العولمة شهد العقد الاخير من القرن العشرين احداثا متسارعة ربما جعلته واحدا من اكثر العقود صخبا وحراكا في تاريخ الانسانية, ولكن اهم ما يميز هذا العقد هو بزوغ ظاهرة العولمة, الظاهرة التي اصبحت الشغل الشاغل للمفكرين والباحثين, فلأول مرة في التاريخ يصبح بوسع المرء بصرف النظر عن انتمائه او لونه او عرقه تلمس تأثير المتغيرات الدولية, فهم يشاهدونها في وسائل الاعلام ويتذوقونها في طعامهم ويحسونها في المنتجات الاستهلاكية وفي تكنولوجيا المعلومات التي باتت مفاتيح التعامل مع العصر. لم يكن ذلك العقد الاخير من القرن العشرين مواتيا للدولة الوطنية الصغيرة, فقد وضعت العولمة وظائف الدولة الاقتصادية والامنية بل وبعض سيادتها موضع التساؤل والشك, كما فقدت حتى الدول المتقدمة قسطا غير قليل من سيادتها الاقتصادية, اتضح ذلك في يوم الاربعاء الاسود من شهر سبتمبر 1992 عندما انهار الجنيه الاسترليني بسبب المضاربة, وكذلك ما شهدته اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا حيث اثبتت المضاربات الدولية المالية قدرتها على اختراق تلك الاقتصاديات الوليدة. اصبحت الشركات فوق القومية بقدرتها الاقتصادية الهائلة وبإمكانياتها التقنية المتفوقة قادرة على الاختراق والتفوق على الدول, مديرة لشئونها واتفاقياتها الدولية. العولمة مختلف على تحديدها بدقة, فقد شبه دانيل دزنر الاختلاف عليها كخلاف حاد يثور بين مجموعة من الاطباء على نوعية المرض الذي يعاني منه المريض, في الوقت الذي يتفقون جميعهم بهزات وقورة من رؤوسهم على ان المرض متقدم للغاية. ويشبه جلال امين وضع العرب والعولمة كمجموعة من المكفوفين يصفون الفيل, كل يصفه اين يجسه. هذه الاختلافات تعود في رأينا الى اننا نعيش اول حالات العولمة وعندما تتقدم في هذا العقد او الذي يليه لن يكون هناك ثمة خلاف كبير على توصيفها, ولكن ايضا حتى الخلاف على التوصيف اليوم لا يعني ان ليس هناك قضية او مشكلة اسمها العولمة. العولمة في رأي البعض عولمتان, الاولى حدثت بعد الحرب العالمية الثانية كان دافعها في المجتمعات الرأسمالية والغربية محاربة الشيوعية ومحاربة النعرات القومية القاتلة, كما حدث في قيام السوق الاوروبية المشتركة بعد الحرب الثانية, اما العولمة الثانية فهي ما نشهده الان. العولمة الاقتصادية من بين اكبر مئة اقتصاد في العالم هناك واحد وخمسون ليست تابعة لبلدان وانما لشركات فوق قومية, بينما لا تشغل اكبر 200 شركة في العالم من قوة العمل غير اقل من ثلاثة ارباع واحد في المئة من قوة العمل في العالم, ولكنها تستحوذ في الوقت ذاته على 28% من النشاط الاقتصادي العالمي, كما تستحوذ 500 شركة عالمية على 70% من التجارة العالمية, وتشبه هذه الشركات المقاطعات الاقطاعية التي تطورت فأصبحت امم في القرن الثامن والتاسع عشر في اوروبا. فئة صغيرة تحتل جبهة العولمة هي هذه الشركات ورؤوس الاموال, بينما الاقلية الساحقة من سكان الارض فهي اما سوق لهذه الشركات او هي غارقة في بيئتها المحلية. الشركات فوق القومية ستبقى طليقة في العقود القليلة القادمة في ان تلقي خلفها بالحطام البيئي والاجتماعي الذي خلفته عملياتها المختلفة. ويقبل اليوم مجتمع الامم على نحو متزايد فكرة ان مقتضيات العصر تتطلب وجود تلك الكيانات فوق الوطنية, ومع هذا القبول يأتي الاعتراف ان (الهوية الوطنية) كما عرفت يجب التخلي عنها, على الاقل جزئيا لتلك الكيانات الاقتصادية الكبرى. هناك شبه اجماع بين المتابعين على ان انتشار الرأسمالية الجديدة سوف يؤدي الى ضمور وتآكل القوة الوطنية, وقوة استقلالية الدولة الوطنية, ويقول بنجامين باربر في كتابه (الجهاد ضد السوق الكونية) وهو كتاب ترجم الى اللغة العربية, بأن المستقبل