البيان تلتقي مع اسرة الكواسر، فانتازيا واقعية وصدق عال في الأداء

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتمد انزور على المزج بين المسرح والتلفزيون وتجلى هذا واضحاً في مشهد تعرف الكاسر على أمه حيث جرت الاحداث وراء ظهر ابن الرومية وكأنه يخبر بذلك احدى حكاياه . اصبح مكان تصوير المسلسل قرية متكاملة بمسمى (الكواسر) كنوع من اعادة بناء ذاكرة التلفزيون وقد تغدو قرية سياحية, ويذكر ان تكلفة المسلسل بلغت 600 الف دولار امريكي. الحالة الشعبية المتابعة لمسلسل (الكواسر) الذي عرض على شاشة دبي الفضائية خلال شهر رمضان الفائت واخرجه نجدت اسماعيل انزور, اعادت الى الواجهة الوقفة التي لم تغب اصلاً مع تطور الدراما السورية وكرست جمالية المشهد التلفزيوني وظل انزور احد الاعمدة الاساسية فيها مع بروز مخرجين آخرين حققوا اضافتهم الشخصية, ولان العمل متكامل ونجاحه يدين لعدة اطراف, حاورت (البيان) المخرج وكلاً من سوزان نجم الدين وسلوم حداد ورشيد عساف في لقاء جمعهم بدبي. علاقة المخرج مع النص من وجهة نظر أنزور يجب ألاّ تأخذ حيزا أكبر من اللازم اعلامياً فالتغيير في النص حالة ضرورية لأن الكلام ينتقل لغة بصرية على الشاشة اي كتابة من نوع آخر, حيث يقرأ المخرج ما بين السطور ويكون لديه رؤية مفتوحة لجهة ترتيب المشاهد والعلاقات بين الشخصيات, وفي وضع (الكواسر) اعاد هاني السعدي كتابة بعض المشاهد لتطويرها (فأنا في النهاية لا أؤلف حواراً وكذا الممثل وان كنا ساهمنا في طرح افتراضية مشاهد جديدة ولا أجد ضيرا في حق المخرج برؤيته الخاصة الطبيعية) . * ماهو تأثير شركة الانتاج وشروطها على موضوع تطويل مدة مسلسل الكواسر؟ ـ لا تأثير لشركة الانتاج والتطويل لا يكون سلبيا دائما اذا ما بقي جزئيا وحافظ على روحية العمل وسياقه العام, وهو في الاساس الخوف من الخسارة لهذا يغدو وارداً بل ضروريا في احيان والنجاح ينفيه, ولسنا كالمسلسلات التي تعيش حالة الاطالة على مدى 29 حلقة. ومحاولات التحسين لاتعني المستوى الفكري فقط انما على صعيد الزمن والجدة. ومانراه على التلفزيون نتاج لتراكم التجربة. التقدم في الاعمال الدرامية يقلل المساوىء والسلبيات وهناك معايير شخصية تصنع بعيدا عن موضوع السيطرة والتوجيه المباشر. وهنا اعتبر عساف ان الاطالة سادت حتى عند القطاع العام وليس فقط الشركات الانتاجية الخاصة بحكم معادلة السوق والربح والخسارة. الجديد ضروري ولدى انزور قناعة بأهمية ادخال الوجوه الجديدة باستمرار وهي حال لم يشذ (الكواسر) عن قاعدتها لاعتقاده بمطلب هام قاض برفد الحركة الفنية بوجوه مماثلة لأن النجومية لا تستمر دوماً. وهو يستعين بالموهوبين ويتعاون مع كل فنان عربي فلا يتوقف عند هويته القطرية, وساق امثلة على تعاونه مع اللبنانيين فنانيهم وفنييهم وعندما طلب اليه عمل فيلم وثائقي خاص في السعودية قصد مصر خصيصا لتكون الموسيقى التصويرية للفنان عمر خيرت نافيا بذلك الاتهامات التي تلوح في الافق بعض المرات عن تعصبه للحضور السوري. * هل يعتبر مسلسل (الكواسر) نوعاً من السلوك التعويضي عن الحالة العربية الراهنة؟ ـ الفنان لن يكون بمقدوره تحرير الارض المحتلة على سبيل المثال وهو ليس رجلاً سياسياً غير ان احدى وظائفه تسليط الضوء والتنوير عبر الفن على الثغرات والمشاكل الماثلة امامه في المجتمع والوطن, وفي عملنا شعرنا بأهمية طرح موضوعات على تماس مع الحالة العربية واضفنا لها جرعة تفاؤل. ولدينا مقولة نحملها للعمل منذ الجزء الاول في (الجوارح) وتتلخص في تفتت الاسرة العربية التي اخترنا عائلة ابن الوهاج لرصدها, هذا الرجل الأب الذي راهن وذهب في رهانه الى أبعد الحدود ليقول ان احتمال بقائه قوياً دون قوة اولاده الثلاثة. فانتازيا واقعية ورفض انزور بشدة ما يحكى عن ان المسلسل نوع من الفانتازيا التاريخية معتبراً ان واقعنا الحالي اغرب منها وسماه فانتازيا واقعية جرّب تقريبها الى الناس وما انتقاء الاطار التاريخي وطبيعة الملابس الا ضرب في التشكيل لاحداث واقعية ومستقبلية. وبرأيه ان الناظر الى الوراء يتعب, أليس لدينا قدوة سوى في تاريخنا المنقضي؟ حتى نحن يمكننا ان نغدو قدوة في نشاطاتنا الدرامية. * إلى أي حدّ يغرق الممثل في تقمصه لشخصيته ودوره وهل تصل الى الخلط مع الواقع؟ ـ أجاب سلوم حداد (شقيف) على هذا السؤال بالتركيز على نقطة الاحتراف في الفصل بين حالة التمثيل والحياة المعاشة.. فليس هناك ابداً شخصية بمثل شر وحدة ووضوح (شقيف) خاصة في ايامنا حيث تبدل المنظر العام للشرير الذي يمكنه ان يأتيك بأجمل صورة. وقال ان المفاتيح دوماً تنتقل في النص الى المخرج الذي يهتم بتفكيكها ويتلقفها الممثل لادائها لذلك غالباً ما اجريت نقاشات مع السعدي وانزور وبقية الزملاء حول شخصيتي في الكواسر. واعتقد ان الهاوي وحده يسقط في مشكلة الخلط واذا كان يقال عن تقمص احمد زكي كاملا لدور عبدالناصر فلأن الشخص له تأثيره على الواقع الحياتي وتمت معايشته عن قرب وله مكانه في الذاكرة الواقعية. ألف شخصية اما سوزان نجم الدين (سلافة) فأدت في دورها حالتين متناقضتين تماما الاولى مع (شقيف) حيث كانت انسانة غير عربية وبربرية همجية, والثانية مع (خالد) اصبحت بعدها النقيض الموازي وشددت على اللعب على الشكل والماكياج بطريقة جلية بين الفجاجة والهدوء مما ساعدها على الانتقال من الاولى الى الثانية مستمدة القدرة من تغيير المنظر معكوساً على الاداء والمضمون. ولا تقبل المجادلة في عدم الاقتناع بالنقلة النوعية لديها اذ انها حملت ــ كما تقول ـ في الشخصية الاولى بذور الثانية ولعبت دوراً محورياً في تحويل الكاسر الى الخير وانقاذه من شروره. وتضيف ان الفنان مطالب بالجديد وليس بالتكرار وعندي القدرة على اخراج الف شخصية جديدة. * ماذا عن اتهام انزور بالعصبية وهل لاحظت عليه تبدلاً منذ تعاونك الاول معه؟ ـ في المرحلة السابقة اعطى انزور اهمية كبرى للشكلانية واظنه الآن قد طور ادواته بطريقة ملحوظة وغدا ميالاً الى احداث توازن بين الدراما والشكل. وفيما يخص عصبيته اراها مطلوبة ولا تزعجني لانها تسهم في الامساك بالوقت والعمل فلست ارتاح مع مخرج يخرجك من الحالة لتستريح وتتسلى قبل ان تكمل. هنا تدخل نجدت انزور ليتحدث عن التقاط اللحظة ذات الحساسية العالية عند الممثل مؤكداً انه ما اعاد مشهداً في الكواسر الاّ بناء على رغبة الممثلين ذاتهم والذين لم يخضعوا لبروفات مسبقة. وعلق على شخصية سلافة بأنها واحدة من مئات مختبئة بين النساء العربيات. والتقى الممثلون الثلاثة على التأمل خيراً في المواهب الشابة الجديدة معتبرين ان بروز أي فنان جديد اضافة للحركة الدرامية العربية التي مازالت في المهد وفيها جيل واحد وليس أجيال. من الصدق الى العالمية سلوم حداد في معرض رده على سؤال عن (شقيف) ابدى خشيته من ألا يكون قد أضاف جديداً في الشر الذي هو فعل بشري مؤثر أكثر من الخير غير آبه بقضية الجماهيرية, واتبعه انزور بتعقيب اوضح فيه مدى الندية الفنية التي عاشها (شقيف) و(خالد) وفرضت نفسها حتى على المخرج تاركة لتعابير وجهيهما وجديتهما الحرية في تركيب المشهد. اذ اعتمد احياناً فقط على اللقطة القريبة التي كشفت عن صدق يوصل الى العالمية. في حين وجد عساف ان الشرط لاعطاء اقصى الموهبة هو المناخ العام متداخلا مع النص واجابه انزور معطياً (انطوني كوين) مثالاً في فيلمه (عمر المختار) حيث اعطي بيتاً خاصاً وكان يبلغ بكل هدوء واحترام عن مواعيد التصوير لأن نجاح الممثل يكسبه الرفاهية مؤملاً الوصول الى هذه النقطة عند ممثليه عندما يصبحون عالميين. سينما وسياسة * لقد خطت الدراما السورية خطواتها محققة طفرتها فأين السينما السورية وأين أنتم منها؟ ـ بادر عساف الى التأسف على وضع السينما العربية المضحك وقال ان مصر تعاني من ذلك ايضا غير ان عندها قدرة انتاجية وتسويقية, وكم انعكست الخلافات السياسية على فتح الاسواق امام الافلام العربية. وان افلامنا السورية جيدة لكنها غير جماهيرية. أردف انزور ان للتجربة السورية خصوصيتها حيث المخرج الشاب يأخذ فرصة وحيدة ولو سلمت السينما للقطاع الخاص لتحرك التسويق والتوزيع علماً ان انتاجا واحداً يحقق ارباحه القوية داخل سوريا وخارجها. واعرب عن رغبة حقيقية في اخراج عمل سينمائي وهو ما قام به بالفعل في (صباح الخير ديمقراطية) المتمحور حول قضايا معاصرة وتفاصيل حياتية داعياً الى انتاج فيلم جماهيري بعيد عن الايديولوجيا. وتطرق الى اختلاف النمطين السائدين في الدراما السورية والمصرية حيث الاولى تعتمد على جمالية المشهد والثانية على اذاعيته منتقداً الحوار الطويل الذي يرهق ومطالبا بابتكار اساليب غير تقليدية تصب جميعها في خانة تطوير الدراما العربية. وكشف عن ان (الجوارح) قد دبلج حاليا إلى عدة لغات عالمية ويرى ان (الموت القادم من الشرق) سيحظى باهتمام أكبر من الكواسر لدسامة المحتوى الفكري فيه مرجعاً مسألة تأخر اهتمام المشاهدين به في منطقة الخليج لظروف العرض وزحمة الدراما في شهر رمضان. واشار انزور في نهاية الجلسة الى أن الجزء اللاحق للكواسر والذي سيأتي بعنوان (البواسل) يلامس في نهايته بداية ظهور الاسلام. حوار ــ رندة العزير

Email