العنوان أبعاده ومدلولاته، هل تكفي العناوين وحدها لقراءة النص الأدبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

العنوان الجميل هو القائد الحقيقي للنص.. وعبره نضع أيدينا على الخاصية الأولى للعمل وهي التمهيد للدخول إلى عالمية النص.. ولكن هذا التمهيد بدوره لا ينفي خصوصية العنوان وقدرته على التفاعل.. لا كجزء من النص.. ولكن كنص نوعي مستقل.. له أشكاله و وظائفه وطموحاته التي يسعى لتحقيقها . هذه عامة بعض الأفكار عن العنوان وعلاقته بالنص الأدبي حيث أن لكل منهما جمالياته الخاصة. خصوصية العنوان والمتتبع لحركة النقد يلاحظ بسهولة مدى ما نعانيه من قصور فيما يتعلق بمفهوم العنوان وعلاقاته النصية. سواء على المستوى التنظيرى أو التطبيقي. ولم يتم التمييز بعد بين العنوان والنص ـ أو العمل ـ ذاته.. على الرغم من أن كليهما يمثل وجودا خاصا. وهو ما يعبر عنه د. فكري الجزار في دراسته عن (العنوان وسيموطيقا الاتصال الأدبي) فيقول: ان المرسل (الكاتب أو فاعل النص) له مقاصد من العنونة تختلف جذريا عن مقاصده على التأثير ـ وربما يمكن إضافة العلم الاقتصادي (التسويقي) إلى هذين النوعين من العوامل. فالعنوان إذن كيان مستقل أو هو (نص نوعي) لابد أن نميز بينه وبين العمل ككل عند التناول النقدي. لكن هذا يدعونا إلى الوقوف طويلا أمام مفهوم العنوان وخصائصه ومدلولاته. وتلك الوظائف والأهداف التي يطمح إلى تحقيقها. إشكالية الأنواع.. في ظل احتياجنا إلى تحديد الأنواع و الأشكال التي يظهر بها العنوان أو تلك الوظائف التي يؤديها (طائعا أو مجبرا) فنلقي الضوء على ما يقوله د.جمال الجزيري)عن هذه الأنواع:انه قد تلخصت الرؤى النقدية في تحديد نوعين أساسيين من العناوين هما العناوين المضمونة والشكلية. و بالنسبة لتلك العناوين المضمونية فليس ضروريا أن تتعلق بالمضمون مباشرة لكي يمكننا اعتبار كل ما يقع داخل النص(المحتوى)و ليس مضمونا يمكن اعتباره على علاقة تجريبية أو رمزية مع المضمون. و عن العناوين فهي تتجلى في عدة مظاهر و كل جانب منها يستدعي تحليلا دلاليا منفردا.و هنا يلعب تأويل النص دورا كبيرا في إدراكها.. كذلك فإن التصنيف قد يساعدنا على القيام بوضع فواصل بين عناوين الأعمال المختلفة ويمكننا القول ان هناك عدة أنواع منها: عناوين حرفيه تحدد المضمون الرئيسي للعمل بطريقة مباشرة لا يشوبها أي التواء.. و هناك عناوين ترتبط عن طريق المجاز المرسل بموضوع فرعي داخل النص.أي أنها ترتبط بالنص ارتباطا هامشيا.. و لقد امتدح (لسنج) أفلاطون لأنه غا لبا ما كان يأخذ عناوينه من(حالات أقل أهميه) و هناك نوع ثالث من العناوين ذو طبيعة رمزية و هو النوع الاستعاري كما أنه يوجد نوع أخذ يستخدم قلب المعنى أو السخرية. فنجد مثلا إحدى روايات(زولا)بعنوان (بهجة الحياة) وهي في الوقت نفسه من أقتم رواياته.و فسر هذا العنوا ن بأنه حين أراد عنوانا مباشرا وحادا كان (ألم الحياة) لكنه قدر أن يقلب المعنى وجعله بهجة الحياة.. ويرجع سبب ذلك إلى الدلالة على الغياب المستفز للملائمة المضمونية. وهذه النوعية تندرج تحتها معظم العناوين السريالية. وبعد هذا التصنيف لابد أن نعي أن العلاقة بين العنوان والمضمون يمكن أن تكون غامضة وقابلة للتأويلات المختلفة. يمكن أن ينتج ذلك الغموض من صيغة العنوان ذاته. عندما توجد كلمة أو أكثر ذات معان أو مدلولات مختلفة. ومن عوامل الغموض أيضا أن يتخذ العمل عنوانه من عمل ثانوي بداخله.. لدرجة أننا لا نستطيع ان نحدد ما إذا كان العنوان يشير إلى العالم المتخيل أو إلى العمل الثانوي. الاستخدام الشكلي هذا بالنسبة للعناوين المضمونية.. أما بالنسبة للنوع الآخر.. فيقول د. جمال الجزيري. ان العناوين الشكلية هي المسيطرة على الساحة الإبداعية حاليا ولكن يجب ألا ننسى أن الاستخدام الكلاسيكي للعناوين الشكلية يختلف تماما عن استخدامها الحالي بل قد يكون مناقضا له وخاصة في الشعر. وهذه العناوين الشكلية لها العديد من المدلولات والطموحات التي تحققها من خلال التأثير في القارىء واتجاهاته