عالمية يوم عرفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقلم: أحمد عبدالتواب أحمد ها هي وفود المسلمين تترى الى بيت الله الحرام تجمعهم غاية واحدة ويسعون الى هدف واحد هو عبادة الله سبحانه استجابة لدعوته يسارعون الى أداء المناسك متجردين من زينة الحياة الدنيا من فاخر الملابس وطيب الطعام ولذة الراحة يرجون رحمة الله انهم جاءوا شعثا غبرا يبسطون ايديهم وارديتهم على عرفات داعين تلهج السنتهم بالذكر وقلوبهم مليئة بالشكر لله الذي انعم عليهم بأداء هذه الفريضة وزيارة بيته الحرام يعلمون أن في الحج حرمتين: حرمة الزمان وحرمة المكان وبهما يقوى شعور المسلم بحرمة هذا الركن من اركان الاسلام: الحج فيصبح المسلم ويمسي مرهف الحس قوي النفس كأنما يتحرك بين يدي ربه أنى رحل كان في طاعة يحاذر ان يعصي وهو في الحرم وفي الاشهر الحرم. ان يوم عرفة مؤتمر سنوي عالمي للمسلمين حيث يكون التقاء الحجاج التقاء الاخوة في الله لا يحملون حقداً بسبب الدنيا وما فيها من شواغل ولا يتعالى احد على آخر بسبب مال او جاه يكون لقاء الايمان بالله وفي سبيل الله ومسارعة الى رضوان الله بأداء فريضة الحج فيكونون في الخير وللخير لانفسهم ولامتهم. سيذكر المسلمون حين يقفون بعرفات الله ونحن نذكر معهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اوفد علي بن ابي طالب رضي الله عنه الى ابي بكر رضي الله عنه وقد كان اميراً على الحج في العام التاسع الهجري برسالة تلاها على الناس جميعا فقالوا: بماذا؟ فتلا عليهم اوائل سورة التوبة ثم قال: امرت بتبليغ اربع: لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان من المشركين له عند رسول الله عهد فهو الى مدته. وفي العام العاشر الهجري حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب في الناس على عرفات خطبة اشتهرت وذاعت ارسى فيها الحقوق وحدد الواجبات واعلن قبل ان يعلن الناس ان للانسان حقوقا وله التكريم اعلن المواساة والمساواة بين الناس جميعا والا فضل لاحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير) . في تلك الجموع الحاشدة خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة البلاغ وحدد المبادىء الكبرى التي هي اساس حياة المسلمين ومنهج لتربية الفرد والجماعة اعلن صلى الله عليه وسلم دستور حقوق الانسان منذ خمسة عشر قرنا من الزمان ليعمل بمقتضاها كل فرد. وتمثلت في حرمة الاموال والدماء والاعراض: (ان دماءكم واموالكم حرام عليكم الى ان تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا وكحرمة بلدكم هذا) فلا يجوز ان تنهب الاموال أو تسفك الدماء او تنتهك الاعراض كما حرم صلى الله عليه وسلم الربا لان فيه أكل اموال الناس بالباطل لقوله صلى الله عليه وسلم: (وان كل ربا موضوع) حتى يشجع على التجارة والبيع الحلال والكسب الحلال (واحل الله البيع وحرم الربا) لقد اخذ صلى الله عليه وسلم بمبدأ العدل في خطبته فأول ربا وضعه ربا عمه العباس بن عبد المطلب ليكون قدوة في التطبيق العملي لهذا الدستور وعندما اراد ان يحقن الدماء وينهي عادة الاخذ بالثأر وضع الدماء وأول دم وضعه هو دم ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب ليصون الارواح ويحقق الامن لقد اعطى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الدستور المرأة حقها من حسن المعاشرة ومساواتها فيما امر به الشارع الحكيم فقال صلى الله عليه وسلم: (واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لانفسهن شيئا وانكم انما اخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله) . لقد حرص صلى الله عليه وسلم على حقوق النساء ونوه بها وبين ما للنساء من حقوق فلما بنى المسجد نظر الى احد ابوابه وقال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) فسمي باب النساء حتى يدخلن منه ويخرجن ويشهدن الصلوات الجامعة ويتصلن بالامة في حسها وعقلها وقضاياها القريبة والبعيدة. فالواقع ان التجمع العظيم في الحج لم يدعه صلى الله عليه وسلم سدى ولم يترك المسلمين يحتشدون مئات الوف في هذا المكان ليؤدوا العبادات فرادى ويرجعوا فرادى ولم يترك التجمع الذي حدث فيه ينفض دون استغلال ديني لقضايا الاسلام والمسلمين. اعلن صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع انه لا مداهنة في دين الله, قال لمن يريدون الشر بالاسلام: (إن من يحاول العدوان علينا فلن نتركه ونحن نعطيكم حق الحياة ونرجو الى جواركم حق الحياة ولكنكم تريدون الحياة لانفسكم فقط ولجاهليتكم وشرككم) . (واذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبر ان الله برىء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وان توليتهم فاعلموا انكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب اليم) . لقد نظر صلى الله عليه وسلم الى الكعبة ثم قال: (ما اطيبك وما اطيب ريحك وما اعظمك وما اعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله اعظم حرمة منك ماله ودمه) . وينبغي للحاج ان يعمر وقته في عرفة بمناجاة الله والاستغفار والدعاء بما شاء مما ينشرح له صدره قال صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت انا والنبيون من قبلي لا اله الا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) رواه احمد وغيره. هذه نماذج من المبادىء الاسلامية الانسانية الراقية التي جاءت في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحج الاكبر قامت على العدل الذي هو سمة الاسلام الاولى واعلنها صلى الله عليه وسلم ليرسي قواعد تسير عليها البشرية الحائرة حتى تهتدي الى سواء السبيل.

Email