صناعة بدأت مع فجر التاريخ: 30كيلو من الجبنة سنويا لكل فرنسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في قلب منطقة (بري) الفرنسية يرفض بعض محبي الجبنة تناول جبنة (بري دي مو) الشهيرة قبل ان تصبح قاسية وسوداء بعد ستة أشهر على الأقل من صنعها, وآخرون يحبونها طازجة وطرية خارجة لتوها من المعمل ولا يزال قلبها اسفنجيا , وفرنسا ليست لها أنظمة لأكل الجبنة إنما الأصول والتقاليد يجب ان تتبع في صنعها, ولا يسمح للعمال والزوار الذين يرتدون المراييل البيضاء وأغطية الرأسة والأحذية وكأنهم أطباء في غرفة العمليات, بالدخول إلى غرف الانتاج في معمل فروماجري دي لا بري في باي قبل ان يغمسوا أحذيتهم البلاستيكية في مغطس مليء بسائل مطهر. الصورة هنا شبيهة بالمختبر, إلا ان لا شيء يجري يخالف التقاليد. وينتج المعمل جبنة بري وكولومبير وأنواعا أخرى من أجبان الحليب الخام (غير المطبوخ) منذ سنة 1939. ويقول مدير الانتاج في المعمل أرتور بالار ان الجبنة الفرنسية تنحدر من الأزمنة القديمة, ويضيف: نحن نعرف ان صناعة الجبنة في فرنسا بدأت مع الحضارة المسيحية, ولاحقا تابعها الرهبان في منطقة سافوا. ولكن في الحقيقة تعود صناعة الجبنة إلى فجر التاريخ. والحقيقة ان الجبنة هي طريقة لحفظ الحليب من التلف لأنه في الحقيقة أيضا الجبنة ما هي إلا الحليب, الكثير منه, وبالار يستعمل خمسة جالونات من الحليب لصنع قالب جبنة البري الواحدة من قياس 14 بوصة. تبقى الجبنة أسبوعا (واحدا في المعمل الذي يديره بالار حيث يحفظ الحليب الذي تدره الأبقار المحلية بدرجة الحرارة الطبيعية وتصب في مغاطس ضخمة تحتوي على عنصر تخثر خاص, وبعد ذلك يقوم (معلموا الجبنة بتكوين القوالب من كريات الحليب المخثر ويقلبونها ويملحونها ويضعونها في قاعة ذات درجة حرارة أدنى حيث تستقر في الأجواء المبردة أسبوعا آخر قبل نقلها إلى قاعة الانضاج لتبقى مدة تتراوح بين أربعة وثمانية أسابيع. بالنسبة لصانعي هذه الجبنة, المهنة هي طراز عيش وفن في آن واحد. بالار مولود في ايطاليا حولته رحلة إلى فرنسا قبل 27 سنة إلى هذه المهنة, حيث يقول ان فيروس الجبنة استحوذ عليّ , ثمة تاريخ طويل وراءها وقد أصبحت الأبحاث شغلي الشاغل. ان الجبنة هي قصة حب. بيار روبان الذي يعمل مع بالار ويشرف على المرحلة النهائية للتصنيع, يعشق هذه الصناعة مثل بالار, وهو استقال من عمله في أحد البنوك ليتبع جده الذي سبقه إلى هذا الميدان, يقول روبان: البنك هو مجرد مال. أما كل هذا (مشيرا إلى قوالب الجبنة) فهي الحياة بعينها. وتشير الاحصاءات إلى ان الفرنسي يستهلك ما معدله 30 كيلو جراما من الجبنة في السنة, جان ـ كلود بيسار وهو من سكان منطقة بري, يقول انه نشأ في المنطقة على أكل الجبنة وان المرء يتعود عليها وهو شخصيا يحب كل الأنواع, في السنة الماضية تعرض التقليد لخطر عندما فرضت الولايات المتحدة البسترة على الجبنة المستوردة, إلا ان المباحثات بهذا الشأن ارجئت إلى العام 1999. ويقول روبان ان البسترة ستتلف المذاق وتعرض مستقبل أساليب صناعة الجبنة القديمة للخطر, إلا ان الجدل القائم يبدو انه لم يؤثر على عمل بالار وروبان حتى الآن. فروبان يعد 600 طن من الجبنة سنويا ويبيع مئات الألوف مع قطع الجبنة في فرنسا, كما انه يصدر إلى كندا. بالار هو صانع الجبنة المفضل لدى أصحاب المطاعم وهو يتلقى الطلبات من بلجيكا وبلدان أخرى, وهو يقدم النصيحة لكل من يود ان يشتري جبنته باختيار القالب الذي يحمل أقرب تاريخ انتهاء صلاحية. ورغم ان معمل بالار يعمل على مدار الساعة وسبعة أيام في الأسبوع فإن سكان المنطقة لا يتذمرون من ضجيج المعمل ورائحة الجبنة القوية. باي ـ فرنسا ــ ادريا كيمينو: خدمة أ.ب

Email