أصداء: كتاب غريب عن الف ليلة وليلة: يكتبها- باسم عبدالحميد

ت + ت - الحجم الطبيعي

أخر الكتب العربية الصادرة عن الف ليلة وليلة وتاريخيتها واسباب تأليفها صدر منذ شهر في بغداد للباحث جمال البدري تحت عنوان(اليهود والف ليلة) والكتاب غريب في اتجاهه وطريقة تأليفه حيث حاول المؤلف فيه اثبات يهودية التأليف لليالي العربية, بمعنى آخر انه اخذ درة التاج في الفكر العربي الدرامي وسلمه ببساطة إلى سنهدرين يهود بغداد اي المجلس الديني الاعلى لليهود ببغداد زمن الخليفة المعتضد (892م) . ويقول جمال البدري أن باني اسس مشروع التأليف هو رجل الدين اليهودي سعيد بن يوسف الفيومي المولود في مصر والمقيم في العراق واننا لذلك نلمس اللهجة العامية المصرية مختلطة باللهجة البغدادية في هذا الكتاب الذي (الفه) يهود بغداد ثم انتقلوا به إلى الأندلس خلال خلافه القادر (381 ـ 422هــ) او (991 ــ 1031م) الذي أغلق مراكز الثقافة اليهودية في العراق فحملوا معهم تلمودهم ومخطوطاتهم ومنها (الف ليلة) ! إلى الأندلس مارين بمصر قبل هذا. ويعرج المؤلف على (ألف ليلة وليلة المصرية) ليشيد بعظمة مصر الفاطمية ثقافيا وإلى تعديلات اليهود المصريين على التأليف اليهودي العراقي لألف ليلة باعتبار اقتراب الفكر الفاطمي من الفكر اليهودي. هذا الكتاب يضم خزعبلات متعددة وآراء غريبة لا يسندها اي نص او رأي سوى تأويلات المؤلف والتي منها أن البطولة الفردية التي يتمتع بها السندباد والمحققة للنفع الذاتي تشير الى صرخة الحرية التي يتطلع اليها مؤلفو الليالي بعد ان تم التضييق عليهم زمانا ومكانا ووجود شخصيتين اساسيتين في الليالي هما النبي سليمان وهارون الرشيد وذلك يعني ان العالم ينقسم الى نصفين عالم الروح والخلود (النبي سليمان) وعالم المتعة والترف (هارون الرشيد) ثم الادعاء بان المرأة اليهودية غائبة في الليالي رغم وجود نساء من كل ارض الى غير ذلك من الآراء والانفكار الغريبة التي لا تستند الى اي دليل او تؤكدها أية دراسة. ويكفي لتنفيذ افكار السيد المؤلف والقول بأن العالم كله يسمى (الف ليلة) ( الليالي العربية وقد ترجمها غالان وغيره الى الانجليزية ثم الى اللغات الاخرى من قبل مترجمين آخرين تحت هذا الاسم ولم نجد احداً من الباحثين ــ حتى اليهود ــ يحاول إعطاء هذه الثروة الفكرية الهائلة إلى الفكر اليهودي عدا السيد جمال البدري الذي تزداد طريقة نظره الى الامور غرابة عندما يجد في شهرزاد وشهريار نوى من البناء الماسوني ليصل في النهاية الى القول (ان الف ليلة, في الالف سنة الاخيرة كانت أفيون الشرق الثقافي والفكري والسلوكي... وان استمرار تأثيراتها يعني استمرار سيادة الميثولوجيا على عموم الشرق بكل مظاهر التخلف التي تؤدي اليها) . ولا يجد المرء بدا في النهاية سوى ان يقدم التهنئة الحارة لجمال البدري على استطاعته جمع كل هذا التخريف في كتاب واعطاء اليهود ما ليس لهم وتناسي دور الف ليلة في صياغة الفكر الدرامي الانساني الحديث والعبقرية التأليفية العربية لصياغة نص كهذا اعتمد رواته التغيير والحذف والاضافة بغداديا ودمشقيا حسب مقتضى الحال ولا يستطيع المرء كذلك الا ان يذكر المؤلف ان ذات الدواهي الساحرة اشهر يهودية في الليالي وان هارون الرشيد لم يقدم في الليالي بأنه يبحث عن الانس واللذة بل حاكما عادلا يتجول ليلا باحثا في حياة الناس وشؤونهم وان من طبيعة الليالي هذا اللعب الاسطوري الغرائبي الذي لا يختص به قوم دون آخرين وان شخوص الليالي كثيرة لا تقتصر على النبي سليمان والرشيد وكل قارىء يعلم هذا, وأن علاقة الفاطميين هي مثل علاقة اية خلافة بهم كأهل ذمة, باليهود. ختاما أقول ان صفحات الكتاب الــ (110) ليس فيها مصدر واحد يؤكد اي كلام حول الف ليلة قاله المؤلف رغم كثرة المصادر التعريفية وان الرجل قد ابتدع كل هذا من فكره النير الذي يريد ان يضيع الليالي منا بعدما ضاع الأهم والأعز.

Email