حقوق الانسان والتحولات السياسية من جوتسبورج الى البوسنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كارلا هيس, احدى محرري هذا الكتاب هي استاذة التاريخ الاوروبي في جامعة كاليفورنيا. سبق لها ونشرت كتابا بعنوان: النشر والسياسات الثقافية في باريس الثورية . وروبيربوست, المحرر الآخر, هو استاذ القانون في مدرسة الدراسات العليا التابعة لجامعة كاليفورنيا. وهو مؤلف كتاب، ميادين القانون: الديمقراطية والامة والادارة . جوتسبرج التي تشكل المحطة الاولى في بحث هذا الكتاب بموضوع حقوق الانسان هي احدى المدن الامريكية الواقعة في ولاية بنسلفانيا. كان انصار الفيدرالية الامريكية حققوا فيها انتصارا كبيرا وحاسما على الجنوبيين من انصار الجنرال (لي) ما بين 1 و 3 يونيو من عام 1863؛ وذلك اثناء الحرب الانفصالية التي اراد بها الجنوبيون الانفصال عن الشمال الامريكي. وقد عرفت هذه المدينة فروقات كبيرة لحقوق الانسان ضد المهزومين. يساهم في هذا الكتاب عدد من الباحثين الامريكيين. وتتوزع مواده بين ثلاثة اقسام رئيسية يبحث الاول منها في مسألة (العقوبات) و (المسئوليات) في ميدان حقوق الانسان ويعنى الثاني بأشكال (المصالحة) بين حقوق الانسان هذه والقانون أما القسم الثالث فيخص آليات (خلق ثقافة قانونية واذا كان هذا الكتاب يدرس قضية (حقوق الانسان) في ابعادها التاريخية فانه يولي اهتمامه الرئيسي لهذه المسألة في فترة ما بعد نهاية الحرب الباردة. كما يحمل هذا الكتاب بعدا نظريا حول استراتيجيات واهداف حقوق الانسان؟ وحيث كانت الاولوية تعطى خلال السنوات الماضية لتأكيد الاعتراف الدولي بهذه الحقوق وتنفيذ الاتفاقيات التي تنص عليها من قبل جميع الحكومات والانظمة في العالم. لكن هذا لم يمنع واقع ان العالم يواجه تحديات خرق فادحة (لحقوق الانسان في عدد من المناطق مثل رواندة والبوسنة وهاييتي وكولومبيا. يوجد بين مجموع مساهمات هذا الكتاب موضوع واحد هو ضرورة ان لا تتجاهل المجتمعات التي عرفت القمع الخروقات الجدية التي عرفتها حقوق الانسان فيها؟ لكن كل مساهمة من هذه المساهمات عالج هذا الموضوع من زاوية مختلفة. هكذا يرى روبير ميستير, استاذ العلوم السياسية والدراسات الثانوية في جامعة كاليفورنيا, ومؤلف كتاب (الهوية السياسية) بأن اولئك الذين يخرقون حقوق الانسان في مرحلة معينة يحاولون فيما بعد الاقتراب من ضحاياهم (والتماهي معهم) . ويشير الى ان جنوب افريقيا تقدم مثالا واضحا عن مثل هذه الظاهرة اذ ان العديد من رجال الشرطة والجيش السابقين الذين كانوا ادوات مباشرة للقمع انشأوا منظمات هدفها حماية حقوق الانسان. ومثال آخر يشرحه (ميستير) بالتفصيل مأخوذ من تاريخ الولايات المتحدة الامريكية نفسها حيث كانت (الحرب الاهلية) الامريكية, بكل ما رافقها من اشكال لخرق حقوق الانسان, معبرة عن حالة فيها اكثر من مظهر واضح لممارسة العبودية الى حالة ليبرالية متطرفة؟ هذا الى جانب تأكيد الكاتب بأن الامريكيين لايزالون يحتفظون في ذاكرتهم الجماعية بصورة غير براقة اخلاقيا لماضيهم. كما ان الولايات المتحدة الامريكية قد بدأت عملية اعادة تركيب تاريخها عبر تجربة (الحرب الاهلية) الانتقالية. ويرى المؤلف بأن فترة (ما بعد الحرب الاهلية) , كانت بمثابة مرحلة بناء جديدة على قاعدة انتصار العدالة الذي مثلته المصالحة بين الشمال والجنوب كما مثلته ايضا عملية اعادة النظر بالدستور الامريكي. وكان الرئيس الامريكي السابق ابراهام لنكولن قد دعا الامريكيين, انطلاقا من اعمال العنف التي شهدتها مدينة (جوتسبورج) اثناء الحرب الاهلية الامريكية بين الشمال والجنوب إلى ان يضعوا دائما امام عيونهم ذكرى اولئك الضحايا الذين عاشوا تجربتي البودية والحرب الاهلية وبحيث تكون تلك (المعاناة التاريخية) قاعدة (لبداية جديدة) واصلاح (الاتحاد الامريكي) في سبيل تعميق مفهوم (الامة الامريكية) باختصار يرى الكاتب بأن عمق مسعى لنكولن كان يتمثل في محاولة ايجاد (نظام جديد) للاقطار السائدة بحيث تغدو حرية الانسان حقا (لايمكن المساس به) . ويحدد الكاتب علاقة امريكا بالعالم على اساس المقارنة بين (معاناة