تبعا لما يريده المرسل أو (فاعل النص) وتختلف بالطبع من عمل لآخر. شرعية الاختلاط ومن الاشياء المطلوب اداركها هنا العناوين المختلطة أي التي تشتمل على عنصر شكلي (ويكون نوعيا في الغالب الأعم) وعنصر مضمونين منفصلين عن بعضهما بطريقة واضحة. كل العناوين من هذا النوع تبدأ بتحديد النوع وبالتالي النص.. ثم تشرع في تحديد المضمون. وهذه الصيغة الكلاسيكية أساسا.. والواضحة تماما كانت تستخدم في الأعمال النظرية على وجه الخصوص. لكنها انتقلت بشكل مقتضب إلى الأعمال الإبداعية أيضا لأغراض أخرى. وظائف العنوان أما إذا تركنا هذا التصنيف لأنواع العناوين ودخلنا إلى جدل آخر حول وظائف العنونة. فيتابع د. جمال الجزيري ويقول ان (بيدارجينت) قد رتب قائمة بوظائف العنوان.. أولها: وظيفة التحديد أو التعيين.. وهي الوظيفة الوحيدة الإلزامية في الممارسة والعنونة الأدبية. ورغم ذلك فلا يمكن فصلها عن الوظائف الأخرى. وهذه الوظيفة قد تحوي على عناوين ضمنية أو شكلية أو مختلطة ـ كما ذكرنا ـ وذلك حسب اختيار المرسل للسمات الحاملة لهذا الوصف الجزئي وبالتالي الانتقائي. وأيضا حسب تأويل المتلقي الذي غالبا ما يبني تأويله على تخمين دوافع المرسل أو بالأحرى المؤلف. ومع أن هذه الوظيفة اختيارية.. لكنها حتمية في الواقع.. فيقول إيكو: (العنوان للأسف مفتاح تأويلي سلفا. فلا يمكننا تجنب الإيحاءات التي يولدها هذا العنوان). وكما نرى فالوظيفة القادمة هي الوظيفة الإيجابية والتي ترتبط بالشكل الإرادي أو اللاإرادي.. وتبدو هذه الوظيفة ـ أيضا ـ حتمية. لأن كل عنوان ـ مثل أي متلفظ بشكل عام ـ له طريقة وجوده أو بالأحرى أسلوبه وكلما كان بسيطا كلما فقد قدرته على الإيحاء. ولكن من الخطأ أن نطلق اسم وظيفة على فعلا ليس قصديا على الدوام.. لذلك يفضل أن نتكلم هنا عن القيمة الإيحائية وليس الوظيفة الإيحائية. أما الوظيفة الأخيرة وهي التي يطلق عليها (الأغرائية). فهي وظيفة مشكوك في فاعليتها. وعندما تكون هذه الوظيفة موجودة فإنها تعتمد بالطبع على الوظيفة السابقة ـ الإيحائية ـ أكثر من اعتمادها على أي من الوظائف الأخرى. أما عندما تكون غائبة فهذا أمر آخر.. ومن الأفضل أن نفترض أنها موجودة دائما لكنها يمكن أن تكون ذات أثر إيجابي أو سلبي أو ليس لها أثر على الإطلاق.. حسب المتلقين الذين لا يتطابقون دائما مع الفكرة التي يكونها المرسل عنهم.. نظرية العنوان وبعد هذه الوقفة التفصيلية أمام أنواع ووظائف العنوان لابد أن نتساءل عن كيفية عمل العنوان أو بمعنى آخر شكل العلاقة بين العنوان وبين النص.. وهذا ما يحدده د. فكري الجزار بأنه إذا كان النص (العمل) بعلاماته اللغوية المتعددة وقواعد تركيبه المتنوعة.. يعتبر من جهة إنتاجية عدد علاماته.. يمكن اعتباره بمثابة عمل نوعي.. ينبغي أن يكون له نظرية تضيء جوانبه وأبعاده ومنهج قادر على تحليل بنائه. وهذه النظرية في (العنوان) يجب أن تتأسس في ضوء المفارقة التي تطرحها مقارنته بعمله. وتتجلى في أن العنوان ـ مقارنا بما يعنونه ـ شديد الفقر على مستوى الدلائل. وأكثر غنى منه على مستوى الدلالة. وهذه العلاقة العكسية تعود إلى طبيعة اللغة عموما.. سواء كانت تلفظا أو كتابة.. والتي تنزع إلى أن تحقق أقصى قدر من الاقتصادي الدلالي في العنوان.. طموح الكتابة وبعيدا عن الدخول في عمق التنظيرات للعنوان ـ والتي لا يتسع المجال لها ـ بالإضافة إلى أن طموحنا يشهد في إثارة النقد النظري والتطبيقي للتعامل بشكل مخالف للسائد مع العنوان باعتباره قيمة نصية له خصوصيته.. وباعتباره مكونا أساسيا لا يمكن التعامل مع النصوص دونما تحليل له ولوظائفه ومبررات وجوده. أما على الصعيد الآخر.. فهل يمكن أن نطالب المبدعين بقدر أكبر من التعامل الواعي مع العنوان حيث يفتقد العديد من الأعمال والنصوص إلى استخدام فني وإبداعي للعنوان. وتكتفي غالبا بالعناوين التقريرية أو تلك التي تقوم بالتلخيص ليس أكثر.. ونحن هنا نبدأ وننهي الكلام بمقولة (إيكو) عن العنوان (بأنه يجب أن يشوش الأفكار. لا أن يحشوها).

Email