المفكر الإسلامي العالمي الدكتور رشدي فكار: جسد الأمة الإسلامية سليم وهي تعيش فقط أزمة وظيفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل زيارة للقاهرة يأتي الدكتور رشدي فكار المفكر الاسلامي المصري العالمي والذي يعيش في المغرب بأفكار جديدة هي بمثابة(شحنة)تعمل على تحريك العقول في امة تعيش فترة صعبة من تاريخها . وهذه المرة يؤكد فكار ان الامة الاسلامية ستتجاوز محنتها الحالية وسيكون لها شأن في نهاية القرن المقبل لتصبح واحدة من القوى الكونية الكبرى. كما يؤكد ان الامة تعيش ازمة وظيفية وليست عضوية لذلك ستتجاوز الازمة وستقف على قدميها وتنهض من جديد. وشدد المفكر الاسلامي الكبير على ان بناء الانسان يجب ان يكون له الاولوية المطلقة للشعوب العربية والاسلامية لان هذا الانسان هو الذي سيبني الامة. وحول احدث ابداعاته وهي نظرية التدافع الحضاري يؤكد الدكتور رشدي فكار انه من مصلحة الانسان وجود اكثر من قوة وقطب على الارض لان انفراد قطب واحد يؤدي الى مخاطر عظيمة وانتشار الفساد. ويشير الى انه في الفترة المقبلة ستظهر عصابات التمرير النووي من دولة لاخرى وسيزداد عدد الدول التي تمتلك السلاح النووي وهذه كارثة يجب مواجهتها. ويطالب اليهود بضرورة التفكير فيما يفعلونه مؤكدا ان الوضع الحالي في المنطقة لن يظل هكذا للابد. التدافع الحضاري قلت له: سأبدأ معك من آخر ابداعاتك وهي نظرية التدافع الحضاري.. ماهي هذه النظرية ولماذا فرضت نفسها عليك.. وهل هناك حاجة عالمية لها؟ ــ في احد المؤتمرات التي شاركت فيها تم طرح قضية (التصادم الحضاري) , فقلت بتواضع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راعي فقير من مكة اوحى الله تعالى اليه بالآية الكريمة (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض) .. عليكم ان تفكروا في ذلك بعد اربعة عشر قرنا من الزمان, لم يقل تصادم او صدام او حب او عناق او وفاق او حوار انما قال تدافع, اذن التدافع شيء ملزم, وحينما لم يكن هناك تدافع في اربع فترات من تاريخ البشرية كانت الارض تعيش في قمة الفساد, لان الارض في هذه الفترات خضعت لقطب واحد, لقوة واحدة.. والآخرين كانوا يقولون (آمين) . ووجود قطب واحد في العالم بداية للفساد في الارض, اما التدافع فهو لصالح البشرية كلها, ونحن الآن نعيش في ظل وجود هذا القطب الواحد وهذا امر خطير جدا. ماذا يفعل الانسان في فترة القطب الواحد وكيف يتصرف؟ ــ مع تقديري للمفكرين العمالقة في هذا الكون من دعاة التصادم واللقاء والحب الحضاري لكني تبنيت هذه المقولة الخالدة الاعجازية في القرآن الكريم (التدافع) واتخذت منها عنوانا لكتابي وهو تحت الطبع, لان التدافع قانون كوني, تدافع الحيوانات الصغيرة, تدافع المجرات الكبرى, تدافع الجاذبية في الكون, وهناك اشكال اخرى لهذا التدافع, ونحن نعيش حاليا فترة انفعال وافتعال التعبيرات ومحاولة ابلاعها للبشر, ولذلك على الانسان ان يلتزم بالصبر لتكوين نفسه دون ان يستهلك وقته في الصياح والمجتمعات الناهضة تسير الآن في الطريق الصحيح, ليس طريق العمالقة اي في خلال اربع وعشرين ساعة ستصبح من قوى العالم الاعظم, لكنها تسير ويجب الا تستعجل الاحداث حتى لا تنكفىء على رأسها وتنكسر. اذن كان وجود الاتحاد السوفييتي كقطب في مواجهة امريكا فيه مصلحة للبشرية؟ ــ بلاشك, وانا هنا لا ادافع عن ضياع الاتحاد السوفييتي, وجوده كقوة كبرى في العالم كان يعني ان هناك تنفسا وتوازنا في هذا العالم, الآن هذا العالم اصبح مثل الطريق حينما يضيق ويمر فيه اكثر من سيارة تكثر الحوادث وعموما فإن غيبة التدافع من مصلحة البشرية. هل سيعيش العالم في ظل قطب واحد فترة طويلة ام ان هناك قوى كبرى تتشكل الآن لتظهر بعد سنوات وتواجه هذا القطب الاوحد وما موقع الامة الاسلامية على خريطة القوى العالمية؟ ــ العالم لن يعيش طويلا في ظل القطب الاوحد, هناك دول تبنى نفسها بهدوء شديد وهي مرشحة للبروز فالصين ستظهر كقوة عالمية كبرى في خلال الـ 20 عاما القادمة وهناك ايضا اليابان والمانيا.. هذه الدول تبني انسانها بطريقة صحيحة وهذا الانسان يبني الامة, اما الامة العربية الاسلامية فأنا اعتقد انها سيكون لها في نهاية القرن المقبل مقعد على مائدة التصدر الكوني وستكون قوة كونية ليس بقنابلها, للاسف البعض يعتقد ان العالم الاسلامي حتى يكون قويا لابد ان يكون له صواريخ عابرة القارات وقنابل واسلحة نووية, ابدا الاسلام سيكون نموذج وقوة لصلاحيته وليس لجبروته اوردعه او قتله, الانسان القادم انسان صلاحية, الاكثر صلاحية هو الذي سيسود العالم, والمشكلة ان الانسان العربي المسلم يعيش الآن ازمة ويعيش في عصر الضباب. ازمة وظيفية ماهو توصيفك وتحليلك لهذه الازمة والى متى ستظل موجودة؟ ــ هذه الامة العملاقة تعيش حاليا ازمة وظيفية وليس ازمة عضوية, بمعنى ان جسد الامة بخير, مليارات المسلمين جسدهم سليم, يلتقون في الصلوات الخمس وفي شهر رمضان وفي البيت الحرام, كما ان ركائز الامة كلها لاتتوفر الا في الامة الاسلامية فقط, فبعض الامم لديها ركيزة واحدة اما وحدة الارض او الثقافة واللسان او العقيدة او التاريخ اما امة الاسلام فإنها تتمتع بكل هذه الركائز وينقصها فقط ان تتحدث بلغة القرآن, والامة الاسلامية ستتجاوز هذه الازمة الوظيفية وسيكون لها شأن في نهاية القرن القادم لكن ستبقى هناك مشكلة: هل هي امة الاسلام؟ ام امة المسلمين؟ وهذه قضية مهمة وأرى انه من الصعب ان نضارب على المسلم الخارج لتوه من غرفة الانعاش, لان حالته يعلم بها الله, فالوجع والالم في كل الميادين ولذلك عليه الانتظار قبل محاولة الدخول في مواجهة وتحقيق الانتصار, هو نيته صادقة لكن الامكانيات محدودة. هل الآخر يتعمد احالة الانسان المسلم لدائرة الاوهام حتى لايفيق ولا يعود لحقيقته ابدا؟ ــ الانسان المسلم ليس لديه مشكلة, انما المشكلة يتم افتعالها الآن, كما يتم طبخها وتعميمها, وهي نوع من الاوهام كما يقول المفكر المعروف (فرانسيس بيكون) , يتم خلق كل انواع الشتات والضعف حول الانسان العربي المسلم الذي جسده ــ الى حد ما ــ مصاب بضعف وذلك حتى يقنعوه انه لاشيء, وهذا غير حقيقي, وهذا الانسان لايمكن محوه او تقليص دوره, وهي ازمة وظيفية كما قلت ولذلك انصح بالتعامل مع هذه الازمة بنوع من الحذر حتى يتم تجاوزها, وتستعيد الامة كيانها وتخرج من غرفة الانعاش وآنذاك ستكون امة الاسلام لها شأن آخر, وليس الوقت الآن للمراهنات الكبرى. ما هو الدور الذي يجب ان يقوم به العربي المسلم حتى يخلق له مكانة وموقع في هذا العالم؟ ــ عليه ان يدخل في اطار المشاركة الكونية حتى يخلق لنفسه المكانة والموقع, فهو يعامل كنفايات او هامش او مستودع استهلاكي يلقى اليه بفائض الانتاج, كل شيء انتهت صلاحيته يبيعونه له. وحان الوقت للمجتمع العربي المسلم ان يعتمد على ماهو موضوعي وليس انشائي او معلقاتي, ان يتبنى الطريق الذي يتمشى وواقع العصر, يتأهل لكي يعيش مع التماسيح, فالقرن المقبل اكثر قساوة, والكون ينطبق عليه الآن تعبير الشاعر الروماني (الانسان للانسان كالذئب للذئب) , نحن ندخل على مجتمعات تعتمد على الابتلاع, القوي يتخذ مكانه, والضعيف يؤكل. ولابد ان نعيد النظر في قضية الانغلاق, فالواقع ان كل واحد يغلق بابه على نفسه ويقطع علاقته بالآخرين ولذلك يمكن بعد خمسين عاما ان يتحول كل بيت الى دولة, كما ان المجتمعات البشرية تدخل على مرحلة عطاء الكم والكثافة, فالصين مليار و250 مليون نسمة, والهند في طريقها للمليار, وامريكا, وروسيا وان كانت لم تستطع الوقوف لان حساباتها لم تكن على مستوى واقع العصر, السوفييت كانوا ينظرون للواقع نظرة طوبا وية ومع ذلك لم يستطيعوا ان يقاوموا سبعين عاما. قفزة سحرية هل يمكن ان نحقق قفزة سحرية نقطع بها مسافات طويلة تستغرق وقتا اطول؟ ــ انا ارفض القفزات السحرية, لكن اتمنى من المسؤولين عن العالم العربي والاسلامي ان يهتموا بالجانب المعرفى والتنموي ويكون له اولوية على اي شيء آخر خاصة شراء الاسلحة, وهذه القضية لخصها (ماوتسي تونج) رئيس الصين الراحل بقوله (انمي الانسان ليبني الصين, ولا انمى الصين ليدمرها الانسان) . واذكر هذه الواقعة التي لها دلالات عميقة فقد ذهب ميخائيل سوسلوف الى (ماوتس تونج) عام 1949 وقال له جئت ايها الرفيق لابني معك الصين.. رد عليه ماو: ومن ادراك انني اريد بناء الصين.. فقال له ميخائيل: وماذا ستفعل اذن؟ قال ماو: سأبني من يبني الصين.. أي سيبني الانسان الصين. وميخائيل سوسلوف هو المنظر الاكبر للاتحاد السوفييتي وهو الذي ساهم في تأمين بقاء الدولة 45 عاما وهو العقل الذي كان يقف وراء هذه القوة الرهيبة التي كانت تتدافع مع امريكا ويوم موت هذا المفكر قلت ان ميخائيل لم يمت بل مات الاتحاد السوفييتي. والصين خلال ربع القرن المقبل ستكون القوة الاولى في العالم, وهذا يكشف لنا انه لابد من الاهتمام ببناء الانسان ولا يكون هذا البناء بالخطب واقامة مدارس وتوزيع الكتب, انما يكون على اساس نسق (بيداجوجي) مواز بدلا من النسق المهلهل الموجود حاليا. ماهو هذا النسق؟ ــ هو نسق مدرسي للاطفال الذين يتمتعون بالنبوغ والذكاء يتم اختيارهم وفق اختبارات معينة واعدادهم ليكونوا النواة للقيادات في المستقبل وبعض الدول تعي ذلك وتطبق هذا النسق الذي يقوم على اربع ركائز هي: البناء النفسي: بمعنى تربية الطفل بطريقة متجانسة. البناء الانضباطي: تكوين جسد الطفل ليكون صحيحا, قادرا على التحمل, فالعقل السليم في الجسم السليم ويتم ذلك من خلال تمرينات وتدريب عسكري. تأصيل الانتماء: من خلال اعطاء اهمية كبرى لتاريخه وارضه وعقيدته وتأصيل ذلك بداخله وليس التغني بشكسبير او غيره, انما يتغنى بأبطاله الذين لعبوا ادورا كبرى في التاريخ. البناء الصحي: الاهتمام بالجانب الصحي لدى الامهات حتى يخرج الطفل الى الحياة خاليا من الامراض والقرن المقبل سيكون قرن العقل, الامم التي لديها عقول قادرة هي التي ستسود, والقوة التي لن تقهر هي العقل وليس القنابل النووية او الهيدروجينية. يصف بعض المفكرين حالة الامة الآن بأنها الاسوأ في تاريخها هل تتفق معهم؟ ــ يزعم بعض المفكرين وخصوم الامة انها تعيش وتتجه نحو الاستماتة والاسترخاء والضياع وهذا غير حقيقيي, الملعب ليس فقط لبعض المهرجين, لكنه حافل بالمطبات والمعارج المرعبة ونقول ذلك لاخواننا حتى يتمهلوا في نقدهم, فلا اريد ان نتحول الى ندابين وبكائين, واضرب لك مثال بالقضية الفلسطينية فهي بدأت مع مأساة السيد المسيح عليه السلام وتجاوزت الآن نحو عشرين قرنا, فهل نريد حلها في اربع وعشرين ساعة. انادى بصوت عال موجها ندائي للعرب: تنفسوا اولا واقرأوا التاريخ وافهموه, واعتقد ان التدافع العربي مع الآخر اكد مصداقية الرؤية التي ما كان يصدقها احد وهي ان العربي لو فتح صدره وقلبه ومشاعره وطلب الخير فلن يستمع لصوته احد, فالآخر يقرأ الخطاب بالمقلوب. ولذلك فالمفروض ان يكون عندنا التمهل والوعي, ولذلك انصح بالتريث, والانسان اذا ما استحوذ على شيء فلن يتخلى عنه, لايتسحوذ عليه بالعنف انما بالعقل. وانظر ما يحدث في الصين والتسويات التي تقوم بها لاستعادة اراضيها, كان باستطاعتها ان تحصل على الاجزاء المستقطعة والمحتلة من اراضيها بالقوة مثل فرموزا وهونج كونج وتايوان لكنها انتظرت وبدأت تستعيدها واحدة وراء الاخرى وهي في مركز قوى وهذا درس لمن يقرأ وليس لمن ينفعل. وكما قلت فإن الامة بخير ولا يمكن لقلة منفعلة ومندفعة ان تدمر ما تبقى, هذه القلة تريد استعادة ما اخد فتفقد ما تبقى. الحذر والاحتياط انت تنصح بالهدوء وعدم التشنج وفهم الواقع قبل الاقدام على اي خطوة؟ ــ افضل التريث والوعي ومواجهة العصر في غرفة الانعاش, لفترة طويلة وارضنا مستعمرة وخيراتنا منهوبة لذلك نحاول استعادة قوانا ثم نبدأ في الحديث حول مانريد, فإذا كنت غير قادر على النطق كما يجب فهل تقول انا اعرف كل شيء. والاجيال القادمة ستكون عملاقة باذن الله ولكن نتريث سنوات وليس خمسين قرنا وبدلا من النهيق نبدأ في تكوين الاجيال القادمة ونتنبه للآخر الذي يريد ان يغرقنا في الهموم وافتعال قضايا غير ضرورية. لكن القوى الكبرى التي تعرف مواطن القوة في تاريخنا وفي عقيدتنا هل يمكن ان تترك الجسد يتعافى ويخرج من الازمة الوظيفية التي يعيشها؟ ــ انت قلت المفيد, حتى يترك هذا الجسد ليأخذ اطاره الموضوعي في البناء والتشييد عليه ان يكون في قمة الحذر والاحتياط ويتجنب الصوت العالي, يكون واعيا بما يرتب ويرسم له كما يكون واعيا بالتناقضات المحيطة به دون انفعال ولذلك تربى الأجيال القادمة على (وتواصوا بالحق, وتواصوا بالصبر) والقرآن قال للرسول (واصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) , لاداعي للانفعال بدون مناسبة فهناك من يتصيد العورات حتى يزيدنا في الغرق قضية التخلف .. مانع قوي أمام عبور الهوة بيننا وبين الآخر؟ ــ أنا لا اتفق مع من يتهم التخلف بأنه وراء تراجعنا, لأن التخلف قاسم مشترك في العالم المتقدم والنامي لكنه بدرجات, الدول المتقدمة لديها قطاعها المتخلف ولكنه محدود, محصور في أركان القاعة والدول المتخلفة لديها التخلف لكنه موجود خلف الباب مباشرة وحينما يتم فتح هذا الباب فإنه يواجهك على الفور ولذلك تعتقد ان كل المواطنين متخلفين, الدول المتقدمة ترتكب الكبائر ثم تعتبرها مجرد زكام, أما المتخلفة فبمجرد أن تسعل فكأنها في طريقها للموت. التمزق العربي وحالة التمزق والتشتت العربي .. أليست معوق أمام النهوض؟ ــ هو معوق ظرفي فقط, لكن الأرض معطاءة والبطون تخرج فائضا من الإنجاب, والعقل موجود, إنما الإنسان الذي يستطيع أن يجمع المعادلة غير موجود, لكنه سيأتي خطوة خطوة, وليس في دقيقة واحدة, أنا لا أتفق مع رسالة الإنسان المعجز الإعجاز للأنبياء فقط, الانسان المعجز هو الأكثر صبرا وحذرا ودقة ووعي. إذن أنت تراهن على الانسان كعنصر أساسي في هذه المعادلة؟ ــ نعم, نبني الإنسان ليبني الأمة, لا نبني الأمة ليتخصص الإنسان في هدمها .. دعه يتطور ويتعود البناء, إذا بنيناها وسلمناها له جاهزة فإنه يصبح كمن يتسلم سيارة جديدة ليقودها رغم انه لم يتعلم القيادة كما يجب لذلك تتحطم في أول رحلة له ثم يطلب سيارة أخرى ويستنزف كل رأسماله في تغيير السيارة ولونها وشكلها. ولو كان الأمر بيدي لأعطيت أولوية مطلقة للتربية لدرجة انشاء أربع أو خمس وزارات للتربية في كل دولة عربية, وزارة لكل فصيلة من العمر, انها معركة خطيرة, فالمعركة المقبلة هي للمعرفة, حاول ان تبني إنسانك بطريقتك لا ان يبنيه غيرك لك. ألسنا بذلك سننتظر طويلاً؟ ــ أنا لست مع الاستعجال وحرق المراحل لحرق الذات, فالذي يحرق المرحلة يحرق ذاته وكما يقول المتنبي الشاعر الفيلسوف (رب يوم بكيت فيه فلما صرت في غيره بكيت عليه) (ولايبلغ الأعداء من جاهل, ما يبلغ الجاهل من نفسه) . والنهوض حاصل فعلا الآن, فأنت وغيرك من الشباب صورة له, لكننا للأسف نعيش قضية العجلة, كل واحد يريدها جاهزة على طريقة ساندوتشات (الهامبورجر) , و(ماكدونالدز) هناك مسيرة هادئة وأنصح كل متهور ومندفع ان يتمهل, وأنا كإنسان في طريقه للقبر متفائل ولكن نحن جئنا في زمن فيه ركود. أنت متفائل أكثر من اللازم؟ ــ أنا فعلا متفائل لكنه لايعني (شطحات) انما نحن لدينا كل مقومات البعث والاحياء ولكن المشكلة كلها في الإنسان الذي يريد أن يقرأ الأبجدية كلها في حرف واحد, فهو ما زال في حرف (الألف) ولكنه يريد ان يصل للنهاية سريعا فيقول (لام ألف) , لدينا أرض معطاءة شاسعة, خيرات متعددة, عقيدة في منتهى الروعة, كلها عوامل التقدم والنجاح. نحن متآمرون هل هناك مؤامرة عالمية على العالم العربي والاسلامي؟ ــ ليس هناك مؤامرات, إنما للانسان العربي هو المتآمر على نفسه واستشهد مرة أخرى بالمتنبي الذي وضع بيتا شعريا في منتهى القوة (ما يبلغ الأعداء من جاهل, ما يبلغ الجاهل من نفسه) .. تعملها في نفسك ثم تقول عملوها . والاستعمار ألم يكن أعظم مؤامرة؟ ــ مرحلة الاستعمار كانت مرحلة كونية ووجدت في امتنا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وواجهوا هذا الاستعمار ورفعوا راية الحق والتكبير في المساجد, واستردوا الأرض بدم الشهداء وانت الآن مطالب بالاقتداء بهؤلاء الرجال. ولا اعتقد في آراء الذين يقولون ان الاستعمار جاء في فترة ثم أصيب بالملل لذلك خرج وترك أرضنا, والحقيقة أنه خرج لأنه عرف ان هذه الأرض لم تعد معطاءة, رغم انه بنى وأقام المنشآت فيها حتى يستمر للأبد, من يذهب للمغرب مثلاً ويعيش روعة الطقس والمساحات الشاسعة من الأرض لا يعتقد بسهولة أن يترك المستعمر ذلك ليعيش في بلاده في الصقيع والأمطار والبرودة. لماذا لم يحدث التقدم رغم مرور سنوات طويلة على خروج المستعمر؟ ــ المفروض ان الجيل الذي جاء بعد الجيل الذي واجه الاستعمار يكون على مستوى المسؤولية ولكن المشكلة انه يخلق دائما نوعا من (التابو) أي الطقوس, ولذلك عليه ان يواجه ويأخذ مكانه, وكثير من الدول التي كانت مستعمرة أصبحت متصدرة الآن .. عندك أمريكا كانت تخضع للاستعمار, والآن هي قوة عالمية ضخمة, ولذلك لدى ثقة في ان المستقبل سيكون بخير إن شاء الله. هل هذه الأفكار والآراء رد على بعض مفكري الغرب الذين يروجون لمقولة ان الاسلام هو العدو المقبل للحضارة الغربية؟ ــ هذه استفزازات, أنا على صلة بالغرب, أكبر خطأ ان ننظر لكل صيحة على أنها العدو, لكن عدوك هو ذاتك, فالحضارة الغربية ترى أنها سائدة وتقود الكون, ولابد ان تدافع عن مركزها وبالمقابل عندما يكون لك مركز فإنك ستدافع عنه ايضا. ولا تعتبر ان الحضارة الغربية في دفاعها لابد أن تكون مستكينة وضعيفة, وفترة الاستعمار كانت فعلا فترة تحكم وجبروت ومحاولة استحواذ, الآن الغرب يريد أن يحتفظ بسيادته الكونية أولاً وان يرقى بها ويكون نموذجا كونيا. ولذلك لا نعتقد انه يريد قتلنا, هو لايريد ان يكون مجرم يريد فقط استخدامنا وتوظيفنا, فكن قويا حتى لاتكون طبق صالح للأكل, وبدلاً من أن تلقى على الآخر بكل الهموم انظر إلى همك, لا تقل فعلوها في, لا .. انت فعلت في نفسك الكثير, آباؤك وأجدادك لعبوا دورا رئيسيا وجاهدوا واستعادوا ما استطاعوا أن يعيدوه اليك فكن انت على المستوى ولا تحسب كل صيحة أنها العدو. الن يقطع الغرب الطريق أمامنا؟ ــ هو لايريد ان يقطع الطريق إنما يحتفظ بموقعه المسيطر وهذا فرق كبير, لن يأتي ليقول لك لا تتحرك من مكانك لأنه يعلم أنه كلما كان راقيا ومتفاهما ويتعامل بشكل واع وبوعي فأنت ستطلب منه العون والمساعدة وهنا سيعطيك النصيحة بإحالتك على صندوق النقد والبنك الدوليين. اليابان كانت من اعدى أعداء الغرب, الآن أصبحت قوة رهيبة وكذلك المانيا والصين. الحرية والديمقراطية الا تعتقد ان مناخ الحرية والديمقراطية الذي تعيشه هذه المجتمعات وغير موجود في بلادنا يجعل فرص التقدم محدودة لافتقاد الشفافية والوضوح في برامج النهوض؟ ــ اترك هذه الألفاظ والمصطلحات .. القضية متكاملة وليست ساندوتشا سريعا, وقبل ان تطالب بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان, ليوجد هذا الانسان أولاً حتى تكون له هذه الحقوق, كيف يكون لانسان لاوجود له حقوق, الانسان سابق لحقوقه, وهذه بضاعة لشغل العالم الثالث بالمهاترات فيما بينها. واذا كانت للأمة الإسلامية من دعوة فعليها ان تعطي أولوية مطلقة للعدالة, يكون لدينا القاضي العادل الذي يعطي كل مواطن حقه حينما يقدم شكوى, والقضاء العادل هو الذي بنيت عليه الخلافة الاسلامية منذ البداية, المشاكل الكثيرة التي تواجه أبناء الوطن الواحد تحتاج الى القاضي العادل وبعد ذلك يأتي تأمين الدولة أي وجود جيش دفاعي قوي وليس هجوميا وهذا يتم بالتجنيد الاجباري, وتحول الشعب كله الى جيش هو الذي حمى سويسرا خلال الحرب العالمية فهي تقع في قلب أوروبا ومحاطة بثلاث دول من عمالقة أوروبا ايطاليا وفرنسا والمانيا ومع ذلك استطاعت الاحتفاظ بالتعادل بين هذه القوى, و(جريزان) الذي قاد سويسرا خلال الحرب قال: عندما تأتينا المانيا سيكون بين كل قبر وقبر, قبر, أي يدفن السويسري مع الألماني, وهذا جعل هتلر يعيد النظر في الهجوم على سويسرا لأنه سيواجه جيشا تعداده خمسة ملايين هم كل مواطني سويسرا, وخلال زياراتي لها فإنني أقابل رؤساء جامعات يضعون بجانبهم الملابس العسكرية حيث يحصلون كل عام على تدريب سنوي لمدة خمسة أسابيع. ولذلك أحبذ النسق الدفاعي في الجيوش العربية بمعنى ان الدولة بكاملها تتحول الى جيش ويكون التدريب السنوي لجميع المواطنين إجباريا, وقوتنا في الإنسان وليست في السلاح الذي ينتجه الآخر فيمنعه عنك في الوقت المهم, اذا كانت لديك طائرات فإنهم يمكن ان يمنعوا عنك اي قطعة منها مثل العجلات فتتوقف الطائرات إذن قوتك هي الانسان تكونه تربويا وجسديا وتعبئه وتعطيه نوعا من التدريب العسكري كنسق عسكري دفاعي وليس هجوميا لأن الدنيا تغيرت, فالتدمير الآن أصبح يباع ويشترى فيما يعرف باسم التمرير النووي. التمرير النووي ماذا تعني بالتمرير النووي وما هي خطورته على العالم؟ ــ هذه القضية تشغل بال كبار المتخصصين في العالم وهي ان الفترة المقبلة لن تكون لصنع القنابل النووية وإنما فترة تمرير نوي حيث سندخل عصر الربح والمكسب السريع فالعصابات التي تقوم بتمرير المواد النووية من مكان لآخر تكسب ملايين الدولارات ولذلك يستثمرون أموالهم في هذه التجارة وليس في مشروعات تنموية مثلا وكما تنتشر عصابات تهريب المخدرات ستنتشر ايضا عصابات تمرير المواد النووية وبالتالي فان الدول ستقبل على شراء هذه المواد النووية دون أن تضيع وقتها في انتاجها بل تحصل عليها جاهزة. وقد فجر هذه القضية المفكر اليهودي الكبير (أتالي) الذي عمل مستشارا للرئيس الفرنسي الراحل (فرنسوا ميتران) حيث قال: خلال فترة قصيرة للغاية ستكون الأولوية المطلقة في الربح في العالم هي تجارة التمرير النووي اي شراء المواد النووية ونقلها من بلد لآخر. والدول الكبرى لا تستطيع مواجهة هذه العصابات لأن مكاسبها رهيبة ولها مردودية عالية, والآن يوجد عدد ضئيل من الدول النووية وبعد 20 عاما سيزداد هذا العدد فشهية الانسان أصبحت مفتوحة ونتمنى أن تكون للخير وليست للتدمير. ماذا كان رد فعلك على التفجيرات النووية الباكستانية ردا على تفجيرات الهند؟ ــ أنا مسلم يميل الى الخير وتفجيرات الدولتين هي قضية مواجهة لانسان يدافع عن أرضه وذاته, وباكستان في نزاع مع الهند على كشمير وهذه قضية فرضت شرطيات معينة وهم لهم اسلوبهم في حل مشاكلهم ولذلك لابد ان نضع هذه القضية في اطارها الطبيعي ولا نستشهد بباكستان لتكون مثلاً لنا. ترسانة إسرائيل كيف وفي قلبنا محتل غاصب يمتلك ترسانة نووية ضخمة؟ ــ أكبر خديعة هي اعتماد اسرائيل على السلاح النووي وهم سيكونون أول ضحية لتفجير نووي في المنطقة إلا إذا أرادوا أن يحموا أنفسهم فليذهبوا الى استراليا وامتلاكهم لهذا السلاح هدفه الترهيب والقرآن قالها (يحسبون كل صيحة هو العدو) ولا أميل للدخول في هذ المسلسل لأنه تخريب والمفروض الا نكون من دعاة التخريب وفي نهاية المطاف من المشرف على المعركة الكبرى هي القوى العظمى. كيف تكون المواجهة مع هذا العدو؟ ــ ان نكون على وعي بالتناقضات غير المتعادلة بالمنطقة, فهي تغص بالخيرات وبالموقع الاستراتيجي وبالمقدسات فهي أرض النبوات, نتصرف برزانة حتى لانقع في مسلسل المغامرات ونبكى على اليوم الذي كنا فيه, نحن أصحاب حق وأرض ولا داعي أن نكون أصحاب مغامرات سينمائية. وفي الأربعينات لو فكر العقل العربي من وراء احتلال فلسطيني ومن الذي يساند المحتل ما كان قد حدث استنزاف الأرض وكل شيء وبدأ الانسان العربي يبكي وأنا من أنصار ان العربي مطالب الآن بتشغيل عقله فالقضية ليست بسيطة نتسلح بالعقل وبالأجيال الواعية والصبر, وأنا لا أتفق مع دعاة الانقطاع حيث لن نستفيد شيئًا ولا أتفق مع الذين يقولون كل شيء انتهى, لم ينته فالقضية طويلة. وأذكر اليهود بأنهم لم يجدوا في عصور الشتات والبلاء والمعاناة من يفتح صدره وذراعيه ويقف الى جانبهم الا العربي المسلم, فمثلاً عندما تم تدمير امارة (الخزر) اليهودية في تشيكوسلوفاكيا على يد التضامن المسيحي بالدولة لم يجدوا مكانا يهاجرون اليه ويساعدهم الا الأندلس التي كان يحكمها العرب المسلمون وعين منهم وزراء في بلاط الخليفة المسلم ومنهم (ابن ميمون) وعندما أجبر المسلمون على الرحيل من الأندلس فضل اليهود الخروج معهم الى منطقة المغرب العربي وهناك أمثلة أخرى كثيرة على سماحة العرب والمسلمين مع اليهود. وما يحدث الآن ليس في مصلحة اليهود وهم مطالبون بالتفكير فيه حيث لايمكن ان يظل الوضع هكذا للأبد فالمنطقة فيها الآن نحو 250 مليون عربي مسلم مغلفين بحزام اسلامي يفوق المليار. القاهرة ــ(البيان)ــ حوار طه خليفة

Email