الماضي) و(هوية الحاضر) وبصيغة اخرى عبر الصيغة التي تمت فيها ترجمة (دروس الحرب الاهلية) في الدستور الراهن للولايات المتحدة الامريكية. ويتعرض أيضا ضمن نفس السياق الى دور الكنيسة في مصالحة الامريكيين مع تاريخهم وحيث كان اللجوء الى الكنيسة من قبل اعداد كبيرة منهم نوعا من (العلاج الذاتي) والبحث عن (الخلاص) بطريقة سلمية. ويجد المؤلف هذا البعد (الديني) ايضا في الحركة السلمية التي قادها المهاتي غاندي في الهند. من اجل حصول بلاده عن الاستقلال والتحرر من الاستعمار البريطاني. وبكل الاحوال يبقى الجزء الرئيسي للتحليلات التي يقدمها (روبير ميستير) في هذه المساهمة هو معرفة مدى ارتباط مغزى الحقوق, ومن بينها حقوق الانسان بالتاريخ وحيث تشكل العودة الى التاريخ بعداً عميقاً تتأسس عليه سلطة القانون. ان العديد من مساهمات هذا الكتاب تركز على دراسة دور الافراد في خرق حقوق الانسان في المجتمعات التي تخرج من معاناة قاسية. والمثالان اللذان يتكرران بصورة شبه دائمة هما يوغسلافيا (السابقة) ورواندة. فهذان البلدان قد شهدا دورات عنف متكررة كانت حقوق الانسان هي الغائب الأكبر فيها. وفي الحالتين تم استغلال المظالم التاريخية التي كانت الشعوب ضحيتها من اجل قمع هذه الشعوب نفسها من هنا يرى (اربيه نايير) مؤلف كتاب: (جرائم الحرب: العنف والمذابح والرعب والصراع من أجل العدالة) بأن البحث في مجال خرق حقوق الانسان يقتضي المرور بمرحلتين اساسيتين. الاولى هي مرحلة البحث عن الحقيقة ومعرفة طبيعة الجرائم المقترفة وهوية ضحايها وهوية اولئك الذين كانوا وراءها ولاتكفي في هذا المجال معرفة الحقيقة وانما المطلوب ايضا الحصول على الاعتراف الرسمي بطبيعة العدوان الذي مارسته الدولة, أو الدول, التي تقف وراء الفاعلين. المرحلة الثانية هي فرض العقوبات بحيث يتحمل الفاعلين مسئولية افعالهم, ان نايير يركز في مساهمته التي تحمل عنوان: (اعادة التفكير بمفاهيم الحقيقة والعدالة والعدوان بعد البوسنة ورواندة) على تحليل الاسس التاريخية والانسانية لـ (مطلب العدالة) . كما يدرس ضمن نفس الاطار التداخل بين مسئوليات الدول (البيرقراطية) ومسئوليات الافراد في ميدان الجرائم الكبرى ضد الانسانية ويرى بأن الادانة العامة والشاملة لخرق حقوق الانسان وفرض العقوبات على فاعليها لايشكل مجرد عملية تأكيد للقوانين التي تفرض العقوبات على من يعتدي على حقوق الانسان, وانما ايضا هي تأكيد لـ (فكرة القوانين) نفسها, من هنا تأتي اهمية تقوية وتعزيز دور المحاكم الدولية العليا المختصة بجرائم الحرب التي يمثل ما جرى في رواندة والبوسنة منذ مطلع التسعينيات النماذج التي تجسدها, هناك نموذج آخر تتم دراسته في هذا الكتاب ولكن من زاوية اخرى هي (حقوق الانسان من خلال تجربة انتقال هاييتي الى الديمقراطية) . الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب تحتوي على رؤية (تاريخية) لمفهوم حقوق الانسان خلال الألفية المنصرمة. ويتم التركيز بشكل خاص على مدى التقدم الكبير الذي شهدته نهاية هذا القرن (الأخير) قبل دخول ألفية جديدة وحيث ان حقوق الانسان قد فرضت نفسها كأحد (معطيات) القانون الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بشكل خاص. هكذا قررت الامم المتحدة بعد سنوات من النقاش انشاء محاكم مختصة لمكافحة جرائم الحرب وقد تعرّض عدد من المساهمين في دراسات هذا الكتاب لتحليل المغزى التاريخي والقانوني والانساني لقيام المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة, هذا على الرغم من محدودية امكانيات تنفيذ الاحكام الصادرة عنها لكن هذا لا يمنع واقع ان مثل هذه المحكمة تشكل خطوة على طريق تثبيت اسس (قانون جنائي) دولي خاص نجرق حقوق الانسان. الميزة الاساسية لهذا الكتاب قد تتمثل في جمعه بين البعدين القانوني والفلسفي, اللذين تطور على أساسهما مفهوم حقوق الانسان عبر التاريخ وعلى ارض الواقع السياسي العالمي. الكتاب: حقوق الانسان والتحولات السياسية: من جوتسبورج الى البوسنة تحرير: كارل هيس روبير بوست الناشر: زون بوك نيويورك ـ 1999 الصفحات: 344 صفحة من القطع المتوسط

Email