استراحة البيان، امرأة من هذا العصر! يكتبها اليوم: محفوظ عبد الرحمن

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألقيت نظرة على الجريدة, فتوقفت وأنا لا أصدق, فعلى الصفحة الأولى صورة(سرسوعة الحلبسة),وهو اسم كوميدي اخترناه في أيام الصبا لابنة الجيران المزعجة. عدلت نظارة القراءة و تفحصت الصورة فإذا هي فعلا صورة(سرسوعة)غيرت النظارة, وذكرت نفسي أنني أريد تعديل النظارات . وتذكرت خادما كان ينظر إلى المكتبة غاضبا ويقول لي: طبعا مادامت هنا كل هذه الكتب فلابد أن (تلحس نظرك) ! ولكن بعد طول تفحص اكتشفت أن الصورة التي تتوسط الصفحة الأولى في كل الجرائد اليومية كانت صور ة (سرسوعة الحلبسة) ابنة الجيران التي كانت موضوع سخرية سكان الشارع. فلقد كانت صبية قبيحة, شعرها قصير جدا وكان حديث الجميع, وعندما وصلت إلى الجامعة لم يكن شعرها أطول من بوصة, ولذلك اضطرت لان تلبس (باروكة) وللأسف كان هذ ا من أسباب سخرية الآخرين منها. ولا أظن أنني عرفت فتاة في طموح (سرسوعة) . كانت تريد كل شيء. وعندما بدأت في نشر بعض القصص القصيرة في الصحف والمجلات, أتت إلي وفي يدها كراس وقلم, و قالت لي: علمني كتابة القصص! ولما قلت لها أن الكتابة الأدبية ليست من الأشياء التي يستطيع أحد أن يعلمها أو يتعلمها. غضبت وخاصمتني فترة. وعندما سمعت عن مسابقة لملكة جمال, أرادت أن تتقدم لها. وطلبت مني أن أتوسط لدى أبيها لكي يوافق, فلقد كان أبوها موظفا صغيرا جدا من أقصى الصعيد, وكنا جيراناً ونحن في وسط الصعيد. ولقد أعتذر الجميع عن مفاتحة الأب في مثل هذا الكلام. وقالت جارة لنا: لو أنني كلمت أمها في شيء كهذا لاعتقدت أنني أسخر منها! ولكن (سرسوعة) لم تيأس, فدخلت المسابقة باسم مستعار. وبالطبع لم تنجح. ولكنها لم تقبل النتيجة وقامت بحملة على المسابقة, ورفعت قضية تطالب بحقها في أن تكون ملكة جمال. ولحسن الحظ نسى الجميع هذه القصة ربما لأنها كانت باسم مستعار ولكن (سرسوعة) تحتفظ بملف من صور باهتة تشير إلى اشتراكها في مسابقة ملكة الجمال. واعترف أننا ظلمنا (سرسوعة) عندما وصفناها بالقبح. وأن هذا يندرج تحت الأفكار الثابتة. إذ أنها عندما دخلت الجامعة بدأ شكلها يتغير, وظهر عليها جمال شرقي أفسده شعرها القبيح وملابسها الفقيرة. ولكن جمالها الخفي هذا لفت نظر شاب كان قد تخرج منذ وقت طويل. وأحبها الشاب, وطلب الزواج منها. وكانت فرصة العمر للفتاة. وكانت في قمة البهجة . و لسعادتها أضافت كل الصفات الجميلة على خطيبها. وحاولت إقناعنا أنه شاعر عظيم وبطل ملاكمة, ومشروع مخرج سينمائي. ولكنها ليلة الزفاف وكنا جيرانا بكت وقالت انها لا تريد أن تتزوجه, ولما سألناها السبب, قالت بعد تمنع أنها شاهدته ذات مرة وهو يبكي, وأنها لا تعترف بضعف الرجال. ومع ذلك تزوجته, وبعد ذلك كانت تظهر في كل مكان. تحضر جميع الندوات السياسية والأدبية . وتعمل بعد الظهر. وفي مكان آخر تعمل في المساء. ولكن لما تغير الزمن تألقت (سرسوعة الحلبسة) . كان هدفها في البداية كما وضح من أشياء كثيرة هو الثراء, ولذلك تدخلت في كل عمل أو مشروع يأتي بالمال. ومازلت أعاني من صديق يطلب مني خلال سنين طويلة ماله الذي أخذته (سرسوعة) . إذ دخل معها في مشروع على أن يكون الربح مناصفة, ولأنها كانت هي التي تستلم المال, حجزت لنفسها نصف الربح , ولكن صديقي يقول انها لم تحسب التكاليف. ونصف الربح الثاني أقل من تكاليف الإنتاج . لذلك كسبت هي نصف الأرباح . وخسر هو كل الأرباح وأكثر. و عملت سرسوعة مع أحد كبار رجال الأعمال واستولت على شركته. وفي تلك الفترة قالت هي نفسها لي قصة لا تكاد تصدق. فلقد كانت هناك خلافات حول ملكية فندق, ولأنها تبحث عن فرصة انتمت إلى