الكاتبة الجزائرية مستغانمي لـ(البيان): كنا نكتب لقارئ من المجهول فصارت كتابتنا لقاتل مجهول، نحن في الجزائر نعاني من عجز عاطفي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحلام مستغانمي كاتبة فاقت بشهرتها الكاتبات العربيات, فمن باب الشعر دخلت الى الرواية ومن اللحظة الاولى كسبت الرهان فكانت (ذاكرة الجسد)ولا تزال حتى اليوم تحقق مبيعات خيالية مما دفع بدار الآداب للنشر لطبعها سبع مرات , ومن ذاكرة الجسد استطاعت احلام نسج عمل آخر بعد حوالي عامين فكتبت روايتها الثانية (فوضى الحواس) ومع كل ما تحمله الروايتان من متعة وبساطة ودقة في التعبير بذات احلام بتأسيس نوع جديد من الحبكة القصصية في قالب وطني بداخله الحب والهروب. ربما تتذكر احلام مستغانمي يوم اختارت المشاركة في أمسية شعرية في الجزائر وكيف كان والدها يمانع هذا حتى استغلت دخوله المستشفى وجاءت لالقاء الشعر فكان جالساً في الصف الأول تلعثمت يومها الفتاة وارتبكت لكنه صفق لها وربما كان هذا الفتيل الاول الذي اشعل بداخلها الحماس على العطاء, ابتعدت عن الاضواء الى باريس وهناك عرفت ان الصمت جزء من الكتابة, لهذا تقول اليوم بان كثافة الحضور الاعلامي لا تفيد الكاتب لان حضوره اثناء غيابه اقوى احياناً. وهي تختار الوقت المناسب ان كان ثمة ما تقوله لتظهر رغم عدم اعترافها بأنها كاتبة جيدة فالكاتب اما كاتب أولا يكون, وربما صار الأمر فضولياً في شهرتها اللبنانية لأنها مواطنة جزائرية اذ تناول القارىء اللبناني روايتها في باب الحشرية وتحول فيما بعد معجباً, فهي لا تقيم حفلات توقيع لرواية لانها تكره الاضواء.. تقول احلام: ادهشني ان يعجب اللبناني وهو في العشرين من عمره برواية تتحدث عن الثورة الجزائرية, وأظن اني ما كتبت ذاكرة الجسد رغبة في الشهرة فأنا ابحرت من جهة ووصلت الى جهة على طريقة كولومبوس وبالنسبة لها كل الروايات الكبيرة تتحدث عن ضيعة عن عائلة شخص كلما ذهبت نحو نفسك نحو الداخل تصل الى الآخر. فذاكرة الجسد هي رواية الوجدان والحنين والخيبات والشوق وبالتالي يجب ان تكون متداخلة وشرسة وعنيفة, نحن مسكونون بذاكرة الامكنة والعلاقة بالمدينة علاقة عشقية اي عنيفة وجاهزة لان تنقلب على ضدها في اية لحظة. تقول: لقد فقدت حق الخطأ بعد ذاكرة الجسد لكني لست متورطة وحدي بل تورط من بارك هذه الرواية من الناشر الى القراء والكتاب الذين اعجبوا بها ما زال لي رعب الصفحة البيضاء ورعب الكتاب الاول, وكل كتاب أكتبه اشعر انه الأول. وربما تبتعد احلام قليلاً عن الاحداث لانها ترى أنها وضعتها في قلب المفارقة خصوصاً لما يحصل في الجزائر (لقد شعرت بمسؤولية الكتابة عن الحدث وشعرت بأنه يلزمني وقت لارى ما يحدث بوضوح من ناحية اخرى, فالصمت يعادل الجريمة فإما ان تصمت وتصبح متواطئاً مع القلة او تكتب ويكون لك حق الخطأ, هذا يستلزم وقتاً, ولكنك تشعر انك لا تملك حياتك هذه هي لعبة التورط مع التاريخ) . في السبعينات كان مفروضاً على كل كاتب ان يقدم ضريبة للوطن بكتابته عن الثورة, كنت في بداياتي ولم اكن مهتمة الا بالكتابة عن الحب لكن حين شرعت بتنفيذ اطروحتي عن الادب الجزائري شعرت