مجسد في صورة مفعمة بالحركة لقوى اقتصادية وتقنية وايكولوجية مندفعة تطلب التكامل وتغرق وعي البشر في كل مكان بطوفان الموسيقى السريعة والكمبيوترات السريعة والوجبات السريعة, دافعة الامم باطراد نحو حديقة ملاهي كبيرة وعالمية ووحدة متجانسة التكوين. ويصف المجتمع العولمي كونه مجتمع يقتصر فيه ولاء مختلف اعضائه لمصالحهم الذاتية على حساب اي تصور للمصلحة العامة او الخير المشترك, ان الاستهلاك والربح هما قاعدتان للعولمة. جوهر العولمة الاقتصادية هي انتقال مركز ثقل الاقتصاد العالمي من الوطني الى الكوني, من الدولة الى الشركات والمؤسسات والتكتلات عبر القومية, وهنا تفرض العولمة الاقتصادية منطقها الخاص حتى لو تعارض هذا المنطق مع رغبات اكبر الدول واغناها, لقد نمت الاستثمارات الاجنبية العالمية المباشرة الى 120مليار دولار امريكي سنة 1999 بينما كانت 24 مليار دولار امريكي سنة 1990. العولمة تفرض التناغم في القوانين وحرية انتقال السلع والبشر المرغوبين, وتوحيد المعايير ونظم الجمارك ومعايير الرقابة على السلع وقوانين الطيران والهجرة وكل ما له علاقة بالنشاط التجاري غير الوطني, ولكن النشاط التجاري لا يعيش في فراغ, فهناك العديد من التبعيات التي يجب ان تصاحب هذا العمل, لها علاقة بالانسان وبيئته ومعيشته وحرياته. رافعة العولمة هي التقنية التي تزداد تطورا وتسارعا, انها الثورة العلمية والتقنية, التي تدخل العالم في نسيج واحد تتلاشى المسافات فيما بينها ويتقلص الزمن وتنتقل رؤوس الاموال والسلع والمعلومات والمفاهيم والافكار والاخبار والاذواق بسرعة وحرية غير معترفة برقابة حكومية او غير حكومية او بحدود وطنية او ايديولوجية. الصراع العالمي بين دول ديمقراطية صناعية وبين دول اشتراكية كان هو المحرك والدافع للاسراع بالعولمة كما نعرفها اليوم, تقنيا اضطرت الولايات المتحدة مع حليفاتها لتحرير التجارة العالمية, والدفع بالنمو الاقتصادي كوسيلة لمحاربة الشيوعية, وكحليف لا يقدر بثمن ضد الشمولية التي اخذت في الانتشار بين شعوب عديدة وضد افكارها وممارساتها, وادت هذه المحاولات الدؤوبة الى تقليل متوسط التعرفة الجمركية في الدول الصناعية حتى وصلت الى 5% في سنة 1999 بعد ان كانت 40% في سنة 1946. ويقوم موجهو عملية العولمة اليوم بتحسين وسائل وانظمة الاتصال الدولية, ويبتكرون تقنية وخدمات جديدة ويهيمنون على السوق الدولي للأفكار والخدمات, وهو ما يؤثر على اسلوب الحياة والمعتقدات واللغة وكل مكونات الثقافة, ان التقنية الحديثة لا تحدث تحولات في العالم فقط, بل تحدث ايضا عالمها المجازي, وتمكن اقمار الارسال التلفزيونية وشبكة الانترنت الناس على طرفي الكوكب من التعاطي مع كم هائل من المعطيات الجديدة وفي نفس اللحظة, ظهرت الى الوجود تعبيرات الواقع الافتراضي, والتجارة الالكترونية والتعليم الالكتروني والطب الالكتروني بل والحب الالكتروني! وتهيمن الولايات المتحدة على حركة المرور الكونية في مجال المعلومات والافكار والبرامج التلفزيونية وبرامج الكمبيوتر, وبالتالي فهي تؤثر في اذواق وحياة الناس, بل وتخلق الطلب على نوعية من الحياة والافكار, منها قبول التعددية التي مارستها محطة سي ان ان حيث تعرض لثقافات مختلفة كما تبث بلغات مختلفة عبر الانترنت, كما تخلق (الايمج) الذي يحمل النتاج الثقافي الامريكي, ويجادل البعض ان امركة الثقافة هي جزء من عولمتها ايضا, لأن الولايات المتحدة هي سوداء وصفراء ولاتينية ايضا, فهي اذن تمتلك اداء المهمتين الوطنية والعالمية (الكونية). ان الرهان الاقتصادي هائل فيما يتعلق بالاستثمارات الضخمة التي سوف تنفق في السنوات القليلة القادمة على البنية النفعية العالمية للمعلوماتية, وتقدر الحكومة