استراحة البيان: الحمقى مرة أخرى: يكتبها اليوم- ظاعن شاهين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تظل الدعابة والبسمة والمواقف الضاحكة أيا كان شكلها لغة وفلسفة مثيرة, ويجيدها البعض فيتواصل معها الكل, وليس أدلّ على ذلك من الحضور المتواصل من قبل الناس والاقبال الشديد على مشاهدة ومتابعة الافلام والمسرحيات العربية والاجنبية واللقطات والمواقف التلقائية التي تعرضها محطات التلفزيون , والتي غالبا ما يكون الأصل فيها الغفلة وعدم الانتباه.. ولأننا جميعا معرضون في يوم ما أن نكون أحد أبطال تلك المواقف, فعلينا ان نأخذ الامور ببساطة بعيدا عن الانفعال والعصبية, إذ لايخلو الانسان في لهاثه اليومي من مواقف ضاحكة أو تدعو الى السخرية التي تؤدي ربما إلى هستيريا الضحك.. وحتى لا أدخل في موضوع الضحك والعصبية وعدوى الضحك التلقائي الذي يحدث هكذا دون مبررات أحيانا, اضع نقطة وراء هذه الجملة وابدأ بفقرة جديدة كما يحلو للمحبّرين القول, فأقول إن العرب منذ القدم لم تترك بابا إلا وطرقته وعرفت مكنوناته واسراره, ولعل الفكاهة من تلك الأبواب التي طرقتها, ودونت أهم ابطالها وشخوصها فتواصلت عبر أوراق التاريخ تروي وتخط وتدون حتى وقفنا اليوم على ثروة تراثية في هذا الباب الواسع والمثير خاصة فيما يخص أخبار الحمقى والمغفلين والذين يسمون في لهجة أهل الامارات (الغجج) . وفي اعتقادي أنه لو أثيرت مسألة ايجاد جمعية لهم اليوم لوجدنا ترحيبا منقطع النظير, ولرأينا توافدا عجيبا وتقاطرا على محاضرات ونشاطات هذه الجمعية, الجديدة في شكلها وفكرتها من جميع قطاعات المجتمع.. ولأن جمعيات ذات النفع العام بدأت تتزايد بشكل ملحوظ أرى ان طرح مسمى جمعية من هذا النوع قد يفيد بعكس ما قد يتصوره البعض من أنه يعيق العمل الاجتماعي, فالحمقى الطيبون كثر ومتواجدون في كل القطاعات دون استثناء, فهناك الدكتور والمدرس والصحفي والملحن والشاعر والمطرب واللاعب والفنان والتلميذ وغيرهم من (الغجج) الذين من حقهم ان تكون هناك مظلة تحميهم من ألسنه الناس ونميمتهم وتحفظ حقوقهم الفكرية والأدبية من السرقة.. ولأن البعض لا يعرفون معنى (الغجه) نقول ان هذه المفردة تعني في كلام أهل الامارات الأحمق الذي تغلب عليه الطيبة والسذاجة, فهو يتصرف دون مبالاة ويضحك في مواقف سخيفة لايقدّرها, وحتى لا يفسر البعض هذا الكلام بخصوصية نشير الى ان هؤلاء (الغجج) منتشرون وبصورة واضحة في كل المجتمعات وعلى مدى الازمان المتعاقبة, حتى أن أحد الغجج في التلفزيون البلغاري قام بمزحة على مقاييسه أثار الرعب من خلالها بعد أن أعلن من خلال برنامج تلفزيوني ساخن عن حادث خطير في المحطة النووية يتمثل في تسرب نووي, فقطع برنامجه وأعلن بجدية عن وقوع حادث في المحطة, وذهب هذا الغجه الى حد تقديم النصح لسكان المدينة بابتلاع اقراص للوقاية من الغازات السامة.. ولاضفاء مظهر حقيقي على ذلك أعلن ان وزير الدفاع ورئيس الجمهورية سيصدران بيانين يوضحان من خلالهما أخر التطورات, ولم يكتشف أحد أن الأمر مجرد مزحة ثقيلة إلا بعد ساعة كاملة. ولان للغجج قصصهم التي لو جمعت لتفوقت على قصص ألف ليلة وليلة, اكتفى ببعضها هنا للتدليل على وجوب ايجاد جمعية تحفظ قصصهم العجيبة, فقد جلس احدهم ولأول مرة في مطعم بأحد الفنادق يتناول الغداء وبعد ان انتهى منه وضع ثلاثة دراهم في الصحن للجرسون فاستصغر الجرسون المبلغ وأحب أن يلقن هذه الغجه درسا, فأخرج من جيبه ثلاثه دراهم مثلها ووضعها في الصحن ودفعه ناحية صاحبنا, فتعجب هذا من تلك الحركة لكنه لم يفهم سببها وإنما مد يده وتناول الستة دراهم ووضعها في جيبه, وتهيأ للخروج من المطعم, وعند الباب سمعه الجرسون يتمتم: ما أعبطني لو كنت اعرف ان المسألة هكذا لوضعت في الصحن خمسين درهما. وهذا آخر مات أبوه فقيل له: اذهب واشتر الكفن, فقال: أخاف ان اشتري الكفن فتفوتني الصلاة عليه. ومر شخص بأحد الغجج فقال له: اتحسب الحساب باصبعك؟ قال: نعم, قال خذ مكيالي حنطة, فعقد الخنصر والبنصر, فقال له: خذ مكيالي شعير فعقد السبابة والابهام وأقام الوسطى, فقال له السائل: لم أقمت الوسطى؟ قال: لئلا تختلط الحنطة بالشعير! وفي اعتقادي ان سوالف ونوادر هؤلاء تحتاج لوقفات متأنية خاصة من الأدباء في مجال القصة, فالمادة الأدبية الحية النابضة التي يقدمها بعض الحمقى قلما طرقها أحد, وهي في تصوري مادة ثرية تنبض بايقاع المجتمع المعاش.. فلماذا لا نحاول؟

Email