الدورة التاسعة لأيام الشارقة المسرحية: ناجي الحاي يتخلص من اثقال المسرح في زكريا حبيبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل المؤلف والمخرج ناجي الحاي ظاهرة خاصة في الساحة المسرحية المحلية من حيث تناول اسلوبية معينة في الطرح المسرحي برزت خلالها اعماله المسرحية المؤلفة والمعدة والاخراجية ايضاً بنمط واضح المعالم, واصطبغت اعماله وشخصياته بصبغة واحدة معروفة وكأنك حينما تدخل لترى العرض وبدون أن تقرأ اسم المؤلف او المخرج تدرك من الاسلوب انها لمخرج واحد هو ناجي . هذه الظاهرة يتفق عليها اغلب مسرحي الامارات وهم يتجاوبون مع أعمال هذا الشاب الذي دخل المسرح من باب التمثيل ثم ولج الى عالم الكتابة والاخراج مستفيداً من ثقافته المسرحية التي صقلها بتجارب طويلة. يأتي ناجي الحاي الى الدورة التاسعة لايام الشارقة المسرحية هذا العام بمسرحية (زكريا حبيبي) تأليفاً واخراجاً مستنداً على بطليه هدى الخطيب التي شاركته في مجموعة من الاعمال المسرحية وبطله الآخر احمد الانصاري صاحب التجربة الطويلة في التمثيل والاخراج ايضاً. في مسرحية (زكريا حبيبي) التي قدمها مسرح دبي الاهلي امس, اشترك الثلاثي في سيمفونية رقيقة, يؤكد فيها المؤلف ناجي الحاي تناوله الدائم لما يختلج في اعماق النفس الانسانية, شخصياته التي يأتي بها من الشارع, تلك الشخصيات العادية والبسيطة والتي تمر من امامنا دون ان نلتفت اليها.. يأتي بها ناجي لتكشف لنا عن اعماقها الغائرة, ولنكتشف ان هذه الشخصية البسيطة يكتنزها بركان هائل من الاحاسيس والمشاعر والتوتر الداخلي.. في مسرحيات عديدة فعل ناجي الحاي الشيء نفسه مع شخصياته, وهكذا ايضاً في (زكريا حبيبي) موضوع سهل وواقع مكشوف وواضح, لكن الاضاءة التي يريدنا ناجي الحاي ان نركز بصرنا واحساسنا اليها هي بقعة الضوء الاخيرة والتي يظهر فيها شخصياته من دنس الحياة.. هذه البقعة دائماً تأتي في نهاية المطاف.. وكأنه كمؤلف يفعل عكس المؤلفين.. تتعرى الشخصيات وتنكشف اسرارها نتعاطف معها, ثم نكرهها, نتعارض معها في الافعال والاقوال ننبذها.. ولكنه في الاخير يرمي بقعة الضوء عليها ويطهرها تماماً وكأنه يقول دعونا نتصالح الآن. في (زكريا حبيبي) يقدم ناجي المؤلف زكريا المتقاعد من العمل والذي يجتر امجاد شبابه واحلامه البائدة, الرجل العقيم الذي اخفى عقمه عن زوجته, الرجل الذي كذب على زوجته الاولى وتزوج من اخرى ثم طلقها.. ويقدم لنا زلوخ العجوز المريضة في بصرها والتي حرمت من الامومة برغبتها.. صراع عقيم بين عجوز متقاعد وزوجة شمطاء تكره رواياته عن امجاده السابقة وتعتبره نصف رجل.. الى اين سيأخذنا ناجي في الجدل الذي ينشأ بين هاتين الشخصيتين, هكذا تسأل نفسك في الربع الاول من العرض, ولكن سرعان ما تعود للغوص معه في اعماق زكريا الذي يبحث عن ابوته وزلوخ التي تبحث عن امومتها .. عجوزان في جحيم الوحدة والصمت.. سأموت وحدي هكذا يقول زكريا.. وفي عمق المسرح سوف يقف الاثنان وكأنهما يعترفان انهما وصلا الى النهاية سيموتان وحدهما.. بلا ذكرى.. عند هذا المفصل يقرر ناجي الحاي المؤلف ان يسخر كثيراً من النفس الانسانية, ها هو زكريا يكتشف ان قلبه ينبض بالحب, وها هي زلوخ تشعر بوجوده.. الاثنان تاها في الحياة ونسيا انهما بجانب بعضهما البعض.. هكذا يطهرهما بالحب من الموت.. اما ناجي الحاي المخرج فإنه يمضي في مشروعه الذي طالما تحدث عنه في مناسبات عديدة انه يحاول ان يتخلص من اثقال الحركة والاكسسوار والديكور والاضاءة جسد الممثل وتوتره الداخلي هما المفصل, حركة منفعلة من ممثل.. يميل الكرسي للسقوط لكنه لا يسقط, ايماءة مؤكدة في مكان ما .. من الحوار ولا ايماءة بعد ذلك.. ويلهث ناجي خلف الاختزال والتكثيف وهو ما يعتمده المسرح الحديث وتجاربه على الممثل وشحذ الجسد.. ناجي الحاي في زكريا حبيبي يؤكد شيئاً هاماً على صعيده الشخصي وهو اصراره على بحثه وورشته الطويلة والتي قد تستغرق سنوات طويلة, لكن في نهاية المطاف نعتقد انه وضع لنفسه اسلوباً منفرداً وناياً خاصاً يعزف عليه باتجاه خبايا النفس البشرية.

Email