الامريكية ان الاستثمارات التي سوف تنفق في امريكا اللاتينية تتجاوز الـ 150 بليون دولار في السنوات العشر المقبلة, وتنفق الصين مبلغا مماثلا, وكذلك الدول الاعضاء في رابطة جنوب شرق آسيا. ومن المتوقع ان يتجاوز الاستثمار في سوق خدمات الاتصال تريليون دولار, ستصرف على الشبكة الكونية للشبكات. وتفرض العولمة التجانس من جهة والتعددية من جهة اخرى, وسوف تفرز صراعات ثقافية واقتصادية, وسوف تقوم بعملية تفكيك واعادة تجميع, وعمليات دمج وعزل. العلاقات بين دول مجلس التعاون في ضوء العولمة اذا انطلقنا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين, نجد ان هناك قوة عالمية هي بريطانيا العظمى, سيطرت تدريجيا على دول الخليج واماراته, ثم امتدت للسيطرة على دولتين كبيرتين تحيطان بالخليج هما العراق وايران, فأصبحت هذه المنطقة تحت هيمنة بريطانيا, ولقد تخلصت الدول الاكبر من الهيمنة المباشرة واخذ ذلك وقتا طويلا, الا ان ذلك لم يحدث للدول الصغيرة في الخليج الا بعد التسعينيات من القرن الماضي. خلال هذه الفترة الطويلة كان ما يسمى (البرتش راج) هو الآمر الناهي, وقد اشرفت الادارة البريطانية بشكل ما على بدايات التنمية كما نعرفها في الخليج اليوم, وخلفت ايضا قواعد في التعامل البيروقراطي مازال متبعا في بعض المناطق الخليجية. في الفترة القصيرة بين السبعينيات والتسعينيات, وهو تاريخ الاعتداء العراقي على الكويت, شهدت دول الخليج الصغيرة (امارات الخليج) طفرة في التنمية وحصلت على الاستقلال من بريطانيا بشكله المباشر, وتخلصت من السائد في العلاقات السياسية الخارجية لفترة طويلة من قبل, الا ان التسعينيات اوجدت قوة اخرى مباشرة هي الولايات المتحدة الامريكية, وبسبب مصالحها وقوتها الدولية اخذت مكان (البرتش راج) واكاد اسمي هذه المرحلة الامريكية (الاميركان راج). الا ان الاختلاف بين (الراجين) إن صح التعبير, هو اختلاف في المنطلق والاهداف كما هو اختلاف في الزمن والظروف المحيطة بالمنطقة ككل. في الفترة القصيرة بين (الراجين) شهدت فكرة القومية العربية تراجعا مشهودا, كانت قمته احتلال اسرائيل لأراض شاسعة من دول عربية في حرب استمرت 6 ايام سنة ,1967 ثم شهدت المنطقة بعد ذلك تراجع القوة العالمية الثانية التي اعتمدت عليها القومية العربية وهي الاتحاد السوفييتي, ثم اقليميا اندلاع الحرب العراقية الايرانية, ومن بعدها احتلال العراق للكويت حيث تفجرت كل الصراعات الكامنة. كما حاولت دول الخليج انشاء كيان سياسي يجمعها وهو ملجس التعاون لدول الخليج العربية الذي ظهر الى الوجود في بداية الثمانينيات, في محاولة جادة لابعاد دول الخليج الصغيرة عن تيارات الصراع الاقليمي الذي بدأ يدخل الى حظيرة المنطقة الداخلية, ولكن هذه الجهود لم تصل الى غايات نهائية, رغم بعض النجاح, لأن بعض عناصر العولمة كانت تقوم بعملية تفكيك لمنطقة الخليج لصالحها. في العولمة الاولى التي شهدتها منطقة الخليج, وهي المرحلة الممتدة في معظم القرن العشرين (البرتش راج) كانت الدولة المهيمنة وحلفاؤها تحتاج الى ما تحت الارض من ثروة, فكانت السياسة التفكيكية هي الاجدر بأن تتبع. لذا قامت السلطات البريطانية بتحجيم القوى الخليجية المتوسطة والتي كان من الممكن ان تنمو في الخليج وحصرها داخل حدود رسمتها لها, حدث ذلك لأكثر من قوة محلية كالسعودية وعمان, كما فرضت الانقسام بين الكتل البشرية المتجانسة في الخليج من اجل تسهيل السيطرة الامنية في البداية, وبعد ذلك من اجل الحصول على امتيازات النفط. هذه العملية الانقسامية او العازلة سببت بعد ذلك خصومات على الحدود بين هذه الامارات, مازال بعضها ظاهرا او تحت السطح, ولقد حل بعضها اخيرا كمثل الحدود بين السعودية وعمان, وبين