تابعتها(البيان)في متحف طه حسين: ندوة فنية حول أزمة المسرح المصري

ت + ت - الحجم الطبيعي

(المسرح المصري.. أزمة مستمرة) كان هذا هو عنوان الندوة التي عقدت بمتحف طه حسين بالقاهرة وشارك فيها المخرج والفنان الكبير سعد أردش والفنان نبيل الحلفاوي والكاتب والسيناريست المبدع لينين الرملي والمخرج رامي عادل إمام أصغر مخرج مسرحي في مصر الآن وأدارها محمد نوار وشارك فيها عدد كبير من النقاد والإعلاميين والمهتمين بالفنون المسرحية. شهدت الندوة خلافا في الرأي حول بدايات أزمة المسرح وهل ارتبطت بنكسة 1967, أم بمرحلة الانفتاح الاقتصادي , وكما تحدث سعد أردش بحماس عن نجاح التجارب المسرحية الجادة في الستينات بينما اعتبرها لينين الرملي مرحلة شهدت التحكم في المسرح متمثلة وتسييسه, واتفق الجميع على ان مظاهر أزمة المسرح في غياب النصوص الجادة والمناخ المشجع وارتفاع ثمن تذاكر المسرح وغيرها. استهل الحديث في الندوة الفنان والمخرج المسرحي البارز سعد أردش فقال ان أزمة المسرح موضوع قديم وجديد, وما زالت أسباب ومظاهر هذه الأزمة تتمثل من وجهة نظري في عدة نقاط أساسية: أولا: المسرح يتأثر بشدة بالتقلبات والمتغيرات السياسية وهذا ينطبق على التجارب الأولى للمسرح, حيث وقع المسرح حتى أيام الخديوية والأمراء ضحية للتناقضات السياسية, وبشكل عام واجه المسرح مقاومة سياسية بالدرجة الأولى منذ بداياته وانتهت هذه المواجهة بأن أصبح المسرح على هامش الحركة الاجتماعية في مصر وأصبح نشاطه محدودا وليس جوهريا أو مؤثرا في البنية الأساسية للمجتمع كوسيلة تنوير. ثانيا: رغم مرحلة الازدهار والانجازات والمكتسبات التي حققها المسرح في الستينات إلا ان المسرح وبعد حرب 1973 وانتزاع بذور الاشتراكية والاتجاه إلى الانفتاح والتحرر الاقتصادي شهد مرحلة سلبية ولم يتطور سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص وذلك على عكس مرحلة الستينات التي توسعت فيها كل أشكال وألوان المسرح, كالغناء والدراما والكوميديا والفنون الشعبية وغيرها. ثالثا: المسرح افتقد التخطيط العلمي المدروس منذ النصف الثاني من السبعينات وحتى الآن, في حين كانت مرحلة الستينات تتميز بوجود التخطيط في مسرح القطاعين العام والخاص, وكان التخطيط في مسرح القطاع الخاص من خلال دعم وتشجيع وزارة الثقافة التي تدعم المسرحيات المتميزة والجادة. رابعا: أدى التوسع في مساحة الإعلام وبالذات في التلفزيون والدراما والسينما بدرجات مختلفة إلى هروب كوادر المسرح من مبدعين وكتاب وفنانين ومخرجين إلى التلفزيون وإلى السينما أحيانا عندما كانت رائدة. ويضيف الفنان الكبير سعد أردش ان حل أزمة المسرح يحتاج إلى ان ننظر إليه باعتباره مؤسسة تنويرية تدير حوارا حرا مع الجماهير حول القضايا الأساسية التي تشغلهم وهو بالضبط ما فعله وليم شكسبير وغيره من الكتاب والمبدعين, وهذا أيضا ما فعله مسرح الستينات الذي أدار حوار (تنويريا) مع الجماهير من خلال المسرح القومي والذي كان يقدم سنويا 12 مسرحية ما بين المسرح العربي والمسرح العالمي. وانتقد سعد أردش بشدة الاستخدام المفرط في اللغة العامية على خشبة المسرح قائلا: انها تبدأ من مستوى معقول في بعض المسارح, وتنتهي إلى مستوى متدن من اللغة يسيء إلى تربية أبنائنا وأحفادنا وخصوصا عندما تنقل هذه المسرحيات في أجهزة التلفزيون ناهيك عن عرضها على خشبة المسرح, وأضاف ان المفترض ان المسرح مؤسسة تهتم باللغة القومية لبلادنا بل هو وسيلة للمحافظة على لغتنا العربية, ووسيلة للاحتفاء بها. توقف عن الابداع وفي رأي الفنان القدير نبيل الحلفاوي النجم المسرحي ان أزمة المسرح لا تعود إلى السبعينات كما تشير إلى ذلك الكثير من الرؤى النقدية والمسرحية, وإنما تعود إلى ما بعد هزيمة أو نكسة 1967 فبعد هذه الفترة مباشرة توقف جيل كامل من الابداع بعضهم مات, وانتحر, أو هاجر أو بقي دون ان يكتب أو يبدع شيئا, وبعد ذلك جاءت السبعينات بتحولاتها ومتغيراتها وزادت شدة الأزمة المسرحية, وأصبحنا نعاني من فجوة في مستوى الكتاب والمبدعين, وفجوة هائلة بين الأجيال حيث لم يحدث التداخل الطبيعي بين الأجيال. نفس مظاهر الأزمة