بالفراغ القاتم الذي يحويه ادب قرن كامل باللغتين الفرنسية والعربية, ونما بداخلي جوع للكتابة عن الثورة بطريقة جميلة. نحن في الجزائر نعاني من عجز عاطفي وكنت اكتب قصص الحب نظراً لغيابها عن أدبنا تقريباً.. وتحدد أحلام موقفها مما يجري في الجزائر فتقول: كلما تقدمت بي الكتابة, غادرت عمر القناعات ودخلت سن الشك ربما لان الكتابة لا يمكن ان تتم على أرض ثابتة, ارفض ان البس حداد الجزائر وارفض ان يصبح حزني مادة للجرائد, وموت رفاقي مورداً ووجاهة لي ذلك دور الغرباء اما الاقربون فيرسبون دائماً في امتحان الرثاء. انا انتمي الى وطن يعاديك قبل ان يخاصمك ويقتلك قبل ان يحاكمك, وطن يجبرك على ان تختار بين الطاعون والكوليرا, وبين ارهاب معلن وآخر مستتر وفي الحالتين انت لا تختار سوى قاتلك. لذا كلما دعيت الى ملتقى حول الكتابة النسائية بدالي الجدل حول بعض المواضيع يقارب في طرحه مسرح العبث عندما يتعلق الامر ببلد يشكل فيه الكاتب في حد ذاته نوعاً بشرياً على وشك الانقراض وتشكل الكتابة في حد ذاتها تهمة لم يعد الكاتب يدري كيف يتبرأ منها. كنا نكتب لقارىء مجهول فأصبحنا نكتب لقاتل مجهول يحكم علينا حسب مزاجه. * لكن كيف استطاعت كاتبة يسكنها الخوف والمغامرة ان تغامر بالكتابة خصوصاً عن الجزائر وفيها؟ ــ حتماً رحلة في هذا النوع وعلى هذا القدر من المجازفة والمواجهة تكون شاقة اكثر بالنسبة الى المرأة التي تدفع مقابلها ثمناً مزدوجاً, هو ثمن الكتابة وثمن الانوثة, اما اذا كانت جزائرية وتكتب باللغة العربية فهي معرضة لمخالفتين اضافيتين, الأولى ان تدفع ثمن هويتها والثانية ثمن اختيارها الكتابة بلغة محفوفة بالمخاطر أكثر من غيرها. فهل نعجب بعد هذا ألا يكون لنا في الجزائر شاعرات او روائيات باللغة العربية على الاقل بما يعادل الكاتبات باللغة الفرنسية على قلتهن؟ وهل نعجب ان يكون ديواني الصادر سنة 1973 في الجزائر هو اول ديوان شعري نسائي باللغة العربية وان تكون روايتي ذاكرة الجسد الصادرة بعد ذلك بعشرين عاماً تماماً هي ايضاً اول عمل روائي نسائي باللغة العربية. كأن الأدب الجزائري المكتوب باللغة العربية لم يكن ينتظر غيري طوال عشرين سنة وفي بلد تتخرج في جامعاته كل سنة آلاف الطالبات باتقان فائق للغة العربية. وتتابع: ان اكتشافاً كهذا يملأني زهواً فانا اعي ان وجاهتي الادبية تعود الى مصادفة تاريخية وجغرافية ليس اكثر, بقدر ما يملأني باحساس غامض بالخوف على اجيال لن تعرف متعة الكتابة بهذه اللغة, بل قد لا تعرف متعة الكتابة على الاطلاق بعدما حرمها البعض من متعة القراءة ايضاً واقنعها ان الكتاب صديق سوء, وان هناك كتباً مفخخة تنفجر في قارئها وان الكتاب قطاع طرق يتربصون بالقارىء بين صفحتين, ومجرمون يتنقلون وفي حوزتهم اقلاماً وأوراقاً وانهم صنف بشري لا يستحق الحياة. الذين تفرجوا خلال السنوات الاخيرة بلا مبالاة مدهشة على جثثنا والذين جعلونا نصدق ذلك الكاتب الذي قال: لا تخش اعدائك ففي أسوأ الحالات يمكنهم قتلك. ولا تخشى اصدقاءك ففي أسوأ الحالات يمكنهم خيانتك, لذا اخشى اللامبالين: صمتهم يجيز الجريمة والخيانة. بيروت ــ البيان

Email