الامارات وعمان, بعد مفاوضات طويلة تدعو الى القول ان مثل هذه القضايا يمكن حلها ثنائيا اذا توفرت الارادة وبذلت الجهود, الا ان بعضها لايزال عالقا ومصدر قلق. في العولمة الثانية التي نحن بصددها, لم تعد المادة الخام هي المقصد للدول المسيطرة, وبالتالي لم تعد عمليات التفكيك مناسبة للمصالح الجديدة, ولا تألو جهدا قوى العولمة الجديدة الى دفع امارات الخليج على التقارب, لأسباب امنية واسباب اقتصادية, تناسب قوى العولمة الجديدة, الشركات العابرة للوطنيات ومصالحها. الا ان عوامل التفكيك السابقة خلقت مصالحها وخلقت وعيها الخاص بها, لذا نجد ان هناك عاملين متناقضين يسعيان للاستحواذ على السياسات العامة في الخليج ان حددنا العلاقات بين دول الخليج العربية, عامل التجميع, وعامل التفكيك. بين هذين العاملين نستطيع ان نفسر الكثير من الظواهر السياسية المحيطة, منها على سبيل المثال عدم قدرة مجلس التعاون حتى هذه اللحظة على الاتفاق على سوق داخلية تزول او تخفف فيها القيود البينية, بل ان هناك تنافسا غير صحي لجذب المشروعات الاقتصادية الدولية الى كل امارة بل كل منطقة ان تعددت المناطق في الامارة الواحدة, وما زالت هناك قيود على الاعمال الاقتصادية البينية او التي تمتلك من مواطنين خليجيين, الاكثر ظاهرا هناك قيود على عمل المواطنين المطلق بين دول مجلس التعاون, في الوقت الذي تتوفر فيه عمالة فائضة من جهة, وندرة في العمالة من جهة اخرى بين هذه البلدان. العولمة الجديدة التي وصفنا بعض مظاهرها سوف تفرض شروطها الاقتصادية وبالتالي بقية الشروط الاخرى للادماج والتركيب, فعلى الرغم من التنافس بين دول الخليج في المرحلة الاولى لجذب استثمارات عالمية ستضطر هذه الدول في المرحلة الثانية للتنسيق فيما بينها وربما بمشورة الشركات الكبرى التي يهمها ايضا ان تحافظ على سعر وسوق لمنتجاتها معقول ومستمر, كما ان هذه الدول سوف تكون مضطرة للتعاون للحفاظ على مصالحها الوطنية ومن اجل خلق قوة تفاوضية افضل, هذا سيقود الى (الاندماج) في المدى المتوسط والطويل لأن تحرير التجارة الذي تطلبه العولمة الجديدة سيؤدي من غير شك الى اطلاق قوى السوق وتقليل تدخل الدولة (السلطة) في تحجيم التنافس او الترجيح غير الاقتصادي. كما ان استتباب الامن الداخلي والخارجي جزء لا يتجزأ من شروط العولمة الجديدة, فالاستقرار السياسي والاقتصادي متطلب مسبق للدخول في السوق العالمي, دونه لن تنال المنطقة ثمرة العولمة الاقتصادية, والامن يحتاج الى تعاون اوثق في توحيد العقيدة القتالية (السلاح) من توحيد المصطلحات الى توحيد مصادر السلام والتدريب ايضا, ثم القدرة بالتالي للدفاع بشكل متسق بين دول الخليج ضد اي تهديد خارجي, خاصة انه لاتتوفر لأي منها منفردة قدرة على الدفاع عن مصالحها تجاه الاخر العدو وهي منفردة. ولعل الامثلة الممكن تقديمها في هذا الصدد اثنان, الاول هو اتفاق دول الخليج في قمة دول (مجلس التعاون العشرون) في الرياض سنة 1999 على ان يكون شهر مارس سنة 2005 موعدا لتنفيذ الاتفاقية الجمركية الموحدة, بحيث تصبح 5,5% للسلع الاساسية و 7,5% على بقية السلع, اما المثال الثاني فهو حوار دول مجلس التعاون مشتركة مع اعضاء الاتحاد الاوروبي, فقد شهد العامان الماضيان وهذا العام تحركا للانتقال بالفكرة الى حيز الواقع. لقد بقيت دول مجلس التعاون لمدة 20 سنة تقريبا قبل ان تنجح في ايجاد اطار اقتصادي تكاملي, غير انها خطوة غير كافية, حيث ان التكامل الاتقصادي يتطلب المزيد من العمل والتضحية, ومن المنطقي ان التكامل سيؤدي الى دعم الروابط السياسية والتعاون الامني من منطلق ان المصالح المشتركة سوف تعمل على تشابك المصالح الاخرى وتعزيز التعاون, ولعل المثال الاقرب هنا هو