أحد الفريقين, ولسوء الحظ كان الفريق الذي لا يحتل الفندق. وعرفت أو عرفوا أن بالفندق وثائق تثبت حق الفريق الذي تنتمي إليه . وأدركت (سرسوعة) أنها لو حصلت على صورة من هذه الوثائق ستحصل بالتالي على عدة ملايين من فريقها. وكانت أن أصبحت الآن سيدة جميلة ترتدي أفخر الثياب, وباروكة شعرها من أحسن الأنواع , حتى انها تتباهى بشعرها أمام الناس, وذهبت إلى الفندق واستأجرت جناحا. وفي الليل تسللت من الجناح ألقيت الإدارة حيث فتحت الأبواب بمفاتيح مصطنعة, ووصلت إلى الوثائق أو ما توهمت انه الوثائق. ولما كانت خطتها تعتمد على أسلوب جيمس بوند فلقد أخرجت من حقيبة يدها كاميرا صغيرة وأخذت تصور الوثائق. ولم تتخيل أن خطتها من الممكن أن تتعثر. فلقد رأتها كثيرا في السينما وكانت دائما ناجحة. ولكن موظفي الفندق أحسوا بالاقتحام. ففوجئت (سرسوعة) بهم حولها وهي تصور الوثائق. وأمسكوا بها. وطلبوا صاحب الفندق الذي أسرع إلى المكان. وكان من الطبيعي أن يطلبوا الشرطة. ولكن صاحب الفندق رفض الفكرة, ربما لأنه أدرك أن كشف أمر الوثائق ليس في صالحه. ولما اطمأن إلى أنه لم يفقد شيئا أسر إلى موظفيه حديثا هامسا وترك المكان. وقادها موظفو الأمن إلى قاعة الأفراح . حيث رفعوا صوت الموسيقى ثم تناوبوا على ضربها حتى أصبحت عاجزة عن السير. فحملوها إلى سيارتها حيث قادت السيارة بعد وقت, وبصعوبة بالغة. ولما قلت لها مازحا: ماذا لو كان عقابهم بطريقة أخرى؟! ضحكت ضحكتها التي أكسبتها اسم الشهرة وقالت: كنت معتمدة على هذا .. ولكن أولاد الايه ضربوني! وكانت قد تخلت بين ما تخلت عنه الأخلاق التي كانت شيئا مقدسا أيام جيرة الصعيد. والذين تابعوا ذلك ضربوا كفا بكف وقالوا ان زواجها على كف عفريت. وان زوجها لابد أن يعرف حتى لو كان الزوج آخر من يعرف, وإذا عرف فلابد أن ينتهي الزواج. ولكنها كانت قادرة على السيطرة على زوجها الذي يشغل منصبا هاما بحكم الأقدمية . وخلال سنوات طويلة تحولت الفتاة القبيحة قصيرة الشعر ذات الفستان الواحد إلى امرأة أعمال تملك الملايين. وذات مرة كلمتني وقالت ان الشركة التي تمتلكها وتمارس نشاط كذا شركة ناجحة وتدر أرباحا كبيرة, لكنها ملت العمل بها, وهي تريد أن تركز في نشاط آخر, ولذلك فهي حبا في قررت أن تبيع الشركة لي. وأطلقت ضحكة أكثر (سرسعة) من ضحكتها وقلت لها انني لا أملك من الثمن الذي حددته ولا واحد في الألف! فأبدت دهشتها لذلك وقالت: كيف وأنت موجود في السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة والصحف! قلت لها: الصيت ولا الغنى! ولكن يبدو أنني أثرت لديها شهوة جديدة, فأخذت تلح علي أن أعرضها بوسائل الإعلام , فكنت أفعل مرة وأتهرب مرات. واستطاعت أن تجد لاسمها أخباراً صغيرة. ثم بذكائها المتقد أدركت العصر الذي تعيشه, فكونت جمعية اشتركت فيها أسماء لا بأس بها وأعطتها اسما فخيما, لا أستطيع ذكره. ولكن لنقل انه (المركز العالمي للمعلومات الأساسية سياسيا واجتماعيا) ! ومن نشاط هذا المركز إعطاء شهادات تقدير لشخصيات عالمية. وليس أفضل في الشخصيات العالمية من الشخصيات المحلية, تضاف إلى رئيس سابق في أوروبا انحسرت عنه الأضواء . وهكذا فجأة رأيت (سرسوعة الحلبسة) على الصفحات الأولى وهي تسلم شهادة التقدير لرجال من المشاهير. وعندما طلبت (سرسوعة) استغرقنا في ضحك متواصل لما حدث, وأخذت تحكي لي كيف أن فلانا وما أفخم فلان هذا كاد يجثوا على ركبتيه ليتسلم الجائزة. وقلت لها انني أريد أن أسمع منها ما حدث لها خلال السنوات الأخيرة. ووعدتني أن تشرح لي كل شيء. لكن قبل إنهاء المكالمة استوقفتني وقالت لي بجد: أستعد سأقدم لك شهادة تقدير العام القادم! وأنهت المكالمة قبل أن تسمع الشتائم!

Email