في مؤتمر عن دانتي واسبانيا والاسلام، مقاربات التشكيل عند صاحب الكوميديا الالهية والمتصوفة المسلمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

اقامت السفارة الاسبانية والمركز الثقافي الاسباني (معهد ثربانتس) بدمشق, تحت رعاية وزارة الثقافة في سوريا, وبالتعاون مع الوكالة الاسبانية وسفارتي ايطاليا وتونس والمستشارية الثقافية الايرانية بدمشق ومركز الدراسات والبحوث اليمنية جلسات مؤتمرها الدولي تحت عنوان (دانتي واسبانيا والاسلام) . شارك في المؤتمر العديد من الباحثين والمفكرين العرب والاجانب. وافتتح المؤتمر بكلمة وزارة الثقافة, وكلمة السفارة الاسبانية والمركز الثقافي الاسباني, بعد ذلك قدمت الدكتورة انا لونفوني الاخصائية في آداب اللغة الايطالية والباحثة في دانتي وآداب القرن الثامن عشر, محاضرة بعنوان (الاسراء والمعراج نموذج قياسي للكوميديا الدانتية) اشارت فيها الى المراجع الاولى للمعراج المحمدي ابان ترجمته في عام 1949 على يد (شيروللي) ولأول مرة في ايطاليا, وهي النسخة اللاتينية لرواية رحلة الرسول محمد الليلية نحو القدس وعروجه المتتالي نحو السموات بعد زيارته الجنان وجهنم, ومقابلة الله, وكأنه اي شيروللي اوجد الرقعة الناقصة من لوحة الفسيفساء الكاملة, التي اعيد بناؤها في دراسات (آسين بلاسيوس) اذ ان هذا الاخير وبالرغم من اقتناعه بالتأثير الاسلامي على عمل دانتي, لم يكن قد تمكن بشكل قاطع من اثبات كيف امكن لدانتي ان يكون على اتصال بالفكر الاسلامي؟ اعتمدت الباحثة في تأكيد معرفة دانتي بالكتاب, باجراءها مقابلة للنصين, مع اعادة اعتبار المسارين اللذين تم بهما افتتاح المداخلة: مسار المصدر, ومسار التبادلية النصية, مشيرة ايضا: ان ليس كل ما يجمع الكوميديا بالكتاب يمكن اعتباره دليلاً على القراءة المباشرة, ففي النص الاسلامي تصب تعاليم وموروثات سابقة, يهودية, مسيحية, وهي عناصر يمكن ان تكون مشتركة في معتقداتها. وبالتالي اصبحت معتقد مشترك في العالم الاسلامي, والمسيحي واليهودي. وتلخص المعتقدات المشتركة. وهناك ملامح مشتركة من بينها التفاصيل الحسية ضمن صياغة نصية, والعناصر المهيمنة مثل عنصر الصفاء والنور, ووجود النور في الكتاب بتدرجية واضحة. مضافا الى ذلك منتصف المسافة بين مادية اللذة وبين الروحانية التي يرمز لها النور كاحساس الروعة الذي تثيره الاحجار الثمينة. ترى الباحثة ان من المؤكد بأن دانتي على علم بوجود مفهوم عنصر النور في الكتاب, ولكن كان يمكن له او لمؤلف النص العربي ان يلاقيا عنصرا كهذا في النصوص المقدسة (العهد القديم, القرآن) كما في صفحات الفلاسفة وفي كتابات المتصوفين. وفي هذه الحالة متصوفون مسيحيون ومسلمون. وتخلص الباحثة الى ان دانتي اثر بنا, ونجد انفسنا نتبعه على طول طريق اللغة التصويرية للشكلين الدانماركيين, او طريق الفسفة الارسطوطالية, الى ان ينتهي الى السير على خطى الثقافة العربية الاسلامية (خطى) تجعلنا نكتشف مرة اخرى ادراك دانتي الخارق, والفنى الثقافي لعالم كعالم القرون الوسطى, ينجح في اي مكان واي زمان, وعبر اية شخصية في تحقيق حلم التآلف المتوسطي الرائع دانتي والتصوف اما المحاضرة الثانية فقدمها الدكتور جورج كتورة (استاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية) تحت عنوان (دانتي والتصوف الاسلامي) حيث رأى ثمة علاقة ثابتة بين دانتي والفكر العربي الاسلامي نسيجها اوجه تشابه معروفة بينه وبين المعري, وبين المتصوفة من المسلمين, في اطار المقارنة مع آداب العرب, كما قورنت كتاباته مع ملاحم الاغريق, ومع الادب الديني الوفير الذي يصف فيه طرق الخلاص ومعراج النجاة. اما العلاقة بين الكوميديا