الاتفاق بين دولة البحرين والامارات العربية على مشروع مصنعي الحديد والصلب الذي وقع اتفاقه في اواخر العام الماضي على ان يتقاسم البلدان أنواعا مختلفة من الانتاج في هذا القطاع. ولعل من شروط العولمة الجديدة تخلي الدولة عن الرعاية الكاملة للمواطنين من جهة, والملكية الكاملة لوسائل (الانتاج) بمعناه الاشتراكي القديم من جهة اخرى, فقد اخذت الدولة في الخليج على عاتقها تاريخيا ان ترعى المواطن من المهد الى اللحد, وبرزت ظاهرة (الاقتصاد الاشتراكي) في دول تبني الفكرة الرأسمالية, مما سبب اعباء ضخمة على الاقتصاد الخليجي عند اول انخفاض لاسعار النفط, لذا بدأت فكرة (الخصخصة) تأخذ طريقها لممارسة السياسة في الخليج, وقد شهدت عمان حتى الان اكثر برامج الخصخصة نجاحا, وليست الخصخصة طريقا لترشيد الانفاق وخفض اعباء الدولة فقط, بل هي طريق ايضا لجذب رؤوس الاموال الخارجية للاستثمار في البنى النفعية, وطريق لتغيير اسلوب ابناء المجتمع في الاعتماد على (ماما دولة) و (ثقافة القطاع العام), ولقد قامت أبوظبي بأول مشروع مستقل لاسالة الماء وتوليد الكهرباء عن طريق القطاع الخاص, ويقدر الخبراء ان تكلفة الانتاج للكهرباء والماء في مشروع (الطويلة) ستقل بين 30% الى 35% عما يكلف انتاج الدولة. تجاورت الخصخصة في الخليج بانبثاق (المناطق الحرة) وتقريبا في كل دولة خليجية, الفرق هو في الدرجة وليس النوع, ويشتكي البعض من ضعف في العلاقة بين المناطق الحرة بأشكالها المختلفة وبين السوق المحلية, اذ لا تتوافر في السوق المحلية الكثير من مستلزمات واحتياجات الشركات العالمية في المناطق الحرة مما يحرم الاثنين من التكامل, كما ان هذه المناطق لم تدمج في الاقتصاد المحلي خاصة فيما يتعلق بتشغيل العمالة المحلية, الا ان فكرة المناطق الحرة تشهد ازديادا ملحوظا, ولعلها جزء من الاندماج في التجارة والاقتصاد الدولي. ان احد اهم متطلبات العولمة الجديدة هي تأمين التلاحم بين المناخ الاقتصادي الخارجي والسياسات الداخلية, ولقد قدم هذا الدرس من دول جنوب شرق اسيا, فقد بدأت الازمة في نهاية التسعينيات (1997) في القطاع المالي وامتدت لتصل الى العمالة النقدية ومنها انهيار الاسواق العالمية, من هذا الدرس بدأ الاعتراف بأهمية كفاءة الادارة الحكومية ونزاهتها, وأهمية حقوق الانسان واستثمار الموارد البشرية استثمارا رشيدا, وتجويد التعليم والعناية بالصحة والحفاظ على البيئة, كلها عوامل لا غنى عنها لتنفيذ استراتيجية تنموية متواصلة ومتصلة بالعالم, ثمة معنى عميق هنا وهو ان الديمقراطية والحوار وقبول الآخر والتعاون بين مختلف الحضارات, كلها عوامل لا تقتصر على دولة دون أخرى في هذا العالم الذي يتقارب. علاقات الخليج مع الجوار اولا العربي: تحيط بدول الخليج (مجلس التعاون) دولتان عربيتان كبيرتان هما اليمن في الجنوب والعراق في الشمال, وكل لها مشكلاتها الداخلية والخارجية, ولهما ايضا علاقاتهم التفاعلية بالخليج. اليمن بلاد كبيرة وخطيرة, خرجت لتوها من مجمل حروب أهلية متواصلة, وصراع سياسي مازالت تعاني من نتائجه, واليمن اقتصادها بسيط وشبه بدائي, تتحكم في علاقتها السياسية الداخلية القبلية والمناطقية, وهي بشريا مستودع خرجت منه هجرات عديدة ولاتزال. ومنذ ان تحولت التجارة تاريخيا عن اليمن منذ عهود بعيدة اصبحت اليمن في شبه عزلة عربية وعالمية, فأصابها ما يصيب المجتمعات المعزولة من تخلف. لليمن مشكلات حدودية مزمنة مع أحد اكبر دول مجلس التعاون وهي المملكة العربية السعودية, وقد نشبت نزاعات وشكلت لجان ولكن هذا الموضوع لازال معلقا, لم يبت فيه نهائيا, ويشمل واحد من الخلافات التي يمكن ان تنفجر لأسباب مختلفة وبالتالي تشغل المنطقة وتستنزف مواردها, وتعيق التنمية