الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي الأعلى في تونس: منع تعدد الزوجات في تونس مجرد اجتهاد لا نزعم له الكمال

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت تونس في عقد التسيعينات تجربة فريدة في التكامل الاجتماعي, يحدثنا عنها فضيلة الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي الأعلى في تونس وعضو البرلمان التونسي .. كما تطرق الحوار إلى قضية منع تعدد الزوجات. و قضايا الشباب ودورهم في خدمة الأمة ومسئولية العلماء وولاة الأمور في توجيه الشباب وترشيد مسيرتهم وتحصينهم ضد الانحرافات. وشمل الحوار الفرق بين الشورى والديمقراطية ومدى استرشاد البرلمانات العربية بمبادئ الشورى كما وردت في الإسلام ويلقي الضوء حول المجلس الإسلامي الأعلى ودورة في مختلف المجالات داخل وخارج تونس. * نرجو إلقاء الضوء حول التجربة التونسية في تحقيق التكافل الاجتماعي وكيف استفادت من المنهج الإسلامي؟ ـ التجربة التونسية في تحقيق التكافل تمثلت في النهوض بمجموعات السكان المنقطعين عن العمران والذين لا تصل إليهم المياه ولا التيار الكهربائي وليس لديهم مدارس ولا مستوصفات علاجية ولا مورد زرق, ولذلك تم إنشاء الصندوق الوطني للتضامن منذ عام 1992 تسهم فيه الدولة والمؤسسات من خلال الرسوم التي تدفعها عن العاملين والموظفين لديها بالإضافة إلى التبرعات من المقيمين داخل البلاد أو خارجها. وقد تم إنجاز مشروع توصيل هذه الضروريات المعيشية من مياه وكهرباء وبناء مساكن من خلال الجهود ولم يكن على حساب المخططات التنموية للدولة. واعتقد أن هذا النموذج في تقديم الدعم والعون للمحتاجين هو ما دعا إليه الإ سلام والتعاون على البر والتقوى من أجل أن يصبح المسلمون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ومثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.. وهكذا ينبغي ألا تظل أوامر الإسلام ونواهيه نظرية وإنما ينبغي أن تنزل إلى حيز الواقع فليس الإيمان بالتمني وإنما بما وقر في القلب وصدقه العمل والمسلمون اليوم في أشد الحاجة إلى تجسيد إيمانهم عمليا من خلال البذل والعطاء والتضحية, وهذه رسالة الإسلام في عالم اليوم إذا أردنا للمسلم في كل مكان أن يكون عزيزا قويا في عالم فيه من التحديات المادية والاقتصادية ما يمكن أن يعصف بالمسلم إذا لم يجد من يأخذ بيده ويعينه على هموم الحياة. ترشيد المسيرة * وما واجب العلماء والمجتمعات المسلمة نحو الشباب المسلم الذي يواجه تحديات وصعوبات كثيرة قد تحول دون أدائه لرسالته؟ ـ الشباب يحتاج إلى من يقف بجواره يرشد مسيرته ويبين له حقائق الإسلام حتى لا يضيع في متاهات الغزو الفكري وحتى لا يسييء إلى نفسه.. والشباب المسلم في تلك المرحلة الدقيقة من حياة الأمة الإسلامية يحتاج من العلماء وولاة الأمور على وجه الخصوص أن يقفوا إلى جانبه وأن يبينوا له حقائق الإسلام وأن يكون من بينهم قدوة حسنة للشباب تسير وفق منهج الوسطية الإسلامية وتتبنى الاعتدال والرفق والتخلق بأخلاق القرآن مثلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سئلت عنه زوجه السيدة عائشة فقالت: كان خلقه القرآن. وخادمه أنس بن مالك فقال عنه: لم يقل لي في يوم من الأيام لشييء فعلته لم فعلته ولشييء لم أفعله لم لم تفعله وإنما كان يقول: ما شاء الله كان. هذا النموذج النبوي المحمدي المعتدل المتوازن الذي جسد الإسلام في البيت كما يجسده في السوق