الالهية وبين المعراج النبوي اولا والمعراج الصوفي ثانيا, فيراها العلاقة الاقرب الى القبول من حيث امكانية الاقتباس في خلال التأكيد على ترجمات وسيطة الى لغات يعرفها دانتي وبالامكان الاستفادة منها, كما انه سجل الاسماء التي اوردها في اناشيد ثلاثيته توحي باطلاعه على اجزاء من التاريخ الاسلامي العربي, وعلى افكار كانت وليدة ذلك التاريخ, اوما شكلت تراثه, الذي تناقلته اجيال وتبادلته عقول بين مشرق الارض ومغربها في مدن المتوسط وفي جهاته الاربع تناقلا لمخطوطات وترجمة لعصارة فكر لم يكن اسير مكان ولا اسير زمان. شدد كتورة على جانب الحب من تجربة دانتي, اذ يرى ان الانتقال من تجربة الحب الى جعل الحب مبدأ في التصوف وفي الوجود ليس غريبا على التصوف الاسلامي. فقصص المحبين فيه لا تنقطع من رابعة العدوية الى ابن عربي وغيرهم, ونقل التجربة الى الحب الالهي لا تعني اضفاء قداسة ما على الحب, بقدر ما هي نقلة تربط المحبة والحب الالهي بالكون ليتحول الى فعل تواصل يربط التجربة الحسية ببعد ما ورائي او الهي. فالمتصوفة قد دأبوا على نقل تجربتهم الى ما يتجاوزهم, مثل نظام ابنة مكين الدين الاصفهاني حبيبة ابن عربي, وكذلك دانتي قد اراد (حتى لو صح اقتباسه) من المعراج النبوي او الصوفي, ان يخلد محبوبته, بأن جعل حبه لها يوازي المقام الروحي الذي لا يشغله الا ملائكة او قديسون او الارواح المجردة. ومن هذا المقام تخاطبا ما نشهده بعد ذلك من تشابه في رسم الطريق ومن اختيار في الشخصيات للرحلة او في المعراج, وقد يكون ابن عربي مثلنا هنا, قد يعود في جزء منه الى تقنيات السرد. وهي تقنيات تتشابه الى حد التماثل احيانا من حيث اختيار الرواي وابداء التعجب عند كل مرحلة, بل التردد احيانا من حيث تدخل الرفيق الامين في كل مرة مشجعا او مبددا ملامح الخوف او التردد. ان بشخص الملاك او الشاعر المرافق او الانبياء الاخرين او اخيرا الحبيبة وقد شغلت مكانها حيث تستحق, او من حيث الوصف السردي لأنماط العذاب وانعام الجنان, السنة اللهب والاجساد تتحول اشجارا لعطش ابدي لأرواح تناجي. الدكتور سليم ريدان (استاذ اللغة العربية في جامعة تونس) كان عنوان محاضرته (فيما بين ابن شهيد ودانتي: معطيات وتساؤلات) وقد اقام معطياته وتساؤلاته من حيث المقاربة البنيوية عند الاثرين جاعلا بحثه الرصين يتقدم خطوة اثر اخرى في ضوء المقاربات التي تمت ملاحظتها واستظهارها تبعا لقيمة الاثرين, فيبدأ بالمقاربة من تشكل العنوان واعتماد الترجمة بملاحظاته الاولى موضحا مواقع التشابه من العنوان, فالمتن, رسم الشخصيات, المكان, الزمان. يحيل د. ريدان مقاربته الاولى من حيث العنوان عند ابن شهيد (التوابع والزوابع) واسمها الاخر شجر الفاكهة, ومقارباتها اللفظية الاولى بالكوميديا الالهية, مشيرا الى المعنى الدلالي واللغوي لكل من الشجر والفاكهة, وهكذا عند دانتي العنوان كما وضعه يقتصر على الاسم دون النعت (الكوميديا فقط) وان النعت من اضافة غيره, لكونه يعتمد مقومات تتنافر وجلال عالم ما بعد الموت, وعالم الشهادة في معناه الصوفي, وهو ما استدعى النعت (الالهية) لأنها تبين الحضور المقدس في متن الاثر. هكذا يلتقي دانتي مع ابن شهيد في مستوى العنوان من حيث ربطه الدنيوي بالمقدس, والهزل بالجد. يتطرق الباحث للاساس الاول في المتن وهو الانسان, وان العالم الذي رحل اليه كل من ابن شهيد ودانتي عالم مجهول معروف, ولأنه مجهول فقد اقتضى من الراحل دليلا, وفي هذا العالم يلتقي الراحل ـ سواء ابن شهيد او دانتي ـ بمن يعرفه بالتجربة او بالثقافة. والكل من خيال ابن شهيد ودانتي في مجرى الرحلة, ومن خلقهما الفني. ثم يستطرد ريدان في اظهار العلاقات البشرية