في كل دول المنطقة. من المهم ان نتعرف على اليمن, التي تنتابها اليوم حركات جذرية عن قرب ونحاول جاهدين ان نقيل بعض عثراتها, لان الخيار الاخر في اليمن خيار صعب, بل ان اليمن لو تركت دون عناية يمكن ان تتحول الى ما يشبه (أفغان عربية) في جنوب الجزيرة, حيث التركيبة الاجتماعية متشابهة والقوى القبلية قابلة للانقسام والاختلاف تحت شعارات راديكالية, تصيب الاستقرار في الخليج في مقتل, كما ان الوضع الاقتصادي المتردي لا يسمح بتنمية معقولة ان انفصلت في جنوبه التنمية عن شماله. اما العراق فمنه مخاطر عديدة, وفيه امكانات واسعة, والمؤسف ان السياسة الحالية في العراق ليست مواتية لا للجيران ولا للشعب العراقي نفسه, فمن جهة يرزح الشعب العراقي وقواه الحية تحت نظام لم يتعرف بعد على المتغيرات الدولية, وربما يعيش اخر أيام الحرب الباردة غير واع الى أنها انتهت منذ زمن, لقد سيطر الاذعان او عدم الاذعان للقرارات الدولية على اغلب سنوات العراق في العقد الماضي وهي مرشحة ان تسيطر عليه سنوات مقبلة, وتضع سياسات العولمة والسياسات العراقية على خط نقيض ومتصادم. ولاتزال الولايات المتحدة في حيرة من أمرها تجاه العراق, ففي الوقت الذي يعاني منه الشعب العراقي بفئاته المختلفة وضعا مأساويا, تظل السلطة العراقية غير قابلة للتحرك بعيدا عن شعاراتها, الا ان الخطوط الحمراء التي وضعت امام العراق في الوقت الحالي, ومن الواضح ان نظام العراق واع لها وهي ثلاث, عدم تهديد اية دولة مجاورة له, عدم مهاجمة الاقلية الكردية في الشمال, عدم العودة الى تشغيل برامج اسلحة نووية او كيماوية او بيولوجية. لقد أصبح الملف العراقي هو الملف المشترك بين دول عربية وإقليمية وعالمية, وفي الوقت الذي تتحرك فيه ملفات عديدة في الشرق الاوسط, يبدو ان الملف العراقي بات راكدا لاجل مسمى, ولكن تأثيراته على الخليج ستظل كجرح نازف. وهناك الان حديث يدور حول اعادة النظر في العقوبات تجاه العراق بشكلها الشامل للعودة الى (العقوبات الذكية) التي تستهدف بعض المتسببين في هذه المأساة الفظيعة, ويدور جدل حول امكانية رفع الحظر الجزئي على الصادرات النفطية العراقية فيما مضى, ونجح النظام في تحويل جزء من الدخل النفطي, رغم رقابة الأمم المتحدة, لخدمة أهدافه الخاصة. العراق واليمن شكلا في نهاية ثمانينيات القرن الماضي نوعا من الطوق (مع مصر والأردن) على الخليج بعد ان تشكل مجلس التعاون العربي من الدول الاربع, فيما بدا انه رد على تشكيل مجلس التعاون الخليجي, كما شكلا في وقت ما تحالف سياسي لفترة ابان الاحتلال العراقي للكويت, مما فسر وقتها وكأنه اعتراض على نوعية الحياة التي يحياها ابناء الخليج, ولازال طعم ذلك الموقف في الحلوق وان خفت حدته. المشكلات العالقة بين العراق وإيران لازالت تشكل احد بؤر التهديد الكامن, فقد كان العداء بين الدولتين قد وقف حجر عثرة لأي تنسيق اقليمي, حيث فشل مؤتمر مسقط سنة 1975. عندما حاولت دول الخليج ان تسد الفراغ الناشيء من انسحاب بريطانيا بتعاون امني شامل, كانت المنافسة العراقية الايرانية وقتها هي التي جمدت المشروع وفشل المؤتمر. وظل الصراع بين الدولتين هامدا حتى بدأ يتفجر بصراع سافر في بداية الثمانينيات في حرب شعواء بين البلدين خسر فيه الاقليم الكثير من موارده, وقد خسر ايضا أية إمكانية للاعتماد الجماعي على فرض الأمن الاقليمي. ايران والخليج السياسة الموحدة تجاه ايران خليجيا يمكن ان تستقى من بيانات قمة مجلس التعاون المتكررة, فقط في القمة الأخيرة في الرياض نهاية العام الماضي, يشعر المراقب ان البيان الصادر عنها قد ترك مكانا ومساحة معقولة للوفاق الايراني الخليجي, وقد استقبلته الصحافة الايرانية بترحاب لأول مرة منذ إنشاء مجلس