والمسجد مع القريب والبعيد والعدو والصديق هو القدوة والأسوة التي يجب علينا أن نربط بها شبابنا المسلم وأن نقدمه لهم ليقتدوا به في الأخذ بالأسباب واكتساب المعارف , و هذا ما دعا إليه ومنذ أول آية نزلت من القرآن الكريم:(إقرأ باسم ربك الذي خلق) وقفى ذلك إشارة بأن عز المسلمين وتمكينهم في الأرض وعلو شأنهم إنما يكون بتحصيل كل أنواع المعارف سواء كانت شرعية واجبة التحصيل على المسلم أو كانت علوم الدنيا.. إذن واجبنا أن نوجه طاقات الشباب نحو اكتساب العلوم والمعارف بأنواعها سواء كانت في ديار الإسلام أو خارجها على أيدي مسلمين أو غير مسلمين عملا بالحديث:(الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها التقطها) فالعلم النافع مطلوب وقد كان رسول الله يقول: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ولذلك اقترن العلم في الإسلام بالعمل سواء كان العمل تعبديا أو اكتسابا للمهارات أو كسبا لقوت ومثل هذا العمل يرفعه الإسلام إلى درجة الجهاد وكان الرسول يقبل يد الرجل العامل ويقول هذه طيبة يحبها الله ورسوله. وهذه دعوة من رسول الله ألا يستنكف الشباب من ممارسة أي عمل ما دام شريفا ويحقق العزة والتمكين لأمته ويرفع من شأنها. الشورى والديمقراطية * أنت عضو في البرلمان التونسي وعالم دين هل هناك فرق بين الشورى والديمقراطية؟ ـ حقيقة لا يوجد فرق كبير فإذا كان المقصود بالديمقراطية أن يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال الانتخابات المباشرة أو من خلال النواب فإننا نقول أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان وقد أعلن القرآن منذ نزوله: (وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) وكذلك: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) وقد جسد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو المعصوم الذي يوحي إليه والذي لا ينطق عن الهوى. الشورى في الواقع ليقدم الحجة والبرهان للمسلمين من بعده أنه ما خاب من استشار وأن العودة إلى رأي الآخرين لا يزيد ذلك الرأي إلا قوة ومتانة. وإذا ما نفذت القوانين الدستورية وآليات المشاورة وإشراك الشعوب فإن الإسلام لا يقف حجر عثرة في سبيل أن تأخذ بهذه الآليات والأساليب التي تجعلنا نعود بالرأي والمشورة لكل من يمكن أن يسدد المسار ويعين على تحقيق الآمال في مختلف المجالات والميادين. في الطريق * هل أخذت البرلمانات العربية بمبادئ الشورى الإسلامية وطبقتها؟ ـ إذا كان المقصود أن تعود القاعدة العريضة من عموم المسلمين إلى أهل الذكر في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بشئون حياتهم الدينية الدنيوية فإن كل محاولة تبذل في العالم العربي الإسلامي من أجل أن نعمق ونجذر الشورى ونجعلها ممارسة لا رجعة فيها ينبغي أن نباركها وأعتقد أننا نسير في هذا الطريق من خلال اتحاد البرلمانات العربية ومن خلال اتحاد برلمانات دول منظمة المؤتمر الإسلامي وإذا كانت الحكومات تبذل جهدا من خلال هذه المؤسسات فإنه ينبغي أن تكون هناك جهود شعبية تعضد جهود الحكومات. مجلس استشاري * متى أنشئ المجلس الإسلامي الأعلى في تونس؟ وما أهم أهدافه؟ ـ أنشئ المجلس منذ اكثر من أحد عشر عاما وهو مجلس استشاري يتبع رئيس الوزراء مباشرة وقد جاء إنشاء المجلس في إطار التحول الذي تعيشه تونس منذ عام 1987 على يد الر ئيس زين العابدين بن علي الذي استحدث مجموعة من المؤسسات من بينها المجلس الإسلامي الأعلى الذي يضم مجموعة من العلماء وأهل الذكر وينظر في البرامج التعليمية في مختلف المراحل ويقدم النصح والمشورة ويعمل من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية والشخصية العربية للتونسيين سواء الذين يعيشون داخل تونس أو خارجها من الذين يعملون في الدول الأوروبية خاصة فرنسا وييسر لهم تلقي التعليم الإسلامي وممارسة الشعائر الدينية أو ينظر المجلس في كل ما تعرضه عليه الحكومة من استشارات تتعلق بالقضايا المستحدثة سواء الطبية العلمية أو المالية المصرفية وغيرها. اجتهاد بشري من القوانين التي تثير الانتقادات ما لجأت إليه تونس من منع تعدد الزوجات بقانون مخالف للتشريع الإسلامي الذي يبيح التعدد فما العوامل التي دفعت تونس لإقرار مثل هذا القانون؟ قانون منع تعدد الزوجات صدر منذ أكثر من ثلاثين عاما نتيجة إصلاحات اجتماعية وتربوية وثقافية وقد عكفت مجموعة من الفقهاء على دراسة قوانين الأحوال الشخصية ورفع ما وقع على المرأة من ظلم وتسلط باسم الإسلام وتشريعاته لدرجة أن أصبح تعدد الزوجات استمتاعا واستغلالا ثم يتبعه الفراق والطلاق. ورأي هؤلاء العلماء الأخذ باجتهاد الفقهاء الذين يقولون : إن لولي الأمر أن يقيد المباح ومن المعلوم أن تعدد الزوجات ليس واجبا ولا مستحبا خاصة وإن الإسلام شرط التعدد بالعدل وقال:(ولن تعدلوا بين النساء) وبالنسبة لقوله تعالى:(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) فالأمر هنا مباح ويجوز لعلماء الدين ولولي الأمر إذا رأوا ظلما في استعمال هذا المباح أن يقيدوه وهذا هو ما حدث في تونس بالنسبة لتعدد الزوجات وقد يكون هذا من الأمور الخلافية بين علماء المسلمين القدامى والمحدثين, لكن يجب أن ندرك أن لكل بيئة خصوصيتها ولكل فترة زمنية ظروفها الخاصة, والذي دفع تونس إلى تقييد هذا المباح هو ما تسلط من ضرر على كثير من النساء من جانب بعض الرجال غير الواعين بحكمة التعدد وما يجب له من عدل وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يبذل جهده من أجل العدل بين نسائه ثم يقول: (اللهم هذا قسمى فيما املك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك) فالرسول يطلب من الله ألا يؤاخذه أن مال قلبه إلى إحدى زوجاته فما بالنا بمن هو دون رسول الله في التقوى والوعي وتحمل المسئولية ومجاهدة النفس. قضية خلافية * لكن منع التعدد أثار الخلاف بين العلماء وأحدث ضررا وفتنة ولم يحقق المقصود منه فما ردكم على ذلك؟ ـ أنا لا أحب التوقف عند هذه القضية كثيرا ولا أشغل بالي بها لأنها تفرق العلماء وتمزق صفوفهم في حين هناك قضايا كثيرة أخرى يمكن أن نلتقي حولها وفي النهاية أقول ان الأمر اجتهاد ولكل اجتهاده فمن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد. نحن في تونس توصلنا إلى منع التعدد من منطلقات ونيات طيبة وفقا لظروفنا الخاصة ونحن لا نزعم لهذا الاجتهاد والتشريع البشري الكمال ولا نطالب بإلزام الآخرين به. وما النجاح الذي حققه قانون منع التعدد على مدار السنوات السابقة؟ ـ كثير من المشكلات الزوجية لم يعد لها وجود واختفى تسلط بعض الأزواج على زوجاتهم وقهرهن والقيام بحقوقهن وتشعر النساء الآن بالأمن والاستقرار وهناك سيدات تزوجن بالتعدد قبل صدور القانون وهناك أخريات تزوجن بعد منع التعدد وأظن أن الحكم العادل على قانون منع التعدد هو لهؤلاء النسوة. القاهرة البيان ضياء الدين أحمد

Email