التي يحتكم اليها الراحل ويرى ان للراحل في كل من (التوابع) والكوميديا الالهية علاقات هي في جملتها من نوعين كما في الحياة تنافر وعداوة او تقارب والفة. وللراحل عند كل منهما واصحاب جلهم من الادباء والشعراء والفلاسفة واهل الغنى, ويشترك الاديبان في علاقتهما المتوترة مع مواطنيهم بصفة عامة خاصة سخريتهما من لغة القوم. ينتهي الباحث من اوجه التشابه في علاقة المرتحل الى المرحول اليه, ويلفت الانتباه الى حنينهما لعالم الاحياء, ويبدو ذلك في حب اطلاعهما على مصير البلاد والعباد بعدهم, وهذا الحنين الى الدنيا لا يوجد في (المعراج) ولا في (الغفران), ويشترك فيه (التوابع) و (الكوميديا) معا. يتوقف د. ريدان عند خصوصية المكان, ويوضح بأن المكان في الاثرين ارتسم افقيا او عموديا ويبدو في علاقة بمن عليه وبمقاصد المؤلف, وهي مختلفة في الاثر الواحد حيث ينتظم عند دانتي حسب اشكال هندسية دقيقة كأنما تخضع لتصور رياضي مجرد. بينما يمتد المكان عند ابن شهيد على نحو صورة الارض في الجغرافيا.. تضاريس نواتئها قليلة, والحركة فيها افقية غالبا. اما بخصوص الزمان فكل من الشاعرين قد وظف الزمن التاريخي من عصر الوثنية الى عصر التوحيد وعصره هو بصفة خاصة. فالتاريخ قد تقلص الى ايام عند ابن شهيد لا يمكن ضبطها لأن الاثر مبتور, وقلصه دانتي في سبعة ايام, وكل منهما كسر التسلسل التاريخي وذلك عند جمعهما بين شخصيات تاريخية من عصور مختلفة وكل شخصية تدل على زمنها باسمها اولا وبأفعالها واقوالها. يخلص الباحث الى تثبيت بعض التقاربات لتفسير ظاهرة (التناص) في كلا الاثرين منها: تجربة الرجلين تاريخياً وما تمدهما بوجوه عديدة من التماثل, فكلاهما في اسرة عريقة في محيطهما الاجتماعي, وكلاهما كانت لهما طموحات سياسية, وكلاهما اقصيا عن المجد السياسي فعوضه بالمجد الادبي, وانشأ اثرا خالدا. ثانيا: ان تكونهما الثقافي لا يخلو من توازن وتقابل, فابن شهيد ملم بالثقافة العربية وله معرفة بالثقافة المسيحية. ودانتي ملم بالثقافة اللاتينية والمسيحية وله اطلاع واسع على ثقافة الاسلام. فالمحيط الذي نشأ فيه كل منهما متعدد الروافد الثقافية منفتح بعضها على بعض. والاثران من جنس الادب لا من جنس النصوص الفكرية والحضارية, وقوام الادب التنويع على المواضع والنصوص تتولد من النصوص, والكلام من الكلام, وان خفيت مسالكه. الكوميديا والمعاد الاسلامي اما د. بيكتور باليجادي, استاذ الثقافة الاسلامية في جامعة كاتالونيا (اسبانيا) قدم ابحاثا في العلاقة بين ابن عربي ودانتي, قام بترجمتها رفعت عطفة. اشار د. باليجادي في مقدمة بحثه الى المراجع الاولى التي مهدت بالمقاربة بين دانتي والمعاد الاسلامي, وكيف شقت طريقها بصعوبة نظرا لعدم قبول تأثير ما هو غير اوروبي في لب من ألباب هوية الغرب الروحية والثقافية, حتى تصريحه على الآليات التي قامت بها ترجمة الآثار الاسلامية العربية, الا انه عند معرض تلك المقارنات يرى وباختصار ان المسألة تتعلق بمصادفات هي بشكل اساسي طبوغرافية ونوعية تجعل اصالة واصولية دانتي المسيحية التقليدية تبقى بعيدة عن كل شيء, الا انه يستدرك لاحقا اذ لا يمنع هذا ان تكون بعض مصادر دانتي اسلامية وهو ما يوجب علينا فقط ان نتحقق من انتقال المعاد الاسلامي الى الغرب المسيحي, واكثر من ذلك النصوص العائدة الى القرن الثالث عشر او بدايات القرن الرابع عشر, ووجود بعض المخطوطات الايطالية تجعل احتمال اطلاع دانتي على بعضها امرا حقيقيا, تاركين جانبا المصادر الشفوية التي يكون قد اطلع عليها, ومن ذلك الوقت شهد الغرب وبشكل ملحوظ تقدما في البحوث المتعلقة بترجمات النصوص الاسلامية العربية بعامة والفلسفة بخاصة. يعلق