التعاون, لابد من التذكير ان مجلس التعاون قد شكل لجنة ثلاثية تكونت من السعودية وعمان وقطر لتقريب وجهات النظر حول الجزر, كما قدم سفير الامارات (خليفة شاهين المري) اوراق اعتماده في فبراير الماضي, بعد غياب لسفير الامارات عن طهران لفترة تجاوزت الثلاث سنوات, وهي خطوة لها دلالة ان الامارات مازالت حريصة على الالتزام بمبادئ حسن الجوار والبحث عن حلول سلمية للمشكلات العالقة. والواقع يقول لنا ان العلاقات الخليجية مع ايران ليست متسقة, فهناك امارات لها علاقات قريبة من طهران واخرى بعيدة عنها, وايران دولة مهمة في الخليج تطل على اطول مسافة لشواطئه كما تربطها به علاقات تاريخية ضاربة في القدم, وعلى العلاقة بإيران يتوقف الكثير من السلم والوفاق الاقليمي. هوية الخليج محل نزاع عربي ايراني منذ فترة طويلة, ولقد كانت المصالح الدولية في العولمة الاولى هي التي حددت مناطق حمراء كي لا يتعدى النزاع على الهوية المخاطرة من الجانب الايراني, ولقد استطاعت الدبلوماسية ايضا وضبط النفس ان ينجحا في حل قضية كانت محط نزاع بين الجانب العربي والايراني وهي استقلال البحرين وعروبتها, الا ان مناطق النزاع مازالت قائمة في أكثر من جانب, الاول هو الجزر في الخليج, وهي جزر مازالت متنازع عليها, وتسمم العلاقات الخليجية الايرانية, وبعد ذلك وجود القوات الدولية, خاصة الامريكية في الخليج واعتراض ايران على ذلك, وان كان الأمر الثاني قد قبل بشيء من الفهم وعلى كثير من المضض, لازال الأول (الجزر) عقبة بين اي وفاق كامل بين الدول العربية المطلة على الخليج وبين ايران. ايران تمر بمرحلة تغير, لا يستطيع أحد أن يراهن ما اذا كانت باتجاه محصلة اصلاحية او محافظة (على ما في المصطلحين من غموض) والدارس لتاريخ ايران الحديث يعرف كم دفع الشعب الايراني من ثمن نتيجة تدخل الدول الكبرى ذات المصالح في شئونه الداخلية, ويعرف وربما يقدر المقاومة التي يبديها الايرانيون اليوم (للخارج) خاصة القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. لذا فان احد مناطق الاحتكاك الايرانية الخليجية يمكن ان تنبع من عدم الثقة في الفارق في المفاهيم بين ان تبحث دول الخليج عن حلفاء لمساعدتها في استتباب امنها في الخليج, ووجود قوى تعتقد ايران انها ذات طبيعة غير متعاطفة مع السياسات الايرانية, ويمكن ان تشكل خطرا عليها. لذا نجد ان المفارقة في السياسة الايرانية انها تفزع من اي حديث عن تعاون خليجي مع دول عالمية او مناورات مشتركة تحدث بين دولة خليجية ودولة كبرى, في الوقت الذي لا يضيرها وجود قوى تنازع الدولة الايرانية العداء السافر مثل مجاهدي خلق في العراق, كما ان المفارقة الثانية تكمن في العلاقات الاقتصادية, فعلى الرغم من مشكلة الجزر بين الامارات وايران, فان دولة الامارات هي أكبر شريك تجاري في دول مجلس التعاون مع إيران (يصل مستوى التبادل التجاري سنويا الى حوالي مليار دولار). لا تستطيع ايران مهما انتظرنا من وقت إلا أن تعود الى سياسة ازالة التوتر وتعزيز الثقة, حيث ان برنامجها الانمائي يعتمد كثيرا على الأمن والتعاون, واذا سارت الامور كما هو متوقع لها فان الثقة في التعامل مع قوى العولمة الجديدة ستجعل من ايران اقرب الى التعامل مع دول الخليج بطريقة افضل مما تمت حتى الان. النفط ذلك المعلوم المجهول في السنوات الاخيرة (الربع الاخير من القرن العشرين) لم تتقلب أسعار سلعة استراتيجية كما تقلبت اسعار النفط, ولم تؤد اسعار سلعة استراتيجية الى كثير من الحمى السياسية كما حدث للنفط, ولم يشر الى عامل واحد كمساهم في الاضطراب الاقتصادي وبالتالي السياسي كما هو النفط. فنحن امام سلعة لا كغيرها من السلع العالمية, بل متفردة, في تأثيراتها على المنتج