من الواقع ،فرنسا والعرب الثابت والمتغير،2، بقلم محمد خليفه

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد اساء جوسبان اختيار التوقيت المناسب لتمرير قناعته وتأكيد حساباته الاستراتيجية للمرحلة السياسية المقبلة في حياة فرنسا الداخلية, فالتشكيل الداخلي الفرنسي يقوم أساسا وأصلا على منافسة ضمنية بين شيراك وجوسبان, لاعتبار الاول واجهة لليمين, واليمين الديجولي تحديدا, ولاعتبار الثاني ايضا واجهة لمجموع اليسار مجتمعا في فرنسا , وبين شيراك وجوسبان حتمية التعاون واجبارية تبادل الادوار لان تلك ارادة الصناديق. وقبل ذلك هي ارادة الديمقراطية الفرنسية بوصول اليسار الى مقاليد رئاسة الحكومة بعد تحصيل اغلبية برلمانية في انتخابات نيابية قررها في وقت طارىء وعاجل جاك شيراك وأدت به الى خسارة حلفاء اليمين في البرلمان بعد اكتساح واضح من قبل اليسار للنتائج وللانتخابات. وحتى وان قال متطرفو اليمين الفرنسي ان المسألة لا تتعدى تكتيك اغراق اليسار وجوسبان تحديدا في ملفات اقتصادية معقدة وأولها ملف البطالة الثقيل في الواقع الفرنسي بأربعة مليون عاطل فالهدف هو اغراق اليسار في مواجهة شارع غاضب من قلة فرص العمل ومنه ازمة ضرائب على الدخول متجددة الارتفاع, ليخسر بذلك اليمين تحالف (شيراك جوبيه) ويخسر جوبيه بريقه السياسي ليعود مضطرا الى مسقط رأسه (بوردو) لرئاسة المجلس النيابي البلدي في انتظارهدوء العاصفة. على مثل هذه الانقاض جاء جوسبان الى رئاسة الحكومة ومن هذا المنطلق بنيت علاقته مع شيراك داخل الصراع الهادىء, وجوسبان قدم نفسه للفرنسيين على انه المالك الاوحد لمفاتيح صناعة واقع اقتصادي جديد في باريس وضواحيها, الا ان ما اعتقده حوسبان انه كفيل بصناعة الفارق بينه وبين شيراك, اعاده الى الوراء للاسف الشديد ولم يضف جديدا الى رصيده باتجاه الامام. فالدوائر الامريكية واليهودية تعيش حالة خصومة مع شيراك لاعتبار ميولاته العربية وتعاطفه المعلن اخيرا مع الاسلام ودعوته الى الجعل منه الديانة الاولى في فرنسا, بالاضافة الى دعوة شيراك الصريحة دبلوماسيا الى ضرورة تقليص نفوذ امريكا وقراراتها على دول الاتحاد الاوروبي ومحاولة شيراك زعامة هذا التصور وهذا التيار, فجوسبان انطلق كالسهم الخارق من حيث اعتقد انه نقطة ضعف صديقه الخصم شيراك بالعمل على استمالة الطرف اليهودي كيفما كان موقعه داخل فرنسا وصولا به حتى الى امريكا, ولو كان ذلك طبعا على حساب مساحة نفوذ تقليدية لشيراك وللجمهورية الفرنسية والتقاليد الدبلوماسية الفرنسية, فالمهم هو تحقيق مكاسب في حملة انتخابية بدأت اصلا باعلان شيراك اجرائه انتخابات برلمانية مبكرة العام 98. ما لم يقدره جوسبان, هو غضب فرنسا اولا.. وان كان لا يكترث لغضب العرب لان فرنسا وفي كل الحالات تكفيها الخسارات الدبلوماسية داخل اوروبا وفي افريقيا وكيف لها بخسارات جديدة في بقايا منطقة نفوذ اسمها الشرق الاوسط.

Email