الباحث مستعينا بأفكار كتاب بالاثيوس (المعاد الاسلامي في الكوميديا الالهية لدانتي) ما يتعلق بالصور, وحكمة النور الالهية, ووصف الله كنور خالص, أمثلة المرايا, اللهب في القنديل الشعاع الذي يشطر الشمس. ينتهي الباحث باليجادي ان ثمة معارف مشتركة تشاطر بهما كل من دانتي ومحيي الدين ابن عربي بين تيارات الفكر المعروفة عند اهل الكتاب, ويرى ان القروسطيين عرفوا بعضهم بعضا وتحاوروا حول النصوص ذاتها والمسائل ذاتها. قدم د. محمد توفيق البجيرمي (استاذ الشعر والادب المقارن في جامعة دمشق) مساهمة بمحاضرة حول المقاربات الضمنية الداخلة في الكوميديا الالهية وتناصها العميق والمباشر مع المعراج المحمدي معطيا فكرة اولى عن اثركتاب بالاثيوس الذي تم نشره تحت عنوان (الأخرويات الاسلامية في الكوميديا الالهية) والظروف التي تمت بها ترجمته من اللغة العربية الى القشتالية ومن ثم اللاتينية والفرنسية, قسم د. البجيرمي محاضرته مختصرا اياها بجملة نقاط اشتملت على اوجه التقارب والتشابه التي تمت بين دانتي والمعراج المحمدي, ومن جملة النقاط تلك: العبارات العربية في الترجمتين الفرنسية واللاتينية كما في صرخة بلوتوس, وكذلك النمرود من النشيد 31 من الجحيم. ونسر دانتي وتسبيحه, والتسبيح جاء به دانتي من الديك الاسلامي في المعراج, الاعراف في الاخرويات الاسلامية مشابه كثيرا لمظهر دانتي, تشابه انواع العذاب.. فالارض الاولى من الجحيم في كتاب المعراج عذابها هو الريح العقيم, وعند دانتي هي عذاب الدائرة الثانية في الجحيم, الماء الحميم هو العذاب في الارض الثالثة من جحيم المعراج, يناظره جحيم دانتي المستنقع القذر.. التعذيب بالكبريت, تعذيب الشيطان بالزمهرير الى وصوله عند وصف جنات النعيم, وهي المراحل الاولى من الفردوس الاسلامي المعراجي في السماء السابعة, تشبه وصف دانتي للجنة الارضية.. عذاب الزنا والربا والنار من الداخل والخارج هو نفسه في المعراج وجحيم دانتي. القبور اللانهائية من نار وحديد هي نسخة من منظر بحار النار, وعلى سواحلها مدن من النار. رحلة السماء السابعة في المعراج والنور الباهر مشابه لاستخدام دانتي لعنصر النور. كذلك سرعة الانتقال التي تشبه سرعة الريح وسرعة السهم الخارج من القوس اخذها دانتي من المعراج. ايضا الشكر لله على السماح له بزيارة الجنة, كذلك الرفرف الذي حمل النبي محمد صلى الله عليه وسلم الى الحضرة العلية, هو الرفرف الذي يراه دانتي في السماء الثامنة, وثمة تقابلات أخرى يوردها (البجيرمي) في متن محاضرته كسؤال النبي عن اسماء الملائكة واجابة ميكائيل له, لذلك طلب جبريل من النبي ان ينظر الى الاسفل فيجد ان بصره زاد حدة, بحيث رأى الكون كله, وهو الطلب نفسه عند دانتي وبالنتيجة نفسها. والانبياء في المعراج هم القديسون عند دانتي. تقدم البجيرمي بعرض الاوليات التي لعبت دورا بارزا عند الشعراء الايطاليين, وكيفية نظمهم المستندة ضمنا لثوابت وضوابط عربية صرفة. لينتهي عند التقارب المأخوذ من رسالة الغفران كالنمر والاسد والذئبة الذين اعترضوا طريق دانتي, هو مثال الاسد والذئب اللذين اعترضا طريق ابن القارح قبل وصوله الى جهنم في رسالة الغفران. كذلك ان جهنم تحت الارض في الموروثات الاسلامية وانها هوة سوداء مظلمة عميقة جدا, وتبدأ عند بيت المقدس, وهذا ما يقول به دانتي في وصف جيهمه. والعقوبة في الجحيم عند دانتي هي ذاتها العقوبة في الاسلام. ايضا مقاربة الوصف في الوادي المستدير اناسا يسيرون الى الوراء وقد التوت رؤوسهم الى الخلف وسالت دموعهم على ظهورهم, هو ذاته الذي جاء في سورة النساء.. وغيرها من التقابلات التي تجري في الفردوس والجحيم والآخرة. دمشق ندى خيربك

Email