مستمرة حتى اليوم من وجهة نظر نبيل الحلفاوي, فتكاد لا تكون هناك كتابات مسرحية متميزة باستثناء عدد قليل جدا من الكتاب المسرحيين الذين لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة, وهكذا فنحن لا نعيش في المسرح الأصيل بالمعنى الدرامي والممتع والناجح الذي يتصل بالجماهير ويقترب منهم. ويدعو الفنان نبيل الحلفاوي إلى بعض الحلول البسيطة والمؤقتة على حد تعبيره لأزمة المسرح ومنها حل المشاكل الادارية المعقدة في المسرح, لأن مسرح الدولة مشكلته ادارية بالدرجة الأولى, لأن الهيكل التنظيمي له متعثر ولا يعتمد على المواهب, ويقوم على الموظفين, وتكبله ميزانيات وتفاصيل تعيق حركة المسرح في مصر, والحل هي العلاقة التعاقدية بين الفنانين ومسرح الدولة وضرورة الاستغناء عن هذا الجيش من الموظفين من الممثلين الذين يحسبون على مسرح الدولة ثم نفاجئ ان هذا المسرح يتعاقد مع ممثلين من الخارج, ويبقى (الموظفون) الممثلون بلا دور حقيقي أو أعمال فنية مسرحية يقومون بها, أما مسرح القطاع الخاص فهو لا يزال يسير على قدم واحدة وبدأ يتجه للكوميديا فقط واهمل أو تجاهل بقية الألوان والمجالات المسرحية الأخرى, والمفارقة ان نشأة القطاع الخاص المسرحي لم تكن كذلك بل ان العديد من مراحل النهضة المسرحية في الماضي قامت على أكتاف الرواد من الأفراد الذين شجعوا المسرح ولهذا فإن القطاع الخاص المسرحي مدعو للمشاركة في جميع الألوان المسرحية حتى يدفع بالمزيد من الحيوية والانتعاش في الحركة المسرحية. أزمة مجتمع ويربط الكاتب المبدع لينين الرملي بين أزمة المسرح المصري بسلسلة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي فرضت نفسها على الواقع المصري مؤكدا انه ليس من الممكن ان يعاني المجتمع من كل هذه الأزمات ولا تكون هناك أزمة في المسرح والسينما وجميع الفنون, ولهذا فإن الأزمة في الحقيقة أزمة مجتمع لأن الفن هو المرآة التي تعكس صورة المجتمع والمجتمع في أزمة ومن الطبيعي ان تكون الفنون كذلك. ويضيف لينين الرملي ان أزمة المسرح لها أسبابها العامة التي يمكن ان تنطبق على بقية المشكلات ولكنها أيضا لها أسبابها الخاصة. والمشكلة الأساسية هي عدم اعتراف الدولة والمجتمع بالمسرح وعدم الاهتمام به والوعي بدوره ورسالته, وبالطبع كان هناك دعم للمسرح في يوم من الأيام ولكن الوضع مختلف ومتناقض جدا الآن, فضريبة المسرح تتزايد لتصل إلى ثلث ثمن التذكرة والمؤسف والغريب في آن واحد هي المساواة بين المسرح والملاهي الليلية في فرض هذه الضرائب مما يرفع من ثمن تذكرة المسرح ويقلل من فرصة الذهاب إليه كنتيجة لذلك. ويصف لينين الرملي ما يقدم الآن بأنه أشبه بالملاهي الليلية ولا يمكن بأي حال ان نسميها مسرحا, وهكذا فلا حل لأزمة المسرح إلا إذا غيرت الدولة من نظرتها للمسرح وخفضت هذه الضرائب, وتوقفت عن التدخل في شؤون المسرح, وفي الوقت نفسه على الدولة ان توفر المناخ المناسب لانتعاش المسرح بما يتيحه من حرية وعدم فرض أي شروط على ما يقدم في مسرح الدولة أو مسرح التلفزيون. أما رامي عادل إمام أصغر مخرج مسرحي ونجل الفنان الكبير عادل امام فقد تحدث أمام الندوة عن تجربته في الاخراج من خلال مسرحية (جزيرة القرع) التي قدمها مع 18 شابا من الهواة في مسرح الهناجر, وأضاف ان التجربة وجدت ترحيبا من الجمهور واقبالا متزايدا رغم أنها تقدم على أحد مسارح الدولة وهو ما يؤكد ان الجمهور ذواق ويعرف الأعمال الجادة بصرف النظر عن عدم وجود النجوم والفنانين المشهورين فيها أم لا؟ ويقول رامي: في هذه التجربة لم يشغلنا كجيل شاب كل أزمات وهموم المسرح المعروفة وتغلبنا على الصعوبات التي واجهتنا, وحرصنا على ان نقدم عملا متميزا للجمهور الذي يعشق المسرح. ورغم ذلك فإن من أبرز المشكلات التي مازالت تعاني منها الحركة المسرحية في مصر هي ضعف النصوص التي تقدم على المسارح والتي تحولت بالفعل كما قال لينين الرملي إلى ملاه ليلية, ويزيد من هذه المحنة حالات الاسفاف والابتذال المسرحية والتي تضطر الكثير من رواد المسرح إلى الهروب وعدم الذهاب أصلا احتراما لقيم وتقاليد المسرح. القاهرة ــ (البيان) ــ صلاح الشرقاوي

Email