والمستهلك على حد سواء, منذ فترة قصيرة لا تزيد على الثلاث سنوات كان منتجو النفط يعضون على اصابعهم وهم يرون اسعار هذه السلعة في تدهور, وأخذت الحكومة خطوات قاسية لضبط الانفاق وشد الأحزمة, وبعد فترة وجيزة تداعت المعاهد المتخصصة في الغرب المستهلك للنفط لتدرس تأثير ارتفاع اسعار النفط للمستهلك, والنفط هو احد السلع التي تحصل منها الحكومات في الدول المستهلكة من المال غير المباشر اكثر من ما تحصل عليه حكومات الدول المنتجة. ويدخل في تسعيرة اسعار النفط (العامل النفسي) فكثيرا ما تتدخل القوى المختلفة للضغط بطريقة او بأخرى للتأثير على أسعار النفط, كالإعلان عن مصادر جديدة او احتمال شح عالمي. والنفط هو احد محاور الاحتكاك بين دول الخليج والعولمة الجديدة, ففي الوقت الذي تريد فيه هذه العولمة ان تحل قوى السوق والعرض والطلب على السلع والخدمات لتقرر اسعارها, وبسعى المنتجون الى (تقنين) العرض للحفاظ على أسعار مناسبة تساعد ميزانيتها للنهوض بأعبائها. يعتمد على أي التقارير تقرأ لتقرر بأي اتجاه سوف تتطور الأمور في أسعار النفط في الأشهر والسنوات القليلة المقبلة, فهناك من (الخبراء) من يقول ان الاسعار الحالية لا يمكن الحفاظ عليها او على قريب منها لان الدول المنتجة سوف تحاول ان ترفع من انتاجها لتحصل على دخول اضافية بعيدا عن الاتفاق العام داخل منظمة الاوبك او خارجها, وذلك لاسباب اقتصادية ولضغوط سياسية, وهناك من يقول ان اسعار النفط بقليل من التكاتف بين المنتجين يمكن ان تظل معقولة نسبيا للسنوات القليلة المقبلة ومحققة لاهداف المنتجين التنموية, لان الشركات العالمية النفطية قد أحجمت عن الاستثمار في مناطق جديدة بسبب انخفاض اسعار النفط في السنوات الاخيرة من القرن العشرين. لعله في نهاية المطاف سوف تعود الشركات الكبرى المنتجة للنفط عن طريق العولمة للحصول على حصة الأسد من النفط, لسببين الاول الاندماج الحاصل فيما بينها أسوة بما تفرضه العولمة الجديدة, والسبب الثاني انها بهذه القوة سوف تحتكر التقنية الجديدة, التي سوف تعجز الدول المنتجة عن منافستها, ولكن هذا الطريق قد يجعل من المرجح في المدى المتوسط والبعيد ان تستقر اسعار النفط بدرجة تجعل من الطرفين المنتج والمستهلك في وضع اكثر راحة حفاظا على مصالحهم المتبادلة. الخليج والسلام في الشرق الاوسط يبدو من المنظور الاستراتيجي ان السلام بين العرب وبين اسرائيل قادم, والأمر لا يحتاج الا الى زمن قصير لتحقيقه, وليس المطلوب هنا تحليل ماهية السلام وشروطه, بقدر تحليل ما هي المتطلبات العائدة على دول مجلس التعاون من هذا السلام. هناك نظرية او وجهة نظر شعبية تقول ان السلام سيقود الى اندماج واعتماد خليجي اقتصادي على اسرائيل, وبالتالي فان الدول العربية سوف تصبح هامشية في هذه العلاقة الجديدة, وهو قول مبالغ فيه ولأسباب عاطفية لا علمية, فالخليج ان احتاج الى سلع وخدمات في مرحلة العولمة سوف يجدها في الارخص والأجود في السوق العالمي, وليس بالضرورة ان يكون سوقا اسرائيلية, كما ان الواقع يقول لنا ان بعض دول الخليج لها علاقة ما اليوم بإسرائيل, وهي علاقة سياسية اكثر منها اقتصادية. ما سيفرضه السلام على الخليج هو ما اسميه تمويل عملية السلام, وربما من جانبها العربي, فهناك مؤشرات تقول ان مبالغ طائلة لابد ان تصرف في البنية النفعية العربية للدول المشرقية الداخلة في عملية السلام, وان السلام والفقر لا يتفقان خوفا من استقلال غير منطقي لمشكلات الفقر سياسيا فتقود الى تقويض السلام. من هذا الجانب فان العولمة الجديدة سوف تفرض في حالة السلام على الخليج المساهمة الاقتصادية في التنمية الاقليمية, وهو أمر يلمح اليه البعض من بعيد وينادي به البعض بصورة علنية.

Email