الناقد المغربي إدريس بلمليح : لا توجد زعامات فردية في الشعر العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الناقد المغربي إدريس بلمليح واحد من النقاد العرب الذين اجتهدوا في بحث قضايا الشعر العربي القديم, وقد انصب اهتمامه خلال السنوات العشر التي خلت إلى نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة في كتاب كان قد قام بترجمته اضافة إلى دراسة الحركة السلفية ومدرسة البعث في الأدب العربي, والمختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب من خلال المفضليات وحماسة أبي تمام, وقد تعدى اهتمامه إلى الرواية والابداع الشعري, وبلمليح يجد ثلاثة أسس للابداع هي الذات المبدعة, والذات المتلقية والخطاب الذي يشكل الرابطة الأساسية بين الذاتين حول منهجه في النقد وقضايا ثقافية وفكرية أخرى كان لنا معه هذا الحوار: الناقد الدكتور إدريس بلمليح يلاحظ من خلال كتاباتك النقدية بأن اهتمامك ينصب بشكل أساسي على التراث الشعري العربي نود أن نتعرف على المنهج الذي تتبعه في قراءة النص وما هي المرتكزات الأساسية لهذا المنهج؟ ــ الحقيقة ان الحديث عن المنهج لابد أن يطول, لأن الحديث عن المنهج شيء صعب في جلسة صحيفة من هذا النوع, هناك بعض الثوابت بالنسبة لطريقة التعامل مع النص, أولا: الايمان الراسخ بأن المفاهيم لابد أن تكون أصيلة ومتجددة وتخدم النصوص في الوقت نفسه, ولا يمكننا في البحث العلمي على وجه الخصوص أن نكون ثابتين على منهج محدد ومستقرين عليه, لأن المعرفة الإنسانية أولا هي معرفة علمية, ثانيا: هي معرفة لابد أن تكون قابلة للتطور, ثالثا: لابد من الانفتاح, في تناول التراث العربي تبقى المسألة نسبية باستمرار لأن هذه المناهج الحديثة تتجدد وتتطور في مناهج متعددة في البلاد التي تنشأ فيها ولا بد لنا نحن في العالم العربي أن نجادل في التيارات الثقافية في الأدب المعاصر, هذا بالنسبة للثوابت الكبرى, كما أعتقد انها عبارة عن شعارات أساسية للتعامل مع المناهج الحديثة, واهتمامي بالتراث العربي الشعري لا ينفي اهتمامي بالشعر الحديث, ولا ينفي انفتاحي على الكتابات الجديدة بل لدي مقالات كثيرة هي في اطار مشروع كبير يتعلق بالشعر العربي المعاصر, وقد كتبت عن بعض الشعراء المعاصرين والمسألة مسألة وقت ليس إلا. لكن النقد العربي بعمومه لا يخلو من استقدام لمصطلحات نقدية عربية كيف يمكن للنقد العربي أن يؤسس إلى نظريات نقدية منبثقة أساسا من النص العربي, ومن طبيعته, ومن خصوصيته المنسجمة مع الشخصية العربية؟ ــ النص العربي نص يسعف, هذا الشيء لابد من أن نقدره تماما, ونحن لا ننكره أبدا بأن هذا النص العربي في القديم قد أثار جدلا كبيرا وحفز على ايجاد نظرية النقد العربي أو نظريات النقد العربي ولكن يجب أن نعتقد بأن هؤلاء القدماء أنفسهم كانوا مندمجين في حضارتهم الإنسانية, وكانوا منفتحين على الثقافات الإنسانية التي كانت رائجة في عصرهم, ومن هؤلاء الجاحظ وابن قتيبة والجرجاني والقاضي علي بن العباس, وبالتالي فهم أوجدوا نظرية النقد العربي في أصالتهم وانفتاحهم, أنا أعتقد اعتقادا أساسيا ان الذين يريدون الانكفاء على النص العربي, والتراث العربي دون أن ينفتحوا يمثلون رد فعل متشنج ازاء الحضارة الإنسانية المعاصرة, أنا لا أخاف على النص العربي, نص عاش منذ الجاهلية وقد حدد الجاحظ بأنه عاش 1500 سنة, وأنا أعتقد انه عاش أكثر من ذلك. أما عن مسألة المصطلح, فالمصطلح مسألة علمية إذ كيف يمكن أن نتقبل مصطلحات في الطب أو في الصيدلة أو في التكنولوجيا ولا نقبله في العلوم الإنسانية؟ أو في دراسة الفن, هذا لا يمكن, اما أن نقبل المصطلح كما هو أو أن نضيف إليه ونناقشه, المهم أن تخضع هذه المصطلحات لاشتقاقات لغوية عربية أصيلة, وأن يندمج في اطار المقولة الكبرى للثقافة العربية والإسلامية. لا أدري إذا كانت ملاحظاتي صحيحة, بأن جيل الستينات في الوطن العربي استطاع أن يكمل مسيرة الحداثة الشعرية ويدفع بها إلى آفاق جديدة, وقد انتجت شعراء كبار في المشرق العربي ومغربه, كيف تنظرون الآن إلى المشهد العربي؟ وهل الأجيال الجديدة ما زالت تواصل مشروع الريادة الشعرية, هل تخلفت؟ أم تقدمت؟ ــ تقسيم الأجيال يمكن أن يكون صحيحا ومن الممكن أن يكون خاطئا أنا طبعا لا أؤمن بهذا التقسيم بل أؤمن بأن المسيرة مسيرة واحدة, وأن الجهود متضافرة, المهم في الأجيال الشعرية الاحتفال بالجمال بهذه اللغة لتنصب الجهود في سبيل ابداع داخل هذه اللغة في مجال الشعر والرواية في مجال النقد كما انه يجب أن نهتم بالعلوم البحتة لنساهم في تقدم مجتمعاتنا, يجب أن نهتم بالفنون وبالعلوم الإنسانية, لتكون العقلية التي نتعامل بها مع العلم الجديد, عقلية إذا صح التعبير تستطيع أن تتعامل من منظور حضاري وجديد في آن واحد, والمسألة ليست مسألة أجيال, المسألة مسألة توجهات ثقافية كبرى أو ابداعية كبرى, فالذي ينتمي إلى جيل الستينات, لا يمكن أن أحصر عمله في عشر سنوات من الستين إلى السبعين, وبالمناسبة الجيل بالمفهوم العلمي مدته ثلاثون عاما, أما عن الأسماء الشعرية, صحيح مثلا حين أذكر السياب, أو أذكر الملائكة وعددا آخر من الشعراء الكبار الذين عاشوا في هذه المرحلة.. والبياتي.. الخ لكنني أذكر إلى جانبهم شعراء آخرين.. سميح القاسم, أمل دنقل, بلند الحيدري. ألا ترى معي بأن الشعراء العظماء عبر تاريخنا كانوا أفرادا؟ ــ اسمح لي هؤلاء أيضا يشكلون مدارس, لأنه حين أذكر أبا تمام, أذكر معه ابن المعتز وهو شاعر كبير, وأكثر بريقا من أبي تمام, ولكن الذي أرفضه هو تكون الزعامة الشعرية لأفراد, مثلا هل مدرسة البادية هي عند أبي تمام فقط, أنا لا أؤمن بالزعيم بهذه المسألة, يقول الجاحظ: أول من استقلت به البديعة هو بشار بن برد, وحين نقول مثلا: شعراء المعلقات, أصحابها أسماء كبرى لكن كل واحد منهم صاحب معلقة, هل نقول: إن امرأ القيس هو الذي اكتشف المعلقة إذن أين هو الشاعر الزعيم؟ هم كلهم زعماء يغطون على غيرهم من الشعراء ولكن هذا لا يعني أن غيرهم من الشعراء غير موجود, المعلقات كانت سبعا ثم أصبحت عشرا ولكن لا تنسى معي أن هناك قصائد جميلة جدا تشبه المعلقات اكتشفها المفضل وهي في المفضليات, وشعراء الحماسة كثيرون عند أبي تمام فمسألة الزعامة لا أعتقد انها صحيحة. ماذا يعني لك الفوز بجائزة الابداع النقدي لهذا العام من مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري؟ ــ جائزة البابطين تعني لي أشياء كثيرة, أولا: وهذا هو الشيء الأساسي, لأن الثقافة العربية والابداع العربي لا يمكن أن يكون ابداعا مستمرا ومجددا وفارضا نفسه في الساحة العالمية الا عن طريق التشجيع وتكريس هذا التشجيع, وهذا شيء موجود في تراثنا القديم, وقد كان دائما أفراد يحبون الشعر لأنهم يحبونه فقط ولا هدف عندهم غير محبة الشعر, لأنهم كانوا مثقفين وكانوا أدباء وكانت لهم محافل تسمى بالصالونات ويشجعون الأدباء والشعراء والتشجيع شيء ضروري أنا لا أتحدث عن نفسي بل أتحدث عن أشخاص آخرين يجب أن يشجعوا في مناطق متعددة من العالم العربي, بل أقول العالم الإسلامي, إذا أردنا أن تكون لنا أسماء بين الأمم وهذا شيء لابد منه, وأنا أحس أن الجوائز ربما تنتشل كثيرا من الناس من الاحباط واليأس والاستسلام. بطاقة إدريس بلمليح (المغرب) من مواليد فاس 1949 حاصل على الاجازة في الأدب العربي 1974 ــ كلية الآداب ــ فاس دبلوم الدراسات العليا ودكتوراه السلك الثالث 1983 ــ الرباط دكتوراه الدولة 1992 ــ الرباط فاز بجائزة المغرب للكتاب في مجال الترجمة 1930 من مؤلفاته : 1 ــ المدرسة الرومانسية 1980 2 ــ الرؤية البيانية عند الجاحظ 1984 3 ــ الحركة السلفية ومدرسة البعث في الأب العربي ,1986 ومؤلفات أخرى.